«الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    3 قرارات جمهورية مهمة و6 هدايا رئاسية سارة للمصريين وتكليفات حاسمة للحكومة    «وزارة التخطيط» تعلن عن أنشطتها في أسبوع    ارتفاع الفول والزيت والسكر واللحوم اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    وزارة التخطيط والتعاون الدولي تترأس الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة المصرية السويسرية    بالصور- محافظ أسيوط يتابع أعمال تطوير مدخل قرية بني قرة ونقل موقف السرفيس    وزير خارجية باكستان: إسلام أباد سوف تدرس خفض التصعيد حال عدم شن الهند هجمات أخرى    صحيفة عبرية: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    بعد غيابه ثلاث مرات.. وصول زيزو ومحاميه لمقر الزمالك للمثول للتحقيق    ردموا عليه بالخرسانة بعد سقوطه في حفرة آثار.. كشف لغز اختفاء شاب بالغربية    ضبط 6 أشخاص بينهم 3 مصابين فى مشاجرة بدار السلام سوهاج    سوزان نجم الدين تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها مع ورثة الفنان محمود عبدالعزيز    وفاة زوجة الإعلامي محمد شردي والجنازة ظهر اليوم    المتحف المصري الكبير يستقبل رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    ثلاثية بصرية.. معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    «الثقافة» تنظم زيارة تثقيفية لأطفال المناطق الجديدة الآمنة بمركز الحضارة والإبداع    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    السبكي يبحث مع الصحة العالمية تطوير التعاون فى 6 محاور استراتيجية    عاجل- رئيس الوزراء يزور شرق وغرب بورسعيد    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    الكنيسة القبطية تحيي ذكرى الأربعين للأنبا باخوميوس في قداس مهيب بدمنهور    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال ابريل    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات لشغل عدد من المناصب الأكاديمية والإدارية    بعد اعتذاره عن المشروع X.. مصطفى شعبان يعود للسينما بفيلم جديد    وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد معاناة مع المرض    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    الصحة: تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير الخدمات    مستشفيات جامعة القاهرة: صرف مكافأة استثنائية 1500 للعاملين    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    حبس لص المساكن بالخليفة    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    الجيش الباكستاني: رئيس الوزراء شهباز شريف يدعو إلى اجتماع لهيئة القيادة الوطنية    «احذر الخروج في هذه الأوقات».. الأرصاد تُصدر نشرة طقس عاجلة اليوم السبت 10 مايو 2025    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    السيطرة على حريق داخل عصارة عسل أسود بقنا    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    وزير سعودي يزور باكستان والهند لوقف التصعيد بينهما    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: أمم على فوهة بركان
(الحلقة الثانية عشرة)
نشر في الوفد يوم 19 - 08 - 2020

الاحتلال الإنجليزى يزرع الكيان الصهيونى فى قلب الأمة العربية
فتح أبواب فلسطين أمام اليهود بعد مذابح «هتلر»
مصر تواجه مؤامرة «الثعلب العجوز» بالمشاركة فى حرب 1948
فى الوقت الذى سارت فيه القضية المصرية شوطاً لتتعثر أشواطًا أخرى أمام المماطلة والتسويف والمقترحات والعروض ومحاولات تقريب وجهات النظر.. فى تلك الآونة الخطيرة قامت بريطانيا بمناورة خطيرة تقصد من ورائها صرف مصر وجاراتها عن الأهداف القومية، بل وضع شتى شعوب الشرق الأوسط أمام خطر جديد.
ذلك كان هدف الثعلب العجوز الذى أتعبته الجولات وأضعفه النضال المستمر وقضت مضجعه صيحات الشعوب الحرة، فأراد أن يخفى وجهه البغيض وراء وجه أكثر بغضا وكراهية وأن يجعل فلسطين الشهيدة ميدان تجربته البشعة!
كان الثعلب يعرف أن فلسطين العربية ووضعها الإدارى أخطر مشكلة قدر لها أن تواجه شعوب الشرق الأوسط وقدر للشعوب العربية أن تواجهها وكان يعرف أنه منذ تصريح «بلفور» المشؤوم بإيجاد وطن قومى لليهود ووضع فلسطين العربية تحت وصايته، والأمور غير مستقرة وقلقة، وكانت تلك القطعة الغالية من جسم الأمم العربية جالسة على فوهة بركان يغلى جوفه المستعر، ويتوقع الجميع انفجاره وثوراته دون سابقة إنذار.
