هل البلاد كانت في حاجة إلي اصدار الاعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس محمد مرسي؟!.. أم أن جماعة الاخوان هي التي كانت بحاجة إلي هذا الاعلان لفرض المزيد من الوصاية علي الشعب المصري؟!.. فالاعلان الدستوري الجديد أدخل البلاد في نفق مظلم وبدلاً من لم شمل الفرقاء السياسيين، زاد من هوة الخلاف، وصنع من الرئيس حاكماً بأمره، لا تستطيع أية جهة أو مؤسسة مصرية أن تقف في وجهه أو ترده، لأن الاعلان الدستوري حصن قرارات الرئيس، وأصبح هو كل السلطات في آن واحد. لقد عاد بنا هذا الاعلان الدستوري قروناً إلي الوراء، بعد هذا الاعتداء الصارخ والشديد علي كل مؤسسات الدولة، وبهذا لا يستطيع أحد أن يكون له الحق في اتباع أية وسيلة قانونية أمام هذا التحصين.. وقد يري البعض من أنصار الرئيس وجماعة الاخوان، أن هناك مبررات هي التي دفعت الرئيس لهذا الاعلان الدستوري الذي يحصن قراراته، وأرجعوا ذلك إلي عاملين الأول هو الحجة بإعادة المحاكمات للفاسدين من أنصار النظام السابق، بالاضافة إلي إقالة النائب العام الذي وقف في وجه الرئيس عندما أراد أن يستخدم سلطاته بالطريق الخاطئ. أما العامل الثاني فهو تحصين الجمعية التأسيسية من شبح البطلان وقرب صدور حكم قضائي بشأنها، مما يقطع علي القضاء ممارسة عمله؟!.. في العامل الأول الرئيس قرر اعادة محاكمات أنصار النظام السابق، رغم أن هذا الاجراء لا يجوز إلا اذا توفرت أدلة اتهام قانونية جديدة، فليس من حق أحد مهما كان أن يعترض علي حكم قانوني إلا باتباع الاجراءات التي كفلها القانون.. الكل مستاء من أحكام البراءات التي حصل عليها الفاسدون في نظام الرئيس السابق، لكن أمام أحكام القضاء ليس من حق أحد أن يعترض إلا باتباع الوسائل القانونية ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يعيد محاكمة هؤلاء إلا إذا توفرت أدلة اتهام جديدة وبموجبها تتم إعادة محاكمتهم، لكن إعادة المحاكمة علي النحو الذي سلكه الرئيس لا تجوز إطلاقاً وكأننا «نمرمغ» القضاء في التراب!! وبشأن إقالة النائب العام، فإن الاعلان الدستوري كان بهدف التشفي ومحاولة للانقضاض علي الشرعية الدستورية التي جاء بها أصلاً الرئيس من خلال انتخابات رئاسية، الوضع في مصر ليس فيه شرعية ثورية، لأن الرئيس لم يكن زعيماً أو قائداً لثورة 25 يناير وجاء بها حتي يستطيع أن يتخذ ما يشاء من قرارات، بل جاء بشرعية دستورية ويجب ألا ينقض عليها، خاصة انه أقسم أن يحافظ علي القانون والدستور. ورغم الكارثة التي تواجه الجمعية التأسيسية وحالات الانسحاب الكثيرة منها والتي تعدت حوالي ثلثها، جاء الاعلان الدستوري ليزيد من هذه الكارثة، فقد منح الاعلان لها تحصيناً ضد أي بطلان من حكم قضائي، وكأن الرئيس اتبع اسلوب «اتغدي بهم قبل أن يتعشوا به»، والمعروف أن القضاء كان سيقول كلمته بشأن هذه الجمعية، واستبق الرئيس الأمر، وحصن الجمعية.. وكأنه يقول لكل القوي الوطنية والمدنية بالبلاد التي لها اعتراضات كثيرة علي عمل الجمعية التأسيسية ومسودة الدستور، اضربوا رؤوسكم في الاسفلت.. وبدلاً من إجراء حوار مع كل القوى المنسحبة والتى لها ملاحظات مهمة ولا تبقى سوى إصدار دستور يليق بمصر ويحقق طموحات المصريين ويكون معبراً عن الثورة، فوجئت الجماعة الوطنية بضربة على رأسها، بهدف إسكاتها أو إخراسها!!! والإعلان الدستورى الذى منح الجمعية التأسيسية مدة إضافية ليس بهدف التوصل إلى حوار توافقى مع المنسحبين والمعترضين على مسودة الدستور التى انفرد بوضعها التيار الدينى، وإنما بمنح هذا التيار مدة إضافية لإضافة كل ما يرون أنه فى صالح جماعة الإخوان المسلمين حتى تكرس حكمها بالبلاد كما كان يفعل النظام السابق!.. والذين تصوروا أنه بهذا الإعلان الدستورى سيكممون الافواه ويخرسون الألسنة و«يمرمغون» القضاة فى الوحل، إنما هم واهمون فالوطنيون من أبناء الأمة لا يرهبهم شىء، ووقفوا ضد القهر حتى خلعوا النظام السابق كاملاً. ولا يبقى الآن أمام الجماعة الوطنية والشعب المصرى إلا الاعتراض على هذا الإعلان الدستورى، والوقوف ضد تكريس الاستبداد وصناعة الفرعون من خلال جمع الرئيس كل السلطات فى يده.. البلاد تمر إلى الخلف قرونا كثيرة، والمأزق السياسى الحالى يحتاج إلى خبرة الحكماء الوطنيين للتعاطى مع الأمر وهذا الموقف العصيب.. ولا أكون جانحاً فى الرأى لو قلت أن هذا الإعلان الدستورى جاء فى توقيت قيام مصر بالتوقيع كضامن فى الهدنة بين حماس وإسرائيل.. ولا نعرف هذه الضمانات بالضبط، فى الوقت الذى تؤكد فيه إسرائيل أن مصر تستعد لاستقبال فلسطينيين فى مخيمات بسيناء؟!!.. فهل هذا جاء ليشغل الرأى العام عن قضية أخرى بالغة الأهمية بشأن سيناء؟!!!.. هذا ما تكشف عنه الأيام القادمة.