تبقى الانتخابات البرلمانية المقبلة هى البوصلة التى تحدد شكل وملامح الدولة والطريق الذى ستسير فيه، فلو نجح الإسلاميون فى الحصول على الأغلبية الكاسحة سيتمكنون من تنفيذ مشروعهم الإسلامى، أما لو نجحت القوى المدنية فى كسر سيطرة الإسلاميين وتحرير البرلمان من قبضتهم ستخسر الأحزاب الإسلامية كثيراً وتنكسر قوتهم التى يستعرضون بها على القوى المدنية الآن. ويعلق الإسلاميون وتحديدا حزب الحرية والعدالة آمالاً على الانتخابات القادمة لتمكنهم من فرض قبضتهم على الدولة وإحكام سيطرتهم على السلطة، وهناك تحركات للقوى الإسلامية فى الشارع وإعادة بناء للقواعد فى المحافظات بحثًا عن أصوات الناخبين، وهناك تحركات من بعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة لتكوين تحالفات بين القوى الإسلامية وخوض الانتخابات بقائمة موحدة خاصة أن القوى المدنية تتوحد الآن للحد من المد الإخوانى. خريطة التحالفات بين القوى الإسلامية فى الانتخابات القادمة ستحدد شكل البرلمان القادم، فعلى أرض الواقع يشعر الإسلاميون بقوتهم خاصة بعد المشاورات التى تجرى الآن بين القوى السلفية والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية لتكوين جبهة موحدة ولكن تلك المشاورات لم تنتج شيئاً حتى الآن، خاصة أن كل قوة من القوى الثلاث تشعر بقوتها على الأرض وتريد أن تحصد الأغلبية بمفردها فى ظل الخلافات الفكرية والمنهجية بينهما. جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة يواجهان مأزقاً شديد الخطورة فهم يشعرون الآن بانخفاض شعبيتهم على الأرض خاصة بعد ممارساتهم التى ارتكبوها بعد وصولهم إلى السلطة، وجاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى لتعبر عن هذا الاتجاه، حيث حصلت الجماعة على 5 ملايين و864 ألف صوت، بينما حصلت فى الانتخابات البرلمانية السابقة على ما يقرب من 10 ملايين و500 ألف صوت. الجماعة لديها تخوف من خسارة أصوات مؤيديها خاصة بعد حالة الهجوم الشديدة عليها والاتهامات الموجهة لها بالسعى إلى أخونة الدولة وفشلها فى إيجاد حلول منطقية للمشكلات التى يعانى منها المواطنون بل إنها زادت من أعبائها وهو ما يهدد الإخوان بخسارة عدد كبير من المقاعد التى حصلت عليها فى المرحلة الأولى. وعلى الجانب الآخر تعانى الجماعة تنافر القوى السياسية من حولها، ففى الانتخابات الماضية خاض حزب الحرية والعدالة الانتخابات فى شكل تحالف أطلق عليه التحالف الديمقراطى كان يضم وقتها 11 حزباً «الحرية والعدالة والكرامة وغد الثورة والعمل والإصلاح والتنمية والحضارة والإصلاح والجيل الديمقراطى ومصر العربى الاشتراكى والأحرار والحرية والتنمية» ولكن تلك الأحزاب الآن ابتعدت عن «الجماعة» وترفض التحالف معها وهو ما يضعها فى مأزق حقيقى، خاصة أنها لا تريد التحالف مع القوى السلفية والجماعة الإسلامية حتى لا يرتبط اسمها بالخطاب المتشدد الذى يصدر عنهما. فهناك خلاف فكرى بين الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية ولا يوافق الإخوان على الخطاب المتشدد لهما، وفى نفس الإطار تشعر القوى السلفية بقوتها على الأرض وتريد أن تصل إلى السلطة حتى تطبق الشريعة وهى ترى المعركة الحقيقية لها مع جماعة الإخوان، لذلك فالمناقشات التى تتم داخل أروقة الأحزاب الإسلامية لن تسفر عن أى نتائج إيجابية فى قضية التحالف بين الأحزاب الإسلامية التى ستجد نفسها فى مواجهة بعضها البعض وهو ما يجعل أصواتها عرضة للتفتت ويتقاسم جميع الإسلاميين كوتة الأصوات التى ستذهب لهم وهو ما يصب فى صالح القوى الليبرالية. الخطر الأكبر