تهدر المادة الأولى والمادة 150 من مسودة مشروع الدستور المبدأ المقدس فى الدساتير وهو مبدأ الحفاظ على وحدة إقليم الدولة، حيث تنص المادة الأولى من مسودة الدستور على ما يلى: «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة، ذات سيادة وهى موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطى». وتنص المادة 150 من مسودة الدستور: «رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات...، ....،وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، أو يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، تجب موافقة مجلس النواب والشيوخ بأغلبية عدد أعضائها». هذا النص منح المشروعية الدستورية لرئيس الجمهورية بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان فى التنازل عن أجزاء من إقليم دولة مصر. وحيث إن المبدأ الدستورى الأول فى جميع الدساتير هو الحفاظ علي اقليم الدولة ووحدة أراضيها. وذلك المبدأ هو مفترض الدستور، وغايته الأولى، وهذه الغاية تسبق وتعلو على الحقوق والحريات؛ لأن هذه الحقوق والحريات يجوز تعطيلها مؤقتًا، ويجوز تقييدها من أجل الحفاظ علي اقليم الدولة ووحدة أراضيها، وليس العكس أبدًا. إن واضعى مسودة الدستور لم يقرأوا الدساتير الديمقراطية المقارنة، ولا حتي دستور 1923 المصرى، ومكانة مبدأ الحفاظ على اقليم الدولة باعتباره المبدأ الأول فى الدستور. فالدستور الأمريكى وهى أول دستور مكتوب فى التاريخ 1787 نص على ذلك المبدأ فى الفقرة 4 من المادة 4. والدستور الفرنسى نص على ذلك المبدأ فى الفقرة قبل الأخيرة من المادة 89، بل أضاف أنه: «لا يجوز اتخاذ أى إجراء لتعديل الدستور يتضمن المساس بالوحدة الإقليمية للدولة». ونصت المادة 5 من الدستور التركى علي نفس المبدأ، كذلك نصت الفقرة 3 من المادة 79 من الدستور الألمانى علي أنه لا يجوز تعديل الدستور فيما يتعلق بوحدة أراضى الجمهورية الفيدرالية الألمانية. ونصت المادة 4 من دستور روسيا الاتحادية علي نفس المبدأ، ونصت المادتان 16، 135، من الدستور الروسى علي معنى بأنه لا يجوز إجراء تعديل يتعلق بوحدة إقليم الدولة. أما الدستور الإسرائيلى فالفقرة الأولى فى مقدمته تقدم نموذجًا للنص علي تقديس مبدأ وحدة أراضى الدولة. والمادة الأولى من دستور 1923 المصرى كانت حريصة علي النص على مبدأ عدم المساس بوحدة إقليم الدولة بالنص: «مصر دولة ذات سيادة، وهى حرة مستقلة،ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شىء منه». أما دستور الثورة الذى يعبر عنه مسودته فللأسف لم يراع هذا المبدأ، بل نصت المادة 150 على الرخصة الدستورية لانتهاك هذا المبدأ. إن أرض سيناء فى خطر فى ظل هاتين المادتين 1 ، 150 من مسودة ذلك الدستور، حيث يجوز تقنين التفريط فيها دستوريًا إذا أجيز هذان النصان بصياغتهما التى وردت فى المسودة. لقد نبهت إلى خطورة نص المادة 151 فقرة 2 من دستور 1971 والتي نقلتها المسودة حرفيًا فى نص المادة 150، وقد وصفت نص المادة 151 فقرة 2 من دستور 1971 أنه خزى وعار وكاف لنطالب بإسقاط دستور 1971، وليس كما يذهب البعض أن دستور 1971، وليس كما يذهب البعض أن دستور 1971 صالح عدا ما ورد منه فى الباب الخامس من نظام الحكم. لقد نبهت وحذرت لذلك فى كتاب صدر لى بعنوان «المبادئ الدستورية فى الدساتير الديمقراطية والدساتير المصرية» فى ص 13 وما بعدها، وقد تم توزيعه علي جميع أعضاء الجمعية التأسيسية لكن أحدًا لم يقرأ. ثم تحدثت عن خطورة هذين النصين فى الجلسة العامة بالجمعية التأسيسية وطلب المستشار حسام الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية أن أقدم صيغة مقترحة مكتوبة، وقدمتها وللأسف أغفلت. وأقترح تعديل المادة كما يلى: «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة لا يجوز تعديل الدستور للانتقاص من وحدة إقليمها، ونظامها ديمقراطى». وللمرة الثالثة أنبه وأحذر، اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد. رئيس قسم القانون الدولى الخاص، جامعة المنوفية عضو الجمعية التأسيسية للدستور