متحدث «الوزراء»: البروتوكول بين مصر والأردن لتعزيز التعاون في الإعلام    جامعة دمياط تختتم الملتقى الأول لخريجي كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    «عمود الخيمة».. آلاف الشاحنات الطبية والغذائية ومخيم للنازحين تتحرك من مصر إلى غزة    السيسي وجوتيريش يحذران هاتفيا من العواقب الإنسانية الهائلة للعمليات العسكرية في رفح الفلسطينية    البيت الأبيض: بايدن أعرب لنتنياهو عن معارضته عملية رفح الفلسطينية مرارا وتكرارا    عبدالمنعم سعيد: حماس نسفت اتفاقية أوسلو بعدما كنا قاب قوسين أو أدنى من دولة فلسطينية    لحرب غزة خصوصياتها.. هل تحمل نهاياتها مفارقات جديدة؟    غينيا تكمل عقد المتأهلين لأولمبياد باريس 2024 بالفوز على إندونيسيا    مباشر الآن.. مباراة النصر والأخدود فى الدور السعودى لحظة بلحظة    هل تشهد البلاد سقوط أمطار مع ارتفاع الحرارة الأيام المقبلة؟.. تحذير من ظاهرة جوية    «السبب مشادة كلامية».. تأجيل محاكمة المتهم بقتل شاب في المعصرة ل 2 يوليو    من هي ياسمين شقيقة الفنان كريم عبد العزيز؟.. شاركت في عمل فني واحد    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 6.. الجن روح تطارد بينو وكراكيري وتخطف زيزو (تفاصيل)    الأزهر للفتوى يوضح فضل شهر ذي القعدة    قرار لا رجعة.. سلوفينيا تعتزم المصادقة على قرار الاعتراف بدولة فلسطين    بنك التعمير والإسكان يحصد 5 جوائز عالمية في مجال قروض الشركات والتمويلات المشتركة    زيارة مهمة من وفد جامعة الدفاع الوطني الباكستانية ل مشيخة الأزهر    روبي تتصدر ترند X قبل 24 ساعة من إصدار «الليلة حلوة»    البيت الأبيض: حماس تعانى الآن خسائر بشرية ومادية أكثر من أى وقت مضى    أوقاف شمال سيناء تعقد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات    خالد الجندي ب"لعلهم يفقهون": أركان الإسلام ليست خمس فقط    أمين الفتوى: «مطالب الزوجة الزيادة تجعل الزوج ضعيف الإيمان مرتشيًا» (فيديو)    30 مايو الحكم على حسين الشحات في التعدي علي لاعب نادي بيراميدز    "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتجاوز حاجز ال 49 مليون جنيه إيرادات    مصطفى غريب يتسبب في إغلاق ميدان الإسماعيلية بسبب فيلم المستريحة    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج المائية    "الخارجية" تستضيف جلسة مباحثات موسعة مع وزير الهجرة واللجوء اليوناني    تفاصيل مشروع تطوير عواصم المحافظات برأس البر.. وحدات سكنية كاملة التشطيب    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    رئيس الوزراء يتابع جهود إنشاء مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام فى مصر    متحور كورونا الجديد «FLiRT» يرفع شعار «الجميع في خطر».. وهذه الفئات الأكثر عرضة للإصابة    وزير الصحة يشهد فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لهيئة المستشفيات التعليمية    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    مساعد وزير الصحة: تسليم 20 مستشفى نهائيا خلال العام الحالي    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    بعد قرار سحبه من أسواقها| بيان مهم للحكومة المغربية بشأن لقاح أسترازينيكا    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    قائمة مواعيد قطارات مرسى مطروح.. بمناسبة فصل الصيف 2024    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تأجيل محاكمة المتهمين بأحداث سيدي براني وسموحة يصطدم ب«زد»    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    أحمد عيد: سأعمل على تواجد غزل المحلة بالمربع الذهبي في الدوري الممتاز    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى النشار : إصلاح الخطاب الدينى.. ضرورة لمحاربة التطرف
نشر في الوفد يوم 11 - 06 - 2020

الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا.. ولابد من إعمال العقل
الصراع بين الأصالة والمعاصرة.. بسبب فشل «مشروع النهضة»
إعادة بناء نظامنا التربوى.. تقضى على الإرهاب من جذوره
الأمية وغياب الإرادة الجماعية.. أبرز أسباب التخلف الحضارى
الحضارة الغربية فى طريقها للانهيار نتيجة إفراطها فى المادية
ولد الدكتور مصطفى النشار، عام 1953 بقرية شوبر بمركز طنطا بمحافظة الغربية، تلقى تعليمه الأولى حتى المرحلة الثانوية بطنطا، ثم التحق وتخرج فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة 1975 بتقدير امتياز، ثم حصل على درجة الماجستير فى الفلسفة بعنوان «فكرة الألوهية عند أفلاطون» بتقدير امتياز عام 1980، ثم حصل على الدكتوراه فى الفلسفة اليونانية عن نظرية العلم الأرسطية بمرتبة الشرف الأولى عام 1985.
