قال الدكتور أسامة سلام، الأستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه، مدير مشروعات المياه بهيئة البيئة بأبو ظبي، في بث مباشر مع مبادرة Let Nile Flow أن هناك 5 خزانات من المياه الجوفية في مصر، أولها؛ خزان وادي النيل ودلتاه، وهو خزان متجدد يعتمد في تغذيته على نهر النيل بشكل رئيسي، وبالتالي فأي تأثر في مياه النيل سيتأثر بالتبعية خزان وادي النيل، إذا انخفضت كمية المياه في النيل لأي سبب، ستنخفض بالتبعية مياه هذا الخزان، وثاني هذه الخزانات، هو خزان الحجر الجيري، وتواجد المياه به يكون في الشقوق، وثالث هذه الخزانات هو غزان المُغرة، وهو خزان صغير منفصل، والخزان الرابع هو الخزان الساحلي وهو بسيط جدا، وعبارة عن رسوبيات، وأخر الخزانات الموجودة في مصر، هو خزان الحجر الرملي النوبي، وأساس هذا الخزان حجر، وتسري فيه المياه بسرعة بطيئة جدا، وهو خزان غير متجدد وأوضح أن المياه الجوفية هي تلك المياه المتواجدة في باطن الأرض، وقد تكون هذه المياه متواجدة بين حبيبات التربة في الخزانات الرسوبية أو في الشروخ الصلبة للحجر الجيري والجرانيت، وهي ما نستخرجها ونستخدمها. وأشار إلى أن هناك العديد من أنواع الخزانات الجوفية، أبرز نوعين منهم، هما: "الخزان المحصور" حيث يتكون من طبقة عليا غير منفذة وسفلى غير منفذة أيضًا، وبينهما طبقة رملية متشبعة بالمياه، والثاني "غير محصور" حيث يكون معرضا بشكل مباشر للضغط الجوي، يحتوي على طبقة رملية متشبعة بالمياه. وأوضح أنه من حيث مدى تجدد المياه داخل الخزانات الجوفية، يمكن تصنيفها إلى خزانات "متجددة" وهي التي لها مصدر تغذية مباشر من الأنهار، و"غير متجددة"، كان لها مصدر تغذية منذ آلاف السنين وأصبحت الآن ضئيلة جدًا تكاد تكون منعدمة. وأوضح أن مصر تعتمد على استخدام المياه الجوفية في الشرب في بعض المناطق، كما يعتمد عليها في تلبية احتياجات الزراعة في نهايات الترع، نتيجة عدم وصول مياه الري إليها أحيانًا، فيعتمد المزارع على المياه الجوفية، مشيرًا إلى أنه في واحات الخارجة والداخلة والفرافرة وسيوة والبحرية، يعتمد أيضًا على المياه الجوفية، لمشروعات التنمية الزراعية في هذه المناطق. وأكد مدير مشروعات المياه بهيئة البيئة بأبو ظبي، زيادة الطلب على استخدام المياه الجوفية في مصر، خاصة في نهايات الترع في الدلتا، لافتا إلى أن المياه الجوفية في شمال الدلتا تعاني من تداخل مياه البحر معها، مما تؤدي إلى تملحها، لافتا إلى ما يعرف ب"التأثير المحلي للسحب" على خزان الحجر الرملي النوبي "غير المتجدد"، بسبب السحب منه. ونوه بأن هناك العديد من الأرقام حول حجم المياه الجوفية في مصر، غير موثقة، وغير صحيحة، ويتم تداولها إعلاميًا، وتنتشر على نطاق واسع، ويعتبر هذا أبرز التحديات التي يعاني منها قطاع المياه الجوفية في مصر. وقال: نتيجة أن المياه الجوفية في مصر غير متجددة، فيصبح كل قطرة منها لها ثمن، ويجب التشديد على أنه إذا أخذنا قرار لاستخراج قطرة مياه من الخزان الجوفي لابد من الاستفادة منها بشكل كبير جدا، مؤكدا أن هذه المياه غير متجددة، ولا يوجد ما يعرف بالاستدامة في السحب من الخزانات الجوفية غير المتجددة، ولكن يوجد ما يعرف ب"الاستنزاف المخطط"، بحيث يتم الاستفادة من هذه المياه بأقصى استفادة ممكنة، لأنه إذا استخرجنا هذه المياه وتم التعامل معها بنفس فكر التعامل مع المياه السطحية سيعد ذلك نوعا من الإهدار. وأشار إلى هناك تجارب لاستخدام المياه الجوفية، بنفس فكر استخدام المياه السطحية، وهو ما أدى إلى نفاذ الخزان الجوفي، ولعل أبرز هذه الأمثلة، ما فعلته السعودية في الثمانينيات، عندما قررت زراعة القمح على المياه الجوفية، بنفس فكرة الري بالمياه السطحية، مما أدى إلى هبوط الخزان الجوفي لديها إلى أكثر من 64%، وتوقف مشروع الزراعة. وأكد أن