الذى يواجه تحالف القوى الإسلامية هو ظهور لاعبين جدد على المسرح وأحزاب إسلامية تقودها شخصيات مؤثرة ستنتقص من حصة أصوات الإسلاميين مثل حزب مصر القوية الذى أطلقه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وحزب الشعب المصرى الذى أسسته الجبهة السلفية، بالإضافة إلى حزب مصر الذى يؤسسه الدكتور عمرو خالد وحزب الأمة المصرية الذى يؤسسه الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل وهو ما يمثل مأزقاً للإسلاميين خاصة إذا فشلوا فى التحالف بينهما ولن يحصل حزب إسلامى على أغلبية الأصوات. القوى السلفية نفسها تعانى انقساماً واضحاً وظهر الخلاف بشدة فى جمعة تطبيق الشريعة التى رفض حزب النور المشاركة فيها، بينما شارك فيها باقى القوى السلفية، كما أن حزب النور نفسه يعانى انقساماً واضحاً فى جبهته بسبب الأزمة التى نشبت بين جبهة الرئيس الحالى للحزب الدكتور عماد عبد الغفور وبين جبهة المهندس أشرف ثابت التى لم تهدأ حدتها بالقرارات الأخيرة التى اتخذت داخل الحزب. كما أن القوى السلفية تعانى انحسار شعبيها فى الشارع بسبب قضيتى أنور البلكيمى الذى ادعى الاعتداء عليه من قبل مجهولين، ثم تم اكتشاف أنه أجرى جراحة تجميل، بالإضافة إلى قضية على ونيس الذى اتهم بممارسة الفعل الفاضح فى الطريق العام وهما القضيتان اللتان هزتا من صورة الحزب فى الشارع. ورغم المطبات التى تواجه الإسلاميين فى الانتخابات القادمة إلا أن القوى الثلاث الرئيسية (السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية) كل منهم يريد خوض الانتخابات منفردة وتبقى مفاوضات التحالف فقط بين القوى الواحدة، فالإخوان تريد خوض الانتخابات منفردة وحتى لو قررت الدخول فى تحالف فسيكون مع بعض القوى المدنية حتى تبدو وكأنها بعيدة عن خطاب السلفيين المتشدد. الجماعة الإسلامية أيضا تشعر بقوتها على الأرض خاصة فى الصعيد ولذلك قررت أيضا خوض الانتخابات منفردة وهناك احتمالات كبيرة بوجود تحالف مشترك مع حزب البناء والتنمية وتجهز الجماعة قيادات جدداً للدفع بهم فى المستقبل، كما أنها شكلت لجنة من قيادات المكتب السياسى لحزب البناء والتنمية لإعداد تقارير عن أداء نوابها فى البرلمان المنحل والاتفاق على الشخصيات التى سيستعين بها والوجوه الجديدة التى ستدفعها. حزب النور أيضا والقوى السلفية يخوضون الانتخابات منفردين دون تحالف، فحزب الشعب الجديد ضم عدداً من قيادات النور وشيوخ الدعوة السلفية وينوى خوض الانتخابات بشكل منفرد أو الدخول على قوائم أحزاب أخرى لحين اكتمال عقد الحزب، كما أن حزب الدكتور حازم أبو إسماعيل سيخوض الانتخابات منفرداً أو يرشح عدداً من حركة «حازمون»، ويعلق حزب النور آمالاً كبيرة للحصول على الأغلبية البرلمانية بديلاً للإخوان، ويجهز نفسه بقوة لخوض الانتخابات دون تحالفات واضحة، وقررت هيئته العليا تشكيل لجنة برئاسة مصطفى خليفة القيادى بالحزب لوضع تقييم شامل عن الهيئة البرلمانية للحزب، وأسندت إلى الدكتور يسرى حماد مهمة وضع برنامج للحزب ليخوض به الانتخابات القادمة. خلافات الصوفيين المشتعلة الآن مع السلفيين والإخوان ستؤدى إلى حرمان كتلة الإسلاميين من أصوات الصوفيين كلها التى ستذهب إلى حزب التحرير الصوفى الذى سيخوض الانتخابات منفرداً أو يتحالف مع القوى المدنية. الدكتور عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة السلفى قال إن تحالف القوى الإسلامية فى قائمة موحدة أصبح ضرورة الآن، خاصة أن القوى المدنية الأخرى تبحث عن التحالف ولابد أن يقف الإسلاميون على قلب رجل واحد، ولكنى غير متفائل بفكرة