تدرج الدكتور النشار فى سلك التدريس بالجامعة حتى حصل على درجة الأستاذية 1997، وعمل فى جامعة الإمارات العربية المتحدة لمدة 6 سنوات متصلة، ثم تولى رئاسة قسم الفلسفة بعد عودته للقاهرة، كما تولى عمادة كلية التربية ببنى سويف ثم عمادة كلية العلوم الاجتماعية بجامعة 6 أكتوبر ثم عمادة كلية رياض الأطفال لأربع سنوات.
أسهم الفيلسوف الكبير بجهد متميز فى إدخال الفلسفة التطبيقية إلى الدراسات الفلسفية المصرية، كما يعد «النشار» أبرز المدافعين عن الهوية المصرية والعربية والإسلامية ضد العولمة التى وصفها فى كتابه «ضد العولمة» بالهيمنة على العالم ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسيا.
نال «النشار» عضوية اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة بالمجلس الأعلى للجامعات وهو عضو مؤسس بالجمعية المصرية للدراسات اليونانية والرومانية وعضو الجمعية الفلسفية المصرية واتحاد الكتاب والجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية والعديد من اللجان والمجالس العلمية.
حصل أستاذ الفلسفة على العديد من الجوائز أبرزها جائزة الشيخ مصطفى عبدالرازق للتفوق العلمى، وجائزة لالاند للتفوق العلمى، وجائزة الدكتور زكى نجيب محمود للتفوق العلمى، والجائزة التقديرية لأفضل كتاب عام 1999 وعام 2006 من مؤسسة الأهرام عن كتابيه «ضد العولمة» و«ثقافة التقدم وتحديث مصر».
له أكثر من 50 مؤلفاً علمياً خاصة الفلسفة اليونانية والفكر المصرى القديم والثقافة والنقد أبرزها «فى فلسفة الثقافة والنقد الثقافى» و«من الثورة إلى النهضة» و«فى فلسفة الحضارة» و«الأورجانون العربى للمستقبل».
«الوفد» التقت الدكتور مصطفى النشار فى هذا الحوار:
بداية هل للفلسفة تأثير فى المجتمع الإسلامى.. وما رأيك فى الأطروحات التى تقول بموت الفلسفة ونهايتها؟
- بالتأكيد الفلسفة لها دور كبير فى المجتمع، لأن إنساناً دون فلسفة إنسان دون عقل، وقد كتبت كثيراً عن ضرورة أن يتفلسف الإنسان أيا كانت درجة قدرته على التفلسف أياً كانت قدرته على إعمال العقل، فإعمال العقل يعنى بداية طريق التفلسف، فالدور الحقيقى للفلسفة يكمن فى إيقاظ الوعى وتنمية التفكير العقلى الناقد عند الإنسان فضلا عن الاستشراف للمستقبل الذى تسير إليه أو الذى ينبغى أن تتجه إليه مسيرة الحضارة البشرية، ومن ثم رسم طريق التفاعل مع هذه الأحداث المتوقعة إن خيرا فخيرا وإن شرا فالتحذير منها وإعادة النظر فى مخاطرها للحد منها ومن آثارها السلبية إن كانت لا شك واقعة ولا سبيل لتجنبها كليا، فالفلسفة لها ثلاث وظائف رئيسية هى التفسير والتبرير والتغيير، والحقيقة أننى لا أرى أن التفسير والتبرير لا يعبران عن حقيقة فعل التفلسف وجوهره، فالفيلسوف لا يمكن أن يقتصر دوره فى المجتمع على تفسير الأحداث والكشف عن عللها حتى لو كانت البعيدة منها، كما لا يمكن أن يقتصر دوره على مجرد تبرير الأحداث ومحاولة التكيف أو إرشاد الناس إلى كيفية