القرار الذي اتخذته القوي المدنية بتجميد عضويتها بالجمعية التأسيسية ومنح رئيس الجمعية مهلة ثماني وأربعين ساعة لتحقيق مطالبها، وإلا الانسحاب الفوري، يعد خطوة حقيقية جادة لمنع اصدار دستور معيب لا يعبر عن الحالة المصرية الجديدة بعد الثورة.. لقد تصرف أعضاء الجمعية الليبراليون بصدق بالغ مع الأمة المصرية التي تطمع أن يكونوا معبرين عنها وممثلين عن كل المصريين.. والمعروف أن القوي المدنية تمثل حوالي ربع أعضاء الجمعية التأسيسية، لان عددهم خمسة وعشرون عضواً يمثلون كل التيارات والاحزاب المدنية بالبلاد.. ولقد حددت القوي المدنية الاسباب التي دعتها لأن تأخذ قرار التجميد في الوقت المناسب لمنع سلق الدستور واخراجه بما لا يتماشي مع رغبة جميع الاطياف المصرية ووصفت القوي المدنية ما يدور في جلسات التأسيسية بأنه اسلوب قمعي لخروج الدستور بشكل لا يتناسب مع روح ثورة 25 يناير، وخاصة أن هناك مواد محل خلاف ولم يتم التوافق عليها، ومن غير الجائز أو المقبول أن يصدر الدستور إرضاءً لفصيل علي حساب باقي القوي المدنية، بالاضافة إلي أن لجنة صياغة مواد الدستور استأثرت بجماعة بعينها ضاربة عرض الحائط، بمن لا ينتمي إلي فكر هذه الجماعة.. وإذا كانت الجمعية العمومية تري التعجل في إصدار مشروع الدستور، خوفاً وخشية من حكم القضاء بشأن وضع الجمعية واستباقاً لهذا الحكم، فما الفائدة في دستور معيب يشوبه اللغط ولا يعبر تعبيراً صادقاً عن جموع المصريين الذين ينتظرون هذا الدستور بفارغ الصبر.. وحتي كتابة هذه السطور لم تحسم الجمعية التأسيسية، الأمر بشأن الانذار الموجه إليها رغم أن الباقي ساعات قليلة بشأن المهلة الممنوحة لها وإلا انسحب المدنيون من مهزلة المشاركة في دستور معيب شابه العوار واللغط.. فهل ستتخذ الجمعية موقفاً وتتراجع أمام هذا التهديد الصريح والواضح من أجل مصلحة الوطن؟!.. أم أن الجمعية ستصر علي مواقفها التي تتجاهل فيها دائماً رغبات المدنيين في الدستور؟!.. ولو قدر الله وحدث هذا بالفعل فهل يجوز أن تستمر الجمعية العمومية في مواقفها واخراج مشروع الدستور بعد انسحاب 25٪ من أعضاء اللجنة التأسيسية؟!.. بصراحة شديدة موقف المستشار حسام الغرياني لا يحسد عليه وهو أمام موقفين الأول هو تجاهل مطالب المدنيين وبهذا يكون الدستور معيباً ولا يجوز طرحه للاستفتاء علي الشعب؟!.. والموقف الثاني هو الاستجابة للمطالب كلها وإعادة تصحيح كل المسارات الخاطئة وبذلك يحتاج إلي المزيد من الوقت، وهو ما يخشاه الغرياني خوفاً من صدور حكم قضائي ببطلان عمل الجمعية التأسيسية؟! علي كل الأحوال يجب أن يكون دستور مصر الجديد خالياً من العيوب أو العوار، فلن نغير الدستور كل يوم أو كل سنة، وإذا كان هناك خطأ من البداية في عدم وضع الدستور منذ اندلاع الثورة، فليس معني ذلك أن يتم التسرع الآن في إصدار الدستور، وما فائدة هذا الدستور طالما انه لا يعبر عن أطياف المجتمع المصري قاطبة؟!.. كما أنه ليس من حق فصيل سياسي أو حزب معين أن يستأثر بوضع الدستور، فقد يكون هذا الحزب أو الفصيل في السلطة اليوم وغداً في صفوف المعارضة؟!.. ولذلك بات من الضرورة بمكان أن يكون الدستور هو الحاكم علي الجميع بلا استثناء قوي وطنية أو أحزاب سياسية مهما كانت هويتها.. وهذا الحديث ناقشناه مراراً وتكراراً.. تجميد عضوية القوي الوطنية في التأسيسية بمثابة جرس الانذار الاخير قبل أن تقع الفأس في الرأس ويصدر دستور أعرج، وأنا من أشد المؤيدين لهذا القرار وإن كان قد تأخر كثيراً، فلو أن القوي المدنية اتخذت هذا القرار منذ اللغط الذي كان يسود داخل التأسيسية لكان أفضل، بدلاً من أية عملية سلق لمواد الدستور قد تحدث الآن خوفاً من استباق حكم القضاء ببطلان عمل الجمعية، ولذلك فإن قرار القوي المدنية بتقديم طلبات ومقترحات لتصحيح المسار يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار والا تتجاهلها الجمعية التأسيسية.. مقدم الاهتمام بهذه المقترحات التي تغير مسار أي اعوجاج في مواد الدستور، بات أمانة في رقبة التأسيسية، حتي لو تأخر الوقت وصدر حكم ببطلان تشكيل التأسيسية، فليس معني ذلك أنه لا يؤخذ بما تم في هذه الجمعية، المهم هو أن يصدر دستور يليق بمكانة مصر وثورتها العظيمة ويعبر عن جموع اطياف المصريين بلا استثناء.. والذين يريدون دستوراً يتمشي مع ميولهم السياسية، إنما يصدرون وثائق تموت بمجرد خروجهم من السلطة، فالاحزاب والقوي الوطنية تتغير في السلطة والدستور باقٍ، والذين يشاركون في دستور معيب إنما يرتكبون جرائم في حق أنفسهم أولاً لأن التاريخ لن يرحمهم، وفي حق الشعب المصري الأصيل فهو لا يغفر أبداً لمن أخطأ في حقه.. ويبقي الأمر كله بعد إنذار القوي المدنية في ملعب المستشار الغرياني.. إما أن يستجيب لنداء الوطن؟!.. وإما أن يصدر دستوراً مسلوقاً لا علاقة له بالأمة المصرية الصابرة..