كان يعرف هذا جيدا.. ومن معرفته تلك بدأ يصنع سلام مستقبله الذى سيواجه به العرب، ويحارب عن طريقه مطالبهم وأمانيهم، ويعرف أيضاً أن فلسطين العربية قبلة أنظار اليهود التى طالما رأوا فيها أنقاض مجدهم الدارس، وعزهم القديم أيام سليمان وغيره من ملوكهم، وأن أعز أمنية لليهود هى أن تكون لهم فلسطين العربية وأن تكون وطنهم القومى، ومن هنا بدأ لعبته الخطيرة.
بداية اللعبة!
أجل.. بدأ الثعلب يفتح أبواب فلسطين لليهود المشردين، خاصة بعد المذابح الهتلرية المعروفة، وبدأ يشجعهم عن طريق خفى على إرساء دعائم وطنهم المنشود حين تحين الفرصة فيكون الجهر بعد الخفاء!
وبرغم وجود الحكم البريطانى فى فلسطين العربية، فقد كان هناك نضال خفى وظاهر ضد هذا الحكم وضد سياسته ذات الوجهين التى كانت تكيل للعرب بغير الكيل الذى كانت تكيل به لليهود!
وظلت بريطانيا ترعى اليهود فى فلسطين وتساعد على إنماء مطامعهم وتبارك إنشاء مستعمراتهم.. ثم.. وبرغم تحديهم لها وإذلالهم إياها، وتحقيرهم لرجالها.. لم تكد تحس بأن اليهود قد أصبحوا فى فلسطين قوة حتى أعلنت أن انتدابها سينتهى فى موعد حددته!
والتصريح خطير فى بابه، فانتهاء الانتداب أمر كان من اللازم أن تسبقه تمهيدات وإعدادات أهمها إيجاد حكومة مسئولة عن أبناء البلاد تصرف الأمور فيها.. ولكن ترك بريطانيا لفلسطين على هذه الصورة فيه ما يعنى التحريض على إحداث انقلاب تسود فيه القوى والويل للضعيف.
كانت انجلترا تعرف أن اليهود قوة فى فلسطين، وتعرف أن العرب كثرة غالبة، ولقد وثقت أن الصراع سيقوم بين القوة الغاشمة والكثرة المؤمنة بحقها، وأن هذا الصراع سيحول الدول العربية - التى اتحدت كلمتها - خاصة المطالبة بحرياتها وفصل أقدارها عن الإنجليز إلى ناحية أخرى أقل ما فيها هو صرف هذه الدول عن هذه الأهداف.
عرف الثعلب العجوز أنه عاجز عن الدفاع،عاجز عن التسليم بالمطالب ومواجهة هذه المشكلات جمعاء، فكان أن خلق مشكلة فلسطين، وجعل اليهود فيها سلاحه المرهوب!
ولما كانت انجلترا قد صرحت بأن قواتها وإدارتها ستجلو عن الأرض المقدسة فى 15 مايو سنة 1948، فقد بدأ المشهد الأول للمسرحية الإنجليزية بأن راح اليهود يعدون العدة لاغتصاب السلطات، ولقد سبق هذا الإعلان وموعده أن قامت بين كتائب التحرير العربية وقوات العصابات اليهودية معارك رهيبة، ولكن كان من اللازم أن تقوم حركة كبرى للقضاء على أحلام اليهود، واشتد النزاع بين العرب أهل فلسطين وأصحابها، واليهود الدخلاء الغرباء، وزاد موعد جلاء البريطانيين الحالة تطورا وخطورة، إذ لم يكد يقترب الموعد حتى انقضت القوات اليهودية على حيفا ثم يافا من بعدها، واحتلتها بعد أن تركها الإنجليز، وكأنه كانت هناك سابقة اتفاق بينهم وبين اليهود الذين أصبحت قواتهم صاحبة السيادة فى المدينتين!
صاحبة السيادة!