التفاعل مع مستجداتها، لأن هذا الدور التبريرى سرعان ما يتهم من خلاله الفيلسوف بالتخاذل والخضوع للظروف الراهنة مهما كانت مجحفة لحقوق الإنسان ولا تحقق الغاية القصوى لوجوده، ولذلك من الضرورى جدا لكل مجتمع أن يربى أبناءه على التفكير العقلى، وقد كتبت كثيرا عن ضرورة تدريس الفلسفة حتى للأطفال، وليس معنى تدريسها للأطفال أو النشء مثل تدريسها لطلاب الجامعة، وإنما ندربهم على درجة من درجات التفكير المستقل، درجة من درجات إبداء الرأى، وهنا تكمن أهمية الفلسفة لكل الأجيال، فالفلسفة لا تنتهى ولا تموت، لأن الفلسفة أيا كان صاحبها فكرة لا تتجاوز الزمان والمكان.
ماذا عن دورِ الفلسفةِ الإسلامية، فى تخفيفِ حِدَّةِ التعصبِ الدينيِّ؛ الذى يؤدى بدورهِ إلى الإرهاب؟
- الفلسفة ضد التعصب عموماً، فالفلاسفة يؤمنون بشكل عام بأن الفلسفة حوار عقلى يستهدف الوصول إلى الحقيقة، والحقيقة لدى الفلاسفة نسبية بنسبية مذاهبهم الفلسفية، فلا يوجد فيلسوف يجبر الآخرين على اعتناق رأيه أو اتخاذ موقفه كأساس لكل شىء، وإنما إعمال العقل بحرية، حتى المدارس الفلسفية كل واحدة منها لها فيلسوف كبير وتلاميذ، هم يختلفون مع الأستاذ والفيلسوف فى إبداء الرأى وينتقدون بعض آرائه، فدائماً الفلسفة ضد التعصب، لذلك نقول إن الفلسفة مهمة للمجتمع الذى يريد أن ينشئ نفسه كمجتمع مدنى متحضر قابل للتعددية وقابل لوجود الأفكار المختلفة، فالفلسفة تحض على هذا الاختلاف وتعتبر أن الاختلاف من طبيعة البشر، فكما أن لكل إنسان بصمة يد لكل إنسان أيضاً بصمة عقلية، ونحن دائما نقول إن الحقيقة حمالة أوجه، وكل فيلسوف يعطينا جانبا من وجوه الحقيقة وبالتالى كل الآراء مقبولة فى إطار معين يمكنك أن تنتقد هذا المذهب أو ذاك، لكن فى النهاية من ينتقد مذهبا آخر يحترم صاحبه حتى لو اختلف معه، هذا ما تعلمنا إياه الفلسفة.
لكم كتاب بعنوان «العلاج بالفلسفة» فماذا تقصد؟ وهل يمكن أن تكون الفلسفة علاجاً للإنسان؟
- نعم، فعلاج مسألة التعصب أو الجمود أن تعلمه أن الآراء مختلفة وأن الإنسان بطبيعته إنسان فرد، والفردانية أساس الحياة الإنسانية، فلكل فرد بصمته العقلية مختلفة عن الآخر، وبالتالى لابد أن نتقبل بعضنا الآخر تقبلا عقليا، حتى لو اختلفنا فى الآراء، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، فطبيعة الإنسان أن يختلف مع غيره من البشر وإلا ما كان إنسانا فردا، حتى مشكلة الطلاق التى انتشرت اليوم بين الشباب علاجها فلسفى قبل أن يكون دينيا، فالقرآن ذاته يدعو إلى التفلسف قال تعالى «فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها» والحكم هنا تأتى من الحكمة، فلا يمكن أن يحكم فى شىء إلا إذا تبين أوجهه وحلله، فلدينا مهارة من مهارات التفكير الفلسفى اسمها التحليل والتركيب، فكل فكرة أو موضوع تعتبره مشكلة مركبة قابلة للتحليل إلى عناصر، وإذا حللت المشكلة ستصل إلى حلها، إذن الفلسفة علاج لكل جوانب حياة الإنسان.