التقديرات التي تخرج كل فترة من غير المتخصصين عن حجم المياه في خزان الحجر الرملي النوبي في مصر، ومدى توافرها للاستخدام لفترات طويلة، جميعها استخدم معاملات تقريبية جدا، مشيرا إلى أن معظم دراسات الاستشعار عن بعد والجيولوجيا الفيزيائية غير دقيقة، لافتا إلى أن هذه الدراسات تتحدث عن أنهار تحت الصحراء الغربية، وبحور من المياه تعوم عليها مصر، تكفي لزراعة ملايين الأفدنة، لمئات السنين، لافتا إلى أن أصحاب هذه النظيرات يعتمدون على طريقة واحدة، وهي لا تصلح لجميع المناطق الموجود بها الخزان، وتختلف من مكان إلى أخر. وأشار إلى أن الخزان النوبي يعمل تحت ضغوط، وبعد فترة من الاستخدام تستنزف هذه الضغوط، ليصبح بعدها استخراج المياه غير اقتصادي، لافتا إلى أنه إذا افترضنا أن سمك الخزان في مناطق السحب يبلغ 2000 متر، ويتم السحب على عمق 100 متر، إذا بعد هذا العمق يصبح سحب المياه من الخزان غير اقتصادي إطلاقا، وبالتالي فما يتم اتباعه من طريقة حساب مخزون المياه الجوفية، ويتم ترديده إعلاميا، لا يمكن أن يكون صحيح علميا على الإطلاق. وأكد مجددا، أن المياه الجوفية في الصحراء الغربية غير متجددة، وحتى المياه المتجددة في خزان وادي النيل، سيتأثر بأي كمية نقص في مياه النيل، مهما كانت بسيطة، لافتا إلى أن الخزان الجوفي حاليا مجهد في منطقة شمال الدلتا. وقال إنه إذا كان لا سبيل من استخدام المياه الجوفية، فيجب زراعة محاصيل عالية الإنتاجية جدا عليها، ووفق نظم ري متقدمة وحديثة جدا، حتى لا يتم إهدارها، حفاظا على المخزون الجوفي الذي لا يمكن تعويضه ثانية أبدا. وأوضح سلام، أن احتياجات مصر من مياه الشرب يزداد عن 10 مليارات متر مكعب، لافتًا إلى أنه في 2040 ستحتاج مصر إلى نحو 17 مليار م3 لمياه الشرب، وهذا يعني ضرورة توفير 7 مليارات م3، هذه الزيادة لا يمكن توفيرها من مياه النيل، فمياه النيل عليها العديد من الضغوط، وتوفر الاحتياجات لجميع القطاعات، ولذا فالمتاح لتعويض هذه الاحتياجات إما سيكون من خلال تحلية مياه البحر، أو من خلال تحلية المياه الجوفية ذات الملوحة المنخفضة، وذلك خاصة في المناطق التي لا تصلها مياه النيل، أو تصلها بصعوبة، مثل الساحل الشمالي الغربي، أو ساحل البحر الأحمر. وحول إمكانية اعتماد مصر على المياه الجوفية بديلًا عن مياه النيل، كما يثار إعلاميًا في عدد ن وسائل الإعلام، أشار إلى أن مصر تستهلك حصتها من مياه النيل كاملة، البالغة 55.5 مليار م3، بالإضافة إلى إعادة استخدام نحو 20 مليار م3، وهذا الرقم يبلغ نحو 80 مليار م3 هي ما تستخدمه مصر فعليا، لافتًا إلى أنه إذا أردنا الاكتفاء ذاتيًا من الغذاء، فنحن بحاجة إلى نحو 35 مليار م3، ووفقًا لهذه الأرقام، لا يمكن أن تكون المياه الجوفية بديلًا، في ظل احتياج مصر للمياه. وأكد سلام، أن أحد أكبر المشكلات البيئية التي ستواجها مصر، إذا نقصت حصتها المائية بسبب سد النهضة، هو تداخل مياه البحر إلى أراضي الدلتا بشكل كبير، ما سيؤدي إلى تملح الأراضي الخصبة في الدلتا. وشدد على ضرورة احترام التخصصات عند التحدث عن المياه الجوفية، لافتًا إلى أن المركز القومي لبحوث المياه يضم 13 معهدا بحثيا متخصصا في علوم المياه، معهد بحوث المياه الجوفية أحدها، والذي يوجد تحت مظلته العديد من التخصصات الأخرى داخل تخصص المياه الجوفية، ولذا فعلى المتخصصين في الجيولوجيا والاستشعار عن بعد والجيولوجيا الفيزيائية، التوقف عن التحدث عن المياه الجوفية، لإنه ببساطة لا يمكن لأخصائي الأشعة الكشف على المريض وتوصيف المرض ووصف العلاج. واختتم حديثه بالثناء على ما تقدمه مبادرة Let Nile Flow وما تحاول الرد به على الشائعات والإدعاءات بأسلوب علمي موثق من قبل متخصصين، وهو ما يساهم في دعم قضية مصر دوليا، فضلا عن توعية المواطن بالتحديات المائية التي تواجهها الدولة.