ووجدت مصر نفسها أمام العدوان اليهودى فى مركز دقيق، وهى صاحبة المركز الممتاز فى جامعة الدول العربية، ولم تجد حكومتها فى تلك الآونة غير أن تشترك فى الصراع القائم فى فلسطين بصفة عملية حاسمة، وكان أن تحركت جيوشها ودخلت فى 14 مايو سنة 1948 أرض فلسطين وصدر فى ذلك بلاغ رسمى يقول:
صدرت التعليمات إلى قوات الجيش المصرى بدخول فلسطين لإعادة الأمن والنظام فيها ولإيقاف المذابح التى تقترفها العصابات الإرهابية الصهيونية ضد العرب وضد الإنسانية.
تحرك الجيش المصرى، وتحركت معه جيوش الدول العربية جمعاء كلٌ فى جبهته، وبدت بشارات النصر وبوارق الفتوح، ووجف قلب مصر فرحا، واهتزت أفئدة بنيها سرورا إذ أعادت حركات جيشها ذكريات المجد التى حاولت طمسها سياسة الإنجليز.. وأصبحت مصر من أدناها إلى أقصاها لسانا يتحدث عن النصر والفتوح والأمجاد القادمة.
لا أخاف الشعب!
ولكن صوتًا واحدًا ارتفع وسط الضجيج وصيحات الفرح معلنا استنكاره لدخول مصر الحرب فى فلسطين بصفة رسمية، صوت واحد علا وسط موجات الهتاف وصيحات الاستحسان والحماسة متحدثا عن الخطأ الذى ارتكبته السياسة دون روية لتظفر بإعجاب وقتى!
وتلتفت مصر فى دهشة وفزع واتجهت عيون بنيها إلى ذلك الخائن الذى أراد بصيحته الفردية أن يحرمها لذة البعث الحربى!
وأن يمنع جيشها من استعادة أمجاده السابقة وتحرير فلسطين العربية وطرد اليهود منها ورفع راية العرب عالية خفاقة فى العالمين!
تلفتت مصر بأسرها إلى ذلك الخائن صاحب الصوت المعارض الذى أبى عليه عناده إلا أن يكرر صيحته فى نفس اليوم الذى تحركت فيه الجيوش نحو أرض فلسطين، ولكن هذا الرجل لم يعبأ بالشعب الذى استخفه الحماس وأنساه الواقع الغد وما سوف يجىء به، وأصر على إرسال صحيته الجريئة مهما كانت العواقب ومهما كانت الظروف!
وقال يومها إن إسماعيل صدقى الخائن عاد إلى «ألاعيبه» القديمة، وإن اليهود قد اشتروه بدراهم معدودة، أو بعضوية بعض الشركات وقال الناس أكثر وأكثر، ولكن هل اهتم صدقى بأقوال الناس، أو أقام لها فى حسابه أى ميزان؟!
لا.. أبدا ما اهتم إسماعيل صدقى برأى الشعب الذى تعبث بعواطفه الأقوال المنمقة البراقة والكلمات المعسولة وأصر الرجل على أن ينشر رأيه كاملا فى أخبار اليوم، يوم دخول الجيش أرض فلسطين!
واتصل مصطفى أمين بإسماعيل صدقى قبل أن ينشر الحديث الخطير عساه يراجع نفسه فيسحبه وقال له: إننى مستعد لنشر الحديث، وإنما من واجبى أن ألفت نظرك إلى أن هذا الحديث سيثير الشعب خاصة أنه سينشر يوم دخول الجيش فلسطين.
فقال إسماعيل صدقى فى إصرار: أنا لا أخاف الشعب أنا واجبى هو تبصير بلادى بعواقب وخيمة متوقعة وإذا لم أفعل أكون مجرما.
وعاد مصطفى أمين يقول: إن الشعور العام ملتهب وأخشى أن تكون عواقب النشر وخيمة، وضحك إسماعيل صدقى الذى قدر موقفه وحده إزاء شعب بأسره وقال فى إصرار: «يعنى سيقتلوننى؟» خير لى أن أتركهم يقتلوننى من أن أترك هذا الشعب يقتل فأنشر الحديث وليكن ما يكون!