كيف يمكن أن يسهم تجديد الخطاب الفلسفى والدينى فى نبذ العنف والإرهاب؟
- إن إصلاح وتحديث الخطاب الدينى أصبح ضرورة ينبغى الاتفاق عليها والعمل بها، إذ مما لا شك فيه أن عصرنا الحالى الذى يتميز بظهور وبروز النزعة الدينية بشكل لافت جدا، أصبح عصراً اختلط فيه الحابل بالنابل، اختلط فيه دعاة التدين بالمتدينين حقا، اختلط فيه من يتمسكون بمظاهر الدين لأغراض سياسية ويستغلونه استغلالا قد يسىء إلى الإسلام الحقيقى أكثر مما ينفعه بمن يقبضون على جوهر الدين ويدعون إلى الله باعتدال وتعقل، لقد طفا على السطح ذلك الخلاف التقليدى
بين السنة والشيعة وبين مراتب السنة وفرقها المختلفة، وأصبح ذلك الخلاف الذى هو فى أساسه اختلاف فى الرأى قد لا يفسد للود قضية، خلافا فى العقيدة ومؤسسا لحالة الصراع السياسى تهدد الأمة بالفرقة وبالحروب فيما بين طوائفها. إن تأجيج هذه الصور من الخلاف المهددة بالتناحر والصراع أساسه ذلك الخطاب الدينى الذى ينتهجه أنصار الفرق المختلفة بما يتضمنه من تعصب للرأى إلى حد الجمود ومن انعدام النظر إلى المصلحة العامة لنشر الإسلام الصحيح والتمسك بجوهر الدين وإبراز القاسم المشترك الأعظم الذى لا خلاف عليه بين هذه الفرق المتناحرة بلا داعى من دين ولا مراعاة لمصلحة، ولما كان الأمر يتعلق بالخطاب الدينى لفظا ومضمونا وغاية لكل فريق إذن فالعلاج يكمن فى محاولة لدرء الخلاف والعودة إلى صحيح الخطاب الدينى ولا شك أن الجميع متفقون على أن صحيح الدين يتمثل فى أصليه الكبيرين القرآن والسنة.
وهل التجديد يعنى مجاراة الغرب فى فصل الدين عن الدنيا؟
- إطلاقاً، فالإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، إلا إذا فهمنا الإسلام خطأ كما يفهمه المتطرفون، الإسلام دين أساسه العقل، وإذا لم تؤمن عقليا بعد أن تؤمن ورائيا لن يكون إيمانك مكتملا، فلابد أن نبنى إيماننا على اقتناع عقلى، ولذلك كتب العقاد - رحمه الله - كتابا بعنوان «التفكير فريضة إسلامية» اعتبره من الفرائض، وبالتالى لا مجال لتجديد الخطاب الدينى إلا بإعمال العقل أيضاً، ولذلك لدينا أصل من أصول الدين اسمه الاجتهاد، فلا يمكن أن نأخذ آراء الفقهاء القدامى لحل مشكلات معاصرة، لأن كل فقيه يقيس على عصره الذى عاشه والمشكلات التى توجد به، وما دام لدينا هذا الأصل من أصول الإسلام فلابد أن نعمله، نعمل العقل أو التفلسف فى شئون الدين، فال فصل لدينا بين الدين والدولة، فلا وجود لما يسمى بالعلمانية إلا إذا فهمناها الفهم العقلانى الذى يستوعب عدم الفصل بين الدين والدولة.
فى رأيك هل توجد مشكلة فى التدين الآن أم فى الدين نفسه كما يرى البعض؟
- التدين لدينا أصله تدين شكلى، أما التدين الحقيقى فلا ينافى العقل فى شىء، فما تؤمن به عن طريق الوحى لا يناقض العمل، بل الوحى جاء ليتحدى العقل الإنسانى أصلا فى الإسلام ويطالبنا بإعمال العقل.
