هكذا.. وضعتنا جماعة الاخوان المسلمين في هذا المأزق اللعين. إما أن نختار المر، المسمى بالدستور الجديد، وإما أن نختار الأمر منه، وهو هذا الشيء الرديء المسمى بالإعلان الدستوري. تماما كما حدث في انتخابات الرئاسة الماضية، فكتب علينا حينئذ أن نختار ما بين الدولة الدينية والدولة العسكرية. أصدر السيد رئيس الجمهورية، الاعلان الدستوري المقيت وأصر علي الابقاء عليه متحديا كافة التيارات والاحزاب والنخبة المدنية، ثم أمر الجمعية التأسيسية، المشكل أغلبها من الاخوان المسلمين والتيار الاسلامي، بسلق الدستور خلال 24 ساعة. هكذا تم تجهيز الدستور وتم عرضه علي رئيس الجمهورية، وقد اصدر سيادته القرار بالاستفتاء عليه، بعد 15 يوما من تاريخ العرض عليه. هكذا أصبحنا أمام احد الأمرين، إما أن نقول نعم للدستور ونختار المر، الذي تم تفصيله علي قد التيار الديني بعيدا عن الحكم المدني والديمقراطية. وإما أن نقول لا، فيجسم علي صدورنا الاعلان الدكتاتوري المسمى بالدستوري فيصبح هو المطبق. هكذا... وضعتنا جماعة الاخوان المسلمين، في هذا المأزق شديد الصعوبة، رغم أن جميع قادة الاخوان المسلمين قد افصحوا عن نيتهم مسبقا بقولة نعم للدستور، ذلك لان جميعهم قالوا في محاولة لتهدئة الاوضاع أن الاعلان الدستوري المقيت الذي قامت له مصر ولم تقعد بعد، سينتهي في خلال اسبوعين بعد أن يقول الشعب نعم. وكأنهم متأكدون ومرتبون كل شيء لكي يقول الشعب نعم. الاخوان المسلمون متأكدون أن الاغلبية ستقول نعم، لانهم متمرسون علي اقناع بسطاء هذا الشعب، عن طريق الاتجار بالدين، فيوحون إليهم بأن من يقول نعم سيدخل الجنة ومن سيقول لا سيدخل النار. فيضحكون علي بسطاء الناس تارة، بأن من يقول نعم، هو مؤمن بالله ومن يقول لا كفار، ويقولون تارة أخري بأن نعم تعني الاستقرار. تماما كما حدث في استفتاء 11 مارس 2011. هذا فضلا عن الاغراءات المادية والعطايا التموينية من السكر والارز والزيت. التيار الاسلامي بصفة عامة يستغل الدين مع بسطاء الناس واضعا في ذهنه قولة كار ماركس المفكر الشيوعي المعروف ( إن الدين أفيون الشعوب ) فإذا اردت أن تقود شعبا فيمكن ذلك ببساطة عن طريق استغلال الدين. وقد يساعد الاخوان المسلمين في الوصول إلي مأربهم، في الاستفتاء علي الدستور الجديد، ما انتهت إليه الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر من رفض الاشراف القضائي علي الاستفتاء وانصياع اغلب رجال القضاء لهذا القرار. بذلك سيكون الامر كله بيد الاخوان المسلمين يفعلون ما يشاؤون في الاستفتاء ويحضرون انصارهم للإشراف عليه. لكنهم نسوا أو تناسوا، انه طبقا للإعلان الدستوري الساري حاليا، لا تكون الانتخابات أو الاستفتاءات صحيحة إلا بالإشراف القضائي عليها. وهذا المأزق قد تضطر معه قادة الاخوان المسلمين إلي إصدار اعلان دستوري آخر باستبعاد رجال القضاء من الاشراف علي الانتخابات، حتى يصلوا إلي هدفهم ويحصلون علي موافقة الاغلبية البسيطة من شعبنا. إني أتساءل.. هل الاخوان المسلمون قد نسوا ام تناسوا ان جميع التيارات المدنية قد وقفت صفا واحدا امام ما يسمي بالإعلان الدستوري او مشروع الدستور ؟؟ لقد أعلنت كافة التيارات والاحزاب المدنية عن رفضها للإعلان الدستوري وهذا الدستور المشوه، بل إن رجال القضاء علي جميع درجات التقاضي، بمن فيهم رجال المحكمة الدستورية العليا، قد علقوا العمل القضائي كله وعلي مستوي الجمهورية، رفضا للإعلان الدستوري والدستور، وهناك ايضا اغلب رجال الاعلام واغلب النخب المستقلة في مصر انضمت الي هذا الرفض. لقد نسيت جماعة الاخوان المسلمين، ان هؤلاء جميعا قوة ضاربة ومؤثرة تأثيرا كبيرا علي الشعب حتى لو قل عددهم عن اغلبية الاخوان المسلمين. لقد انشطر الشعب المصري إلي قسمين ومن الصعب أمام هذا العناد وهذا الكبر وهذا الصلف، أن يتم الوئام أو الالتئام مرة أخري بين قسمي الشعب، لأن الجرح أصبح غائرا ومؤلما ومهددا بنهاية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالي. ولكن يقيني دائما، أن مصر المحروسة، بإذن الله ستظل في حمايته سبحانه، ولن يؤثر فيها هذا المر أو حتي الأمر منه.