وأضاف إسماعيل صدقى قائلا: ألا تعرف أن الرجل الذى اقترح إدخال التليفون فى الأزهر اتهم بأنه كافر! إننى يا سيدى أحاول أن أدخل التليفون فى السياسة المصرية! ووسط صياح الفرح وضجة الحماسة ظهر أغرب حديث نشرته الصحف، ووقف الرأى العام أمامه فى حيرة وراح الناس يطالعونه شامتين ساخرين حتى لقد شغلهم هذا الحديث أكثر من حديث الحرب وأنباء الانتصارات.
قال إسماعيل صدقى لمحرر أخبار اليوم بعد أن سأله: سمعنا أن لك آراء تخالف القرار الإجماعى الذى أصدره البرلمان بمجلسيه، فهل هذا صحيح، وهل معنى ذلك أن دولتكم المعارض الوحيد فى السياسة التى تقررت والتزمت بها البلد؟!
وقال إسماعيل: لم يبق فى الاستطاعة بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه أن أتكلم فى مسائل ليس من السهل تقبلها، وليس من الميسور التحول عنها، وكل ما أقوله لك إنى آسف على حال البلد، ولكنى لا أستطيع أن أقاوم تيارا جارفا ولو أنى لم أتردد فى إعلان رأيى وتبصيرى أولى الشأن بما يجب أن يعملوه ويحتاطوا له.
وعاد المحرر يسأل: وماذا كنتم ترون دولتكم وما هو رأيكم الذى
لم تترددوا فى إعلانه برغم التيار الجارف والقرار الإجماعى؟!
وأجاب الرجل المعتد برأيه الذى خالف به عشرين مليونا فى ذلك الوقت: لقد قلت كل ما عنّ لى فى اجتماع اللجنة ثم فى الجلسة السرية ولا أحسبنى الآن فى حل من نشره، وحسبى أن أسألك الآن: هل أنت ترتاح للزج ببلدك فى حرب؟!
وأجاب المحرر: هذا شر يا دولة الباشا ما من ذلك شك، ولكنه شر لابد منه اقتضته الظروف وحتمه الأمر الواقع فهل تريد أن تتخلى عن هذا الواجب؟
وقال صدقى مدافعا عن رأيه: لا يا سيدى.. كان فى الإمكان ألا تصل المسألة إلى هذا الحد، وسبيل التفاهم كان مفتوحا بل ولا يزال فى مقدورنا أن نوافق على الهدنة، وقد قلت لدولة النقراشى باشا وكررت له الرجاء بقولى: يا باشا قبل أن تطلب منا شن الغارة، وقبل أن تزج بنا فى الحرب سافر إلى دمشق واسعَ للهدنة وبذلك تكسب ثلاثة أشهر، ومن يدرى ماذا يتم خلالها.
تقدير العواقب!
وأضاف: ومن عجب أن المسألة يدور فيها البحث منذ عام ونصف العام ومع ذلك لا نستدعى، ولا يؤخذ رأينا إلا قبل دخول جيوشنا فلسطين بأربع وعشرين ساعة، ففيم كان الإغفال والإهمال طوال الوقت الماضى، وفيم كانت العجلة والحماسة فى الساعات الأخيرة؟ أنا متشائم ولا أجد غضاضة فى إعلان ذلك وأخشى ما أخشاه أن يفقد هذه الحماسة تشاؤم؟!
هل أعددنا للأمر الخطير عدته، هل قدرنا جميع العواقب، هل استعددنا لأسوأ الفروض، وهل دار بخلد أولئك المتحمسين احتمال إغارة قاذفات القنابل اليهودية على بلادنا؟! أين المخابئ وأين الاحتياطات لسلامة المدنيين وأين وأين مما قد لا يكون من المصلحة نشره؟!
ألم يكن فى الإمكان والمسألة مطروحة للبحث منذ وقت طويل وليست طارئة، ولا مفاجئة أن نستعد ونتأهب إذا كان لابد من خوض غمار الحرب!