لكن هناك من يدعو لتهميش دور الدين فى الحياة حتى نرتقى كما ارتقى الغرب العلمانى فما ردك على هذا الطرح؟
- هذا الطرح هو المشكلة التى تواجهنا فى إنشاء نهضة جديدة، لأنه -كما قلت- الإسلام ليس عدوا لا للعلم ولا العقل، ومن ثم مسألة إما أن أكون علمانياً أو أكون متخلفاً، هذا غير صحيح بالمرة، وهو الذى يصطدم شعور الناس فى الشرق والعالم الإسلامى، فلا يمكن أن تقيم نهضة فى دولة إسلامية إلا ولابد أن يكون جذرها الإسلام، لكن الإسلام القائم على العقل والاعتدال وليس الإسلام المتطرف أو الفهم الخاطئ للإسلام.
وهل ترى أننا أقمنا هذه العلاقة بشكل صحيح؟
- إلى الآن لا نزال نحاول، منذ أيام جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، لا نزال نحاول إقامة الصلح بين العقل والعلم والدين ولكن هناك طوائف متطرفة تحول دون ذلك، فهناك تفسيرات جامدة تتصور أنه مجرد كلمة علم أو فلسفة أنها ضد الدين، فالقرآن ليس كتاب علم ولا كتاب فلسفة وإنما كتاب دين يحضنا على العلم والفلسفة وإعمال العقل، فالفلسفة لا تتعارض مع أى معتقد دينى، فالفلسفة للحرية وعلى رأسها حرية العقيدة، ومن ثم ليس هناك عداء بين أى دين والفلسفة.
يكثر الحديث عن نهضة الأمة وليس نهضة مصر فقط فما هو مفتاح النهضة من وجهة نظركم؟
- أعتقد أن السبب فى فشلنا فى إقامة نهضة هو تلك الثنائية المزيفة «الأصالة والمعاصرة» التى قامت منذ الصدام الحضارى مع الغزو الغربى لبلادنا العربية، والغزوات الاستعمارية للعالم العربى والإسلامى وكان السؤال كيف نواجه هذا التقدم الغربى ونستجيب لتحدياته ونتغلب عليها، نعم كان لدينا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن عشرات المشاريع الفكرية منذ رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وجمال الدين الأفغانى وسلامة موسى ووصولا إلى زكى نجيب محمود وحسن حنفى ومحمد عابد الجابرى وغيرهم كثير، إلا أن استجابة كل هؤلاء وغيرهم من أصحاب المشاريع الفكرية الداعية إلى نهضة الأمة وإقالتها من عثرتها تلخصت فى ثلاث جبهات، كل جبهة منها تقدم حلا وتدافع عنه، وكأننا فى ساحة حرب فكرية، كل جبهة تتمرس حول رأيها وأخذت تطلق الانتقادات إلى الجبهتين الأخريين، فأصحاب الجبهة الأولى تمترسوا حول العودة إلى التراث معتبرين أن آراء وحياة السلف الصالح هى الحل لمواجهة هذا التقدم الغربى، وتناسى هؤلاء أنهم ليسوا فى فهمهم لصحيح الإسلام كالسلف الصالح، وتناسوا أن الإسلام ذاته بعيدا عن مبادئ العقيدة قابل للتطور، فأين هم من هذا التطور وهذه القابلية للتجديد والاجتهاد فى الإسلام الصحيح، أما أصحاب الجبهة الثانية فقد اعتبروا أن الانسلاخ من العصر والعودة إلى الماضى والتمسك بالتراث إنما هو ضرب من الجنون، ولذا رأوا الرأى النقيض، إذ وجدوا أن الحل هو فى الأخذ بكل أساليب العصر التقدمية فى صورتها الغربية الحديثة وقطع الصلة تماما بالتراث، وتناسوا أن مجرد الأخذ بالأساليب الغربية والتشكل بمظاهرها الحضارية لن يكون أبدا هو طريق التقدم فلكل أمة هوية لابد من الحفاظ عليها وتطويرها بقبول الآخر وصور تقدمه وليس فى الانخلاع