في مشهد يدمي القلوب بالأحزان، ويُبكي العيون، كانت سيدة مُسنة تزحف السُلم وابنها يُهينها بأقسى العبارات، في مركز أبو حماد بالشرقية، هذا هو مُلخص الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولاقي استياء شديد من الرواد من هذا التصرف القاسي والغير أخلاق. هل عقوق الوالدين مرض نفسي أم سوء تربية؟ وقال الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن الفيديو يعبر عن إنسان عديم الإنسانية وانتزعت الرحمة من قلبه، فقد قال الله عز وجل: "وبالوالدين إحسانًا"، مؤكدًا أنه لا يجوز اعتباره يُعاني من أمراض نفسية، لأنه إنسان في كامل قواه العقلية، ولكنه تجرد من المشاعر واتسم بالحجود والقسوة، لذا يجب خضوعه للعقاب حتى يكون عبرة لمن يعتبر. وأضاف هاني في تصريحه ل"بوابة الوفد"، أن هذا الأبن ارتكب جُرم كبير في حق والدته، فهو لم يجعلها تزحف على السلم فقط بل كان يسخر منها بكلمات وعبارات قاسية، موضحًا أن انتشار مثل هذه الفيديوهات على "السوشيال ميديا" تتسبب في إصابة المجتمع بحالة سيئة من الإحباط والاعتياد على رؤية هذه السلوكيات السيئة وغياب الضمير. دوافع عقوق الوالدين فيما قالت الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع العائلي والمشكلات الاجتماعية، إن الدلع وإعفاء الأبناء من المسئوليات وحقوق والديهم عليهم بالتأكيد ينتج عنهم أبناء قاسية قلوبهم لا يتحملون مسئولية، لأنهم اعتادوا على عدم رعاية والديهم منذ الصغر، فالتربية والتقويم من الصغر هما الأساس الذي يتحكم في أخلاق الأبناء في الكبر. وشددت عز الدين، على ضرورة تقويم الأبناء في طفولتهم وتحميلهم المسئولية وإشراكهم في أعباء الأسرة حتى يكون لديهم انتماء وحس داخلي تجاه أعباء والديهم، فضلًا عن ضرورة إلزامهم بأدوار في أعمال المنزل. ولفتت إلى القدوة الحسنة داخل الأسرة، فإذا رأي الطفل والده يُهين والدته، بالتأكيد سينشأ على هذا التصرف السيء ويفعل مثله بعد ذلك، لأن الأب هو قدوة أبناءه، مؤكدة أن طاعة الوالدين شيء مقدس وأوامر ربانية يجب أن يلتزم بها الإنسان. عقوبة عقوق الوالدين في الإسلام وعلى الجانب الآخر، قال الشيخ مصطفى عزت، إمام الجامع الأزهر سابقًا، وأحد علماء وزارة الأوقاف، أن الفيديو المتداول مُصابًا جد جلل ويهدم الركن الوثيق بين الأبناء وأمهاتهم، ويؤلم الفؤاد والأكباد، ويبعث على اللوعة والآسى على النفوس. وأضاف عزت، أنه إذا كانت النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها فإن أعظم الناس إحسانًا وأحقهم برًا وحنانًا هما الوالدان الكريمان، فبر الوالدين فريضة وفضيلة وصفة لازمة وجوبها حتما، لأن الدين والنقل والشرع والعقل والمروءة والنبل والرحمة والفضائل ورد الجميل والإنسانية وبدائع الخصال السنية والأخلاق الكريمة والشمائل الشريفة، كل ذلك من دواعي البر. وتابع: ولقد تكررت الوصية في كتاب الله في مواضع عديدة تحُض على بر الوالدين، فقال تعالى في أكثر من موضع: "ووصينا الإنسان بالوالدين إحسانًا"، كما أنه منهج الأنبياء، فقال ابن عباس رضي الله عنه: " ثلاث آيات مقرونات بثلاث"، وذكر منها "ووصينا الإنسان بوالديه فمن لم يشكر لوالديه لم يشكر لله عز وجل". وأوضح أن كثرت العقوق من علامات الساعة كما ورد في الحديث" "إن من أشراط الساعة أن يكون المطر قيظا والولد غيظا"، وكذلك فالعقوق يؤدي إلى الحرمان من الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق"، مؤكدًا أن من أعظم العقوق ما رأيناه في الفيديو من الاعتداء والإهانة والشتم والحرمان، فهذه ليست من أخلاق الإسلام ولا من كرم الأخلاق ولا من الشهامة. وحذر عزت، الأمهات والآباء من تعاملهم مع أبناءهم منذ الصغر، وعقوقهم لإبناءهم وهم صغار، وذلك عن طريق تركهم للخادمات أو تركهم في سن صغير ب"الحضانات" بدعوى انشغالهم بلقمة العيش، بينما هم في هذا السن الصغير أحوج ما يكون لرعايتهم والتنعم بمرافقتهم والأخذ من حنانهم.