هذا المسخ المسمى بالإعلان الدستوري، لا هو إعلان دستوري، ولا هو دستور ولا هو قانون، ولا حتي قرار بقانون. إن هو إلا مسخ وسوس به الشيطان في أذن من أصدره، فولد لكي يحدث الفرقة في المجتمع المصري، ويعيث في الأرض الفساد. كل ما يؤدي إليه هذا المسخ اللعين، مجرد خلق ديكتاتور يتحكم في مصائر العباد، فرعونا يقول للشيء كن فيكون، دون صد أو رد أو حتى معارضة. أخطر ما في هذا المسخ، هو تحصين قرارات الرئيس من الطعن عليها، وهذا يعني أن سيادة الرئيس قد اعتقد – أو هكذا هيئ له – أنه لا يخطئ أو أنه معصوم من الخطأ، متجاهلا أن كل بني آدم خطاؤون، حتى الانبياء يخطئون، فالذي لا يخطئ هو وحده الله سبحانه وتعالي. فإذا كان الأمر كذلك، فدعني أتساءل، سيادة الرئيس - ولكونه بشراً يصيب ويخطئ - إذا ما أصدر قرارا وكان خاطئا، فما هو السبيل للرجوع عنه؟؟ سيادة الرئيس... حتى المحاولة البائسة، التي جمعت بينكم وبين مجلس القضاء الأعلى، انتهت إلي لا شيء سوي تصريح أجوف، لا يقدم ولا يؤخر، اللهم إلا إذا كان القصد منه الإيحاء بأن هناك مساعي حثيثة من مؤسسة الرئاسة لاحتواء الأزمة الراهنة. لكن الحقيقة، أنه لو كانت هناك إرادة حقيقية لتصحيح هذا الخطأ القاتل، لقامت مباشرة بإلغاء هذا المسخ المسمى بالإعلان الدستوري أو حتى تعديله بما تتوافق عليه كافة القوي السياسية، ونشر ما تنتهي إليه في الجريدة الرسمية. لكن مع الأسف لم ولن يحدث هذا، لأن البادي أن هناك نية مبيتة للقضاء نهائيا علي كل مبادئ الديمقراطية، للإبقاء علي هذا المسخ كإحدي دعائم الحكم السلطوي للبلاد. هذا المسخ المسمى بالإعلان الدستوري مصيره إن عاجلا وإن آجلا السقوط والخلاص منه، وإما أن يسقط من أصدره. المهم أنه سواء سقط هذا المسخ أو سقط من أصدره، يظل المجتمع المصري وحدة واحدة دون انقسام قد يؤدي بنا إلي إراقة دماء المصريين الزكية، ومن ثم تقسيم البلاد. نحن الآن في مفترق الطريق، إما أن ينصاع الرئيس لمكتب الارشاد وباقي عشيرته، أو أن ينصاع للرغبة الشعبية الجامحة وتهدئة هذا الاحتقان الذي يزيد ويتأجج في الشارع المصري، وربما قد يصل بنا للحرب الأهلية. في هذا الوقت سوف تضطر القوات المسلحة للنزول مرة أخري للشارع المصري. لكن هذه المرة، تختلف عن سابقتها في بداية ثورة 25 يناير 2011، وقتها كان الشعب كله صفا واحد ويدا بيد، أما الآن، فالشعب منقسم علي نفسه، ومن ثم فلا ندري إلي أي قسم سينحاز الجيش المصري، إلي أنصار الدولة المدنية أم إلي أنصار الدولة الدينية؟؟ أغلب الظن عندي، أنه إذا ما نزلت القوات المسلحة مرة أخري، ستفرض حظر التجوال وتطبق الأحكام العرفية، حتى تتمكن من تهدئة الاوضاع الملتهبة وتهدأ النفوس. لكن، هذه المرة مع الأسف الشديد ستخسر كل الاطراف المتصارعة، لأن القوات المسلحة في هذه المرة ستستمر في ادارة البلاد لعهود وعهود طويلة، حقنا للدماء المصرية الزكية. مصر في هذا التوقيت الدقيق، مقبلة علي مرحلة في غاية الخطورة. كم أتمني أن يكون سيادة الرئيس حصيفا متبصرا بفداحة ما وصلنا إليه، ويسارع إما بإلغاء هذا المسخ أو حتي تعديله، بما تتوافق عليه كافة القوي السياسية. فليس من العيب أن يخطئ الانسان. لكن، العيب كل العيب، أن يستمر الانسان في خطائه. هكذا تعلمنا من ديننا الاسلامي الحنيف، أن الرجوع إلي الحق فضيلة. إذا استمر هذا الاحتقان لأكثر مما وصل إليه وزادت حدته وانتشاره علي مستوي الجمهورية، ربما قد نصل إلي أولي خطوات تقسيم البلاد، وهذا هو ما سعت إليه امريكا واسرائيل، أملا في اضعاف مصر وإذلال شعبها. إنني من أشد المحبين لتراب هذا البلد وحريص كل الحرص علي مستقبل أبنائه. لابد للأطراف المتنازعة أن يتحاوروا ويتوافقوا حقنا للدماء المصرية الطاهرة، فلا أتصور أبدا أن يصل بنا الأمر إلي أن يقتل المصري أخاه المصري، لخلافات سياسية أو عقائدية، فهذا الأمر لم يحدث في تاريخ مصر كلها. حرصي الشديد علي هذا البلد، يجعلني أصرخ بأعلى صوتي، أملا في أن يعي سيادة الرئيس فداحة هذا الجرم المسمى بالإعلان الدستوري. وليأخذ العبرة والعظة من التاريخ ولا يسير علي ذات الخطي التي مر عليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حينما حصن أعماله بقرارات مثل هذا المسخ المسمى بالإعلان الدستوري، فوصل بنا إلي ما نحن عليه الآن من فقر وحاجة وعوز. حمي الله مصر وجنب شعبها شر الفتن.