عن الهوية الحضارية. بينما رأت البقية الباقية من النخبة أن الصراع بين الجبهتين لن يؤدى إلى نتيجة، حيث أن كليهما يدعو إلى حل غير واقعى وغير منطقى وغير عقلانى، رأوا أن الحل العقلانى لهذه الإشكالية هو التوفيق بين دعاة الأصالة «التراث» وبين دعاة الأخذ بالثقافة والعلوم الغربية، فلا مانع من أن نأخذ من التراث الإسلامى كل ما يحض على العقل والعلم وصحيح الدين بالطبع وأن نقيم المقاربة على أساس ذلك مع حضارة العصر التى أساسها العقل والعلم، فلنأخذ من تراثنا الدينى ما يتوافق مع قيم العصر، ولنأخذ من قيم العصر ما لا يتعارض مع
هويتنا الدينية والحضارية، وتصوروا أن فى هذه الثنائية «ثنائية الأصالة والمعاصرة - التراث والتجديد» الحل الأمثل، إذ لا مانع يمنع من أن نعيش العصر ونتفاعل مع آليات تقدمه فى الوقت الذى لا نضحى فيه بقيمنا الأصيلة وتراثنا الدينى العظيم، وقد تناسى هؤلاء كذلك أن فى التوفيق يكمن التلفيق الذى تظل معه الإشكالية قائمة، فالمسألة ليست خانات ثلاث خانة التراث وخانة العصرانية وبضمهما نخرج بالخانة الثالثة خانة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والخلاصة أن الصراع سيظل رغم الدعوة إلى التوفيق بين ثنائية الأصالة والمعاصرة.
وكيف ترى هذا الصراع بين أنصار هذه الجبهات الثلاث.. وماذا نحتاج الآن فى رأيك؟
- فى اعتقادى أنه قد ضاعت هذه السنوات الطويلة فى صراع فكرى بين أنصار هذه الجبهات الثلاث دون طائل وسقطت مائتا عام من تاريخ الأمة الفكرى والحياتى نتيجة هذه الإشكالية التى أراها مصطنعة وزائفة ما الداعى لهذه الثنائية المتطرفة للصراع بين السلفيين «دعاة التراث» والعصرانيين «دعاة المعاصرة» وما الداعى كذلك لهذا التيار الثالث الذى حاول التوفيق بينهما دون أن يدرك حقيقة جدلية الصراع وتشبث كل جبهة من جبهتيه بموقفها وعدم رغبة أصحابها فى التزحزح عن هذا الموقف، فإذا كانت تلك الإشكالية التى صنعها مفكرونا وتصارعوا حولها وأقحموها علينا وجعلونا نعيش فيها متمترسين خلف إحدى جبهاتها، إشكالية زائفة وأضاعت من عمر الأمة كل هذه السنوات، فماذا نحن فاعلون الآن لنتجاوز تحديات الحاضر ناظرين بثقة إلى المستقبل دون الالتفات إلى هذا التمترس التقليدى، ولذلك أعتقد أننا بحاجة إلى ما يشبه «الأورجانون» أى الآلة أو الأداة التى ترسم لنا خارطة طريق للتفاعل مع تحديات الحاضر وإيجابياته وتوجهنا إلى الكيفية التى نعمل بها لتحقيق المستقبل الأفضل.
كيفَ تُقَيمُ وضعَ تياراتِ الإسلام السياسى فى الوطنِ العربيِّ؟
- أعتبر أننا كلنا مدانون، ودولنا ربما تكون مسئولة مسئولية متضامنة مع هذه التيارات، لأن التيارات الإسلامية الموجودة والتطرف الموجود هو نتاج تربية وتعليم ونتاج بيئة ثقافية معينة، فإذا ما كنا قد ربينا هذه الأجيال على إعمال العقل والاهتمام بالواقع ومشكلاته من منظور عقلانى وعلمى لم تكن هناك مشكلة، فالصراع حينما يتحول من جدل أفكار واختلاف المواقف الفكرية إلى حرب وإلى قتل وإلى دمار فلابد أن نبحث عن مسئولية المجتمع ورجال الدين ورجال الثقافة والإعلام ومسئولية الدولة فى كل ذلك.