أنا أعلم أن هذا الكلام قد لا يعجب كثيرين، ولكنى آليت على نفسى أن أقول ما أعتقد أن نستعد ونتأهب إذا كان لابد من خوض غمار الحرب ،أنا أعلم أن هذا الكلام قد لا يعجب كثيرين ولكن آليت على نفسى أن أقول ما أعتقد،وكم كان عجبى عندما جلست مع حوالى 15 من شيوخنا فلم أر بينهم واحدا يحبذ الحرب، فلما انعقدت الجلسة كانوا سباقين للموافقة وفى ترديد كلمة «نعم.. نعم» مع أنهم كانوا قبل ذلك بنصف ساعة يقولون: «لا حول ولا قوة إلا بالله» ويعارضون فكرة الحرب شكلا وموضوعا! وكم كان عجبى حينما تحدثت مع أحد الوزراء الأجلاء وعرضت فى كلامى لاقتصاديات فكان رده: اقصاديات إيه يا باشا؟! أنا راضى أمشى عريان فى سبيل التخلص من الصهيونيين!
وهكذا تناقش المسائل الكبرى.. وممن ؟ من المسئولين الذين بيدهم مصاير الأمور.
إننا عانينا، ولا نزال نعانى وسنعانى باستمرار من سياسة الارتجال القصيرة النظر ومن الحماسة المبنية على دوافع طارئة أو شخصية وأسأل الله السلامة.
وثار الرأى العام!
لقد كانت جرأة منقطعة النظير، معارض وسط مظاهر الفرح ونشوة الحماسة يشوه من جمال سعادة الشعب بنهضته العسكرية، ويدلى بآراء ويذكر وقوع احتمالات لا وجود لها غير عابئ بالشعور العام فى شىء، ثم ورغم معارضته يتنبأ بأخطار ونذر!
ذلك كان أمرًا خطيرًا، ومعارضة أشد خطورة لم يكن من بين المصريين جميعا من يجرؤ على الإقدام عليها غير إسماعيل صدقى لا يهمه رضاء الشعب الذى تحركه عواطفه، بقدر ما يهمه صالح مصر بوصفه قطبا من أقطابها المسئولين عن غدها وعن أقدار ذلك الغد.
أسأل الله!
وقد ضحك صدقى لثورة الرأى العام لأنه كان أبعد نظرا وأصدق فراسة، وأنه ليقول فى ثورة هذا الرأى العام عليه:
من السهل جدا إرضاء الرأى العام، ولكن واجب السياسى أن يقول ما يرضى ضميره، لا ما يرضى الجماهير، ما أشبهنى بأبٍ يرى ابنه الطفل يريد أن يلقى بنفسه من النافذة فيمنعه من هذا، سيغضب الطفل لهذا التدخل الآن، ولكن عندما يكبر هذا الطفل، وسيكبر يوما ما بشرط أن نحافظ عليه ونمنعه من أن يعرض حياته للخطر، ولحماقة الصغار، سيكبر مع الوقت وبشرط أن يجد من يضربه على أصابعه كلما أراد أن يضع هذه الأصابع على النار، أن شعورى هو شعور الأب وسيبكينى ابنى فى يوم من الأيام عندما لا يجدنى إلى جواره.
إن الطفل يحب بائع «الدندرمة» المليئة بالميكروبات التى تقتله ويهلل لرؤيته، ويبكى عندما يرى الطبيب الذى يحمل إليه الدواء الذى ينقذ حياته؟!
ومرت الأيام
وظلت رحى الحرب الفلسطينية دائرة، ثم فترت حماسة الشعب لها، وبدأ يفكر فى الحديث الذى صرح به إسماعيل صدقى مع مطلع مهرجان النصر، وموكب أمجاد الفتوح، ووجد الشعب العشرون مليون مستنكر لتصريح إسماعيل صدقى.. وجدوا أن المعارض الوحيد كان على حق فى معارضته!!
لم يكن إسماعيل صدقى - حسبما استخلصت من قراءة التاريخ - ممن يجرون وراء العواطف، لذلك لم يهتم برضاء العامة قدر اهتمامه برضاء ضميره، وضميره فقط ولتكن النتيجة بعد ذلك ما تكون!
وإننى لأقف طويلا أمام معارضته للحملة الفلسطينية فلا أجد بمراجعة الكلمات النافذة التى ثار لها الشعب إلا أن أحنى الرأس أمام عقلية مستنيرة، استشف صاحبها الغيب، وسبق الحوادث، وعرف أسرار الغد، واطلع على المستقبل، وتكهن بوقوع ما وقع فعلا، وما قاسينا بعد شروره ومصائبه.
فماذا جرى.. هذا ما أرويه فى الحلقة القادمة إن كان فى عمرى بقية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.