يروي أن الناس في إحدي القري الفقيرة استيقظوا يوماً ليجدوا حفرة كبيرة علي قارعة الطريق وأن عشرات المارة سقطوا فيها ليلاً، فمات من مات وأصيب من أصيب. تحادث الناس واحتشدوا واتفقوا أن يقدموا طلباً عاجلاً إلي عمدة القرية يطالبونه بردم الحفرة.. لكن العمدة جمع عائلته وخدمه وسألهم المشورة التي تحل مشكلة الحفرة وتمنع سقوط الصرعي، وفي نفس الوقت تستبعد فكرة ردم الحفرة لأنه مطلب للناس من خارج عائلته. وبعد محاورات، ومشاورات قرر العمدة وضع سيارة إسعاف إلي جوار الحفرة لتنقل مَن يسقط بسرعة إلي المستشفي وتعالجه. في اليوم التالي لم ينجح الحل، لأن عدد الساقطين في الحفرة تجاوز إمكانية سيارة الإسعاف واحتشد الناس مرة أخري مطالبين بردم الحفرة. وتحت ضغط شديد اضطر عمدة القرية إلي حشد حكماء عائلته وعرض الأمر عليهم مرة أخري مطالبا بحل يحفظ هيبته ويصون أرواح المارة. وقتها اقترح أحد شيوخ العائلة التي توارثت المنصب الأعلي في القرية أن يتم إنشاء مستشفي صغير إلي جوار الحفرة، وبالفعل أعلن العمدة عن ذلك، لكن ارتفاع تكلفة إنشاء المستشفي وطول الوقت المستغرق في ذلك دفع الجميع إلي استبعاد الحل. ومرة أخري سقط ليلاً بعض المارة في ذات الحفرة المشئومة، وتكرر الغضب وتكررت مطالبات الناس بضرورة ردم الحفرة. ووقف العمدة خطيباً وأخذته العزة بالإثم فحذر من مؤامرات خارجية تلزمهم بالإبقاء علي الحفرة لاصطياد الأعداء عند هجومهم، ودعا مفكري عائلته إلي صياغة حل توافقي لتلك الأزمة. وبعد مشاورات طويلة صدر قرار العمدة الأخير بردم الحفرة المشئومة وحفر واحدة أخري مساوية في الحجم والعمق إلي جوار المستشفي العمومي للقرية. تذكرت الأقصوصة بتفاصيلها وأنا أتابع أساليب مؤسسة رئاسة الجمهورية طوال الأسبوعين الماضيين في التعامل مع أزمة الإعلان الدستوري الديكتاتوري. إصرار تام علي تجاهل الآخر، وتشويه دائم للمختلف في الرأي. بنفس هذا المنطق دخلت مصر أزمة الدستور المشبوه وهي منقسمة وممزقة ومذعورة. لا ينتج الاستبداد خيراً، ولا تزقزق العصافير في سماوات ترصدها بنادق الصيد، ولا تحصد الشعوب قمحاً لسنابل روتها مياه الصرف الصحي. والله أعلم.