إذن هى مسئولية مشتركة؟
- نعم.. فلابد من أن تقضى على التطرف من جذوره، وهذا يعنى إعادة النظر فى نظامنا التربوى، فلا يكون هناك انفصام بين النظام التربوى والواقع، بين التعليم الدينى والتعليم العام، فلابد أن يحدث نوع من التلاقح بين الدينى والمدنى فى نظمنا التعليمية، فلا يصح أن تكون هناك معاهد أزهرية منغلقة على التعليم الدينى ومدارس منغلقة على التعليم المدنى دون أن نعطيها جرعة دينية متميزة، وكما لا ينبغى أن يكون لدينا مدارس أجنبية تعلم الثقافة الغربية دون أى إدراك للمسئولية المجتمعية لمن يتعلمون بها، فهذه المدارس موجودة فى العالم لكنها توجد لتدرس لأبناء الجاليات الأجنبية الموجودة فى الدولة كما توجد مداس عربية فى الغرب، لأبناء المصريين والعرب، لكن دخول أبناء المصريين والعرب لهذه المدارس الألمانية والإنجليزية والفرنسية، فهذا يعنى تشويه هويتهم وعزلتهم عن المجتمع والواقع، كما أنهم لا يحصلون على جرعة دينية كافية لفهم دينهم.. إذن فقد أصبحوا فريسة إما أن ينتموا إلى المجتمع الغربى أو ينتموا إلى جماعات متطرفة لأن فكرهم سطحى لا يعرفون عن دينهم شيئاً.
على مدار قرنين ماضيين نعانى تخلفاً عربياً فى مجالات عدة، فما أسباب هذا التخلف وأهم عوائق التقدم من وجهة نظرك؟
- إن أسباب تخلفنا عديدة ندرك بعضها ولم نسع إلى تجاوزها، ولم ندرك بعضها الآخر ولعل أهم هذه الأسباب هو غياب الإرادة الجماعية لمواجهة التخلف وتحقيق التقدم، ثانياً التخلف الاجتماعى فإن البيئة العربية بوجه عام تعانى منه بالإضافة إلى الأمية التعليمية والثقافية مما يزيد من عوامل الفرقة والبحث عن المأكل والمشرب والقفز إلى طبقة اجتماعية أعلى بأى وسيلة، ثالثاً انهيار سلم القيم العربية التقليدى فى معظم البلاد العربية الذى أصبح يهدد الهوية الحضارية العربية التى تعد القيم الأخلاقية أبرز سماتها، رابعاً غياب الثقافة العلمية وشيوع ثقافة التخلف بكل قيمها السلبية، وأعتقد أن النخبة هى المسئول الأول عن شيوع ثقافة التخلف، لأنها لم تعمل على الأخذ بأسباب ثقافة التقدم وتناست فى غمرة البحث عن تحقيق مصالحها الآنية أن المثقف والعالم والمفكر والكاتب إنما هو ضمير الأمة وهو صاحب رسالة تنويرية فى تثقيف مواطنيه وحثهم على التمسك بكل قيم التقدم العلمى، خامساً من أبرز أوجاع مجتمعنا العربى المعاصر هو غلبة الأقوال على الأفعال فى أحيان كثيرة، سادساً إهدار طاقة الشباب وعرقلة حركة الأجيال وهو من أبرز سمات التخلف العربى، سابعاً عدم الإحساس بالوقت وقيمة الزمن، وثامناً إهمال اللغة القومية -اللغة العربية- فى الدرس والبحث العلمى، وهو ما انفردنا به بين أمم الدنيا والذى يعمق من تخلفنا فى صنع الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم، وأخيراً تدنى مكانة المفكرين والعلماء العرب عكس ما يحدث فى كل دول العالم، فمن المعروف فى الدول المتقدمة أن الفكر هو الذى يقود المجتمع إلى التقدم وأن المفكرين هم قادة يصنعون بآرائهم وإبداعاتهم الطريق للمستقبل.
