كانت المراوغات والحقائق المضللة والأكاذيب الصريحة من جانب المعسكرين متفشية حتى أن العديد من وسائل الإعلام والمجموعات غير الحزبية احتفظت بقائمة طويلة مستمرة من تحريف الحقائق. ومن بين أشهر هذه المجموعات مبادرة مركز أنينبيرج للسياسة العامة من جامعة بنسلفانيا، التي أسست موقع FactCheck.org على شبكة الإنترنت، والتي اعترفت بأن الحملة أبقت القائمين على المبادرة مشغولين إلى حد غير عادي. ومن بين أكثر الأمثلة فظاعة تلك المزاعم التي أطلقها أوباما بأن رومني يخطط لزيادة الضرائب بمبلغ 2000 دولار على دافعي الضرائب من ذوي الدخل المتوسط و/أو خفض الضرائب بما يعادل 5 تريليون دولار، وأن رومني يؤيد قانوناً يقضي بتجريم «كل عمليات الإجهاض، حتى في حالات الاغتصاب أو زنا المحارم». وذهب رومني إلى ما هو أبعد من هذا، فزعم أن أوباما يخطط لزيادة الضرائب بمبلغ 4000 دولار على دافعي الضرائب من ذوي الدخل المتوسط؛ وأنا أوباما يخطط «لإفراغ إصلاح الضمان الاجتماعي من مضمونه من خلال إسقاط متطلبات العمل»، وأن شركة كريزلر، التي أنقذتها إدارة أوباما، تنقل كل إنتاجها من سيارات الجيب إلى الصين. ولكن كل هذه المزاعم كانت كاذبة. ويقول محللو مبادرة « FactCheck.org»: «إن هذه الحملة كانت عامرة منذ بدايتها وحتى نهايتها بالهجمات المخادعة والمضادة والمزاعم الملتبسة». ومن ناحية أخرى، على مدى ثلاث مناظرات رئاسية متلفزة ومناظرة أخرى بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس، لم تُذكَر ولو مرة واحدة قضية تغير المناخ، رغم كونها القضية الأساسية في عصرنا والمشكلة الأخطر على الإطلاق التي تواجه كوكبنا. بوسعنا أن نستخلص نتيجتين محتملتين من الانتخابات الأميركية. الأولى أن الولاياتالمتحدة سوف تحل بها كارثة محققة في نهاية المطاف بسبب النوعية الهزيلة التي يتسم بها خطابها الديمقراطي، وأن هذه بداية الانحدار الحتمي. فالأعراض كلها بادية، حتى ولو لم يكن المرض قد تمكن من الجسد بالكامل بعد. والاحتمال الآخر هو أن كل ما يُقال ويحدث أثناء الانتخابات لا يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة لصحة نظام الحكم. فالحملات الانتخابية تُعَد دوماً وقتاً للشعبوية الرخيصة والإذعان للأصوليين الذين لا تشغلهم سوى قضية واحدة. ولعل المهم في الأمر حقاً هو ما يحدث بعد تولي المرشح لمنصبه: مدى جودة الضوابط والتوازنات التي تحكم عمله، والنصيحة المقدمة له، والقرارات المتخذة، وفي نهاية المطاف السياسات المتبعة. ولكن إن لم تكن الانتخابات الأميركية أكثر من مجرد ترفيه، فلماذا يُنفَق عليها كل هذه الأموال، ولماذا يعتاد أكثر الناس على هذا الهراء؟ تُرى هل تكون الإجابة بأن النتيجة كانت لتصبح أسوأ لولا ذلك؟ أستطيع أن أقول، في صياغة جديدة لكلمات ونستون تشرشل، إن الانتخابات هي الوسيلة الأسوأ لاختيار الزعيم السياسي، باستثناء كل الطرق الأخرى التي جربت بالفعل وهي حقيقة ساطعة في أميركا بشكل خاص. نقلا عن صحيفة العرب القطرية