التحالف وليس هناك مؤشرات حتى الآن عن وجود تحالف بين أى قوى إسلامية، والأرجح أن الكل سيخوض الانتخابات بشكل منفرد. ولا يستبعد عفيفى حدوث تحالف بين أكبر الأحزاب السلفية مثل النور والأصالة، مشيرًا إلى أن الجماعة الإسلامية لا تعتبر نفسها معهم، رغم أن المواقف موحدة حتى الآن فى أغلب القضايا. كما أن الإخوان لن تتحالف مع أى قوى إسلامية والأرجح حسب قوله إنها ستخوض الانتخابات منفردة. وأشار الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق إلى أن توحد الإسلاميين شىء جيد ويصب فى صالح المشروع الإسلامى، ولكن الواقع عكس ذلك، فالإخوان يخوضون الانتخابات بشكل منفرد والجماعة الإسلامية من الممكن أن تتحالف مع حزب الشعب الجديد فقط واحتمالات التحالف مع النور السلفى قائمة ولكنها ضعيفة. وقال إن الجهاديين أسسوا حزباً باسم «السلامة»، ومن الممكن أن يتحالفوا مع حزب البناء والتنمية، وكلها تيارات سلفية من الممكن أن تتوحد مع نفسها ولكن ليس مع الإخوان. وأشار إلى أن حزب الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل لن يكون له مكان فى الانتخابات، لأنه حتى الآن متردد فى تأسيسه ومن الممكن أن يرشح أعضاء من حركة حازمون، أما حزب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فلن يكون له تأثير أيضا لأنه لم يكن نفسه على الأرض، فهناك فارق كبير بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية رغم حضور أبو الفتوح الطاغى. وأكد أن خريطة التحالفات من الممكن أن تتغير عقب وضع الدستور، وعلى حسب تحالفات القوى المدنية، ولكن حتى الآن الجبهة السلفية والجماعة الإسلامية والإخوان سيخوضان الانتخابات منفردين اللهم إلا بعض تحالفات السلفيين والجماعة الإسلامية، أما الإخوان فستخوض الانتخابات منفردة، لأنها تحاول أن تبعد نفسها عن الخطاب الإسلامى المتشدد ولا يريدون ان يختلط خطابهم السياسى مع السلفيين والجماعة الإسلامية، لأن خطاب السلطة أكثر اعتدالا وواقعية ولا يميل إلى الشعارات، عكس خطابات المعارضة التى تميل إلى الشعارات الرنانة ولا يميل إلى الواقعية. وقال الدكتور إبراهيم زهران رئيس حزب التحرير الصوفى إنه حتى الآن هناك خلافات شديدة بين القوى الإسلامية أدت إلى عدم الوصول إلى اتفاقات حتى الآن حول قضية التحالف، كما أن حزب عمرو خالد وأبو الفتوح وحازم أبو إسماعيل وحزب الشعب الجديد سينتقصان من كتلة الإسلاميين فى البرلمان القادم خاصة الإخوان والسلفيين. ولفت إلى أن الإخوان لديهم غرور الآن، ولن يدخلوا فى تحالفات مع الإسلاميين كما أن القوى السلفية تشعر أن أغلبية البرلمان القادم ستكون لها وهم يعدون أنفسهم ليكونوا بديلاً عن الإخوان فهم أيضاً أصابهم الغرور. وأكد زهران عدم تحالف حزب التحرير والصوفيون مع الإسلاميين، وقال: حزب نهضة مصر فى الإسكندرية سيخوض الانتخابات بشكل منفرد وأصوات الصوفيين ستكون فى صالحنا، خاصة أننا نتحرك على الأرض مبكراً الآن. وقال الدكتور يونس مخيون عضو الهيئة العليا لحزب النور السلفى إن الحزب لم يقرر بعد مسألة الدخول فى مفاوضات مع باقى القوى الإسلامية، وكل يوم يحدث تغيير ومن الصعب جداً تحديد ماذا سنفعل غدا ولم نقرر الرأى النهائى ولكن غالبا سنخوض الانتخابات منفردين أو نتحالف مع بعض الأحزاب السلفية ولكننا الآن ننظر باهتمام إلى قضية الدستور أولاً. وأشار الدكتور محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين إلى أن قضية التحالفات خاصة بالحزب «ولكننا لا نفضل أن تكون هناك قوائم موحدة للإسلاميين, والأميل أننا سنخوض الانتخابات بشكل منفرد».