صدر لكم كتاب «ثقافة التقدم وتحديث مصر» فى رأيك من أين تبدأ عملية الإصلاح والتحديث؟
- قلت فيه إن الإصلاح الثقافى أساس التحديث، فنحن نتصور أن الإصلاح يبدأ من الإصلاح الاقتصادى أو السياسى، وينشأ الصراع بين الاثنين، لكن فى رأيى أن الأهم هو إصلاح الثقافة وجعلها ثقافة تقدم، وهذا هو الأساس الذى تبنى عليه التعليم والدراسات لدينية والاقتصاد، وكل شىء، لأن إذا لم أكن مؤهلاً فى ثقافتى الفردية، لتلقى النظام الرأسمالى -على سبيل المثال- نستطيع التعامل معه، ولذلك معظم المشاريع فى الفترة السابقة كانت تفشل. فإذا ركزنا على محو الأمية أولا وتصبح دولة بلا أمية، هذا هو المشروع القومى الحقيقى، تحويل البشر من التخلف إلى التقدم بداية بمحو الأمية، ثم إمداده بثقافة التقدم والعقلانية ويؤمن بالرأى والرأى الآخر والتسامح وعدم التعصب وأن كل إنسان حر فى علاقته بالله ودينه، وكل ما يعتقد فلابد من بث كل عناصر التقدم من خلال وسائل الإعلام أو النظام التعليمى أو النظام التربوى منذ الصغر.
إذن هذا هو مفهوم الثقافة المتحضرة وآلياتها؟
- نعم.. فالثقافة المتحضرة هى ثقافة التقدم وآلياتها تأتى من التربية والتعليم وتأتى من أن نجعلها فى الصدارة، فإذا تربى الإنسان على ثقافة التقدم وهى إعمال العقل فلن يوجد تطرف وتعصب وإرهاب، فلنجعل الإصلاح الثقافى البداية لإصلاح التعليم ولتجديد الخطاب الدينى ولبناء دولة مدنية حديثة.
كيف ترى أطروحة عالم السياسة الأمريكى صمويل هنتجتون حول صدام الحضارات؟
- الحضارات لا تتصادم، فالمصالح هى التى تتصادم والمدنيات والتكنولوجيا، لكن الحضارة أفكار وإبداع، فالإبداع لا يحارب الإبداع، وإنما من يحاربون هم أصحاب المصالح وتضارب المصالح الاقتصادية والنزاعات الإقليمية على الحدود أو الثروات.
هناك من يرى أن الحضارة الغربية تحمل فى أحشائها عوامل فنائها بسبب المادية المفرطة بها وخوائها الروحى.. هل ترى أن هذا القول يتأسس وفق موضوعية أم أنه يندرج تحت الأمنيات؟
- قلت فى كتابى «ما بعد العولمة» إن الحضارة الغربية فى طور الانهيار، وهو ما تحدث به فلاسفة غربيون أنفسهم، لأن الإفراط فى اللذة والإفراط فى التركيز على المطالب المادية للفرد وإشباعها والمطالب الاقتصادية دون أن يكون للإنسان رؤية أخلاقية للوجود مآلها للانهيار، هذا من الداخل، ومن الخارج هناك عوامل تؤدى لانهيار الحضارة الغربية وهو صعود القوى الأخرى الحضارات الشرقية أصحاب الفكر والأخلاق والإمكانات الاقتصادية القوية كالصين ودول شرق آسيا، وقلت إنه فى 2030 سيكون هو عام الفصل بين انهيار الحضارة الغربية وبداية الدورة الحضارية الجديدة بقيادة الصين، فنحن نرى الصين الآن أصبحت الاقتصاد الثانى فى العالم وأصبح العداء سافراً بين الغرب بقيادة أمريكا والصين قادرة - فى أى لحظة - على حسم الأمور لصالحها لكن بتواضع الإنسان الشرقى وحضارته التى تتمهل بغرض الحوار وليس بغرض القفز على الآخرين، الصين لا تزال تدعى حتى الآن أنها دولة فى طور النمو، بينما هى دولة فى دور التقدم السريع المتلاحق الذى يمكن أن يتحدى الحضارة الأمريكية بالذات والغربية عموما ويقهرها.
أخيراً.. ماذا عن مشروعاتكم المستقبلية؟
- أعمل الآن على المستقبليات، فقد كتبت عن فلسفة المستقبل ثم تطبيق هذه الفلسفة، فالمستقبل هو مجال الممكن والإرادة والحرية وآخر بحث قمت به كان عن «العقل وثورة التقنيات العلمية المعاصرة» فيما يسمى بالذكاء الاصطناعى وآخر ما أكتبه الآن كتاب مستقل عن فلسفة المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.