مديرية الطب البيطري بشمال سيناء تشارك في سوق اليوم الواحد لتوفير السلع بأسعار مخفضة    سعر الدولار أمام الجنيه المصري مساء اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    دراسة: الأمريكيون يحولون مدخراتهم إلى أدوات مالية ذات عائد    حماس: اعتقال مدير المستشفيات الميدانية بغزة أثناء عمله إمعان في الاستهداف الإجرامي    بابا الفاتيكان يبحث هاتفيًا مع الرئيس الفلسطينى الوضع فى غزة    بيراميدز يصل إلى ملعب مباراته الودية أمام باندرما سبور التركي    حسن شحاتة يخضع لجراحة عاجلة بعد أزمة صحية مفاجئة    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة عنيفة بالخرطوش في شبرا الخيمة    مشادة زوجية تنتهي بجريمة قتل.. ضبط المتهم بخنق زوجته في شبين القناطر بالقليوبية    من المنصورة إلى الخشبة.. أحمد عبد الجليل يروي رحلته في ندوة تكريمه من القومي للمسرح    أبو.. من مهرجان الجونة إلى "توبة" في فرح شعبى    عماد أبو غازي يتحدث عن السياسات الثقافية في مصر بمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    ولادة نادرة لطفل شمعي بمستشفى سنورس.. والصحة: إنجاز طبي يعكس كفاءة أطقم الفيوم    صحة الدقهلية توضح حقيقة حالة الطفل المصاب إثر سقوط من علو    وزير الصحة يتابع تجهيز المخزن الاستراتيجي لفرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية    منتخب مصر للسلة يواجه إيران في بطولة بيروت الدولية الودية    محافظ المنوفية يتفقد شركة صيانة الآليات بميت خلف لمتابعة منظومة العمل.. صور    وزير التعليم العالي: "كن مستعدا" مبادرة متكاملة لتأهيل مليون شاب لسوق العمل    لقطات حديثة لسد النهضة تكشف ما تخفيه إثيوبيا، البحيرة ممتلئة والأعمال مستمرة لتغطية التسرب    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا لرئيس الوزراء    الأمم المتحدة: يجب وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    دارين حداد: "المداح نجح بالتعب مش بالكرامات"    برلماني: مصر قطعت الطريق على "حسم" الإخوانية.. والأجهزة الأمنية تسطر نجاحًا جديدًا    لتعويض رحيل محمد إسماعيل ل الزمالك.. زد يطلب التعاقد مع مدافع المحلة    طريقة عمل الشيش طاووق بتتبيلة لا تقاوم    حدث في بنجلاديش .. سقوط 16 قتيلا جراء تحطم طائرة عسكرية سقطت بحرم مدرسة وكلية مايلستون    حزب الجبهة الوطنية يعقد مؤتمرًا حاشدًا بكفر شكر لدعم مرشحه لانتخابات الشيوخ    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على نقل خبراتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب لدعم القدرات النيجيرية    27 شهيدا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    من هو عدي الدباغ المرشح لخلافة وسام أبو علي في الأهلي؟    الزراعة تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها للمواطنين بأسعار مخفضة فى الجيزة    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 39 متهما ب«خلية العملة»    حسن الصغير رئيسًا لأكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والدعاة    وزير العمل: التأمين الطبي لعمال «الدليفري» من ضمن أشكال السلامة المهنية    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نهاجم في الشرق الأوسط حيثما نشاء دون سياسة واضحة    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    "يريد أكثر من مبابي".. سبب تعقد مفاوضات تجديد فينيسيوس وخطوة ريال مدريد القادمة    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العزب الطيب الطاهر يكتب :من دفتر أحوال الذات ورائحة الوطن
نشر في الوفد يوم 12 - 11 - 2012

أتمدد داخل ذاتي محاولا اقتحام المناطق المعتمة، أكابد في الوصول إليها كي أجردها من الظلمة وأدفع بها إلى مسارات الإشراق، لكني أعجز عن بلوغ المراد، فالعتمة تحاصرني والليل متوغل والأسوار عالية والنيران مشتعلة والبكاء أنشودتي والوجع عنواني وضفاف الأنهار تضيق والندى يسافر عن فجري والشمس تغادر أكواني.
أمضي سادرا في جوعي. يتمزق وجداني يتبعثر عشقي أعود وحيدا بين جدران الصمت. أغني ألف آه أصرخ في وجه المدينة.
هي سر وجعي تلك المدينة. صارت عذابي وولعي فأبناؤها منخرطون في الشظي والتداعي باتجاه الجمر. مندفعون نحو الهاوية تنساب في أجسادهم دماء انفرط عقدها. أرواحهم غدت فاقدة للتوهج استعار والخواء عوضا عن العمق. باتوا أسرى أساطير الصعود إلى اللاشيء. كائنات غريبة تتقافز في الفضاء د ونما أجنحة ترغب في أن تتحول إلى كواكب وهي تفتقر للإِشعاع.
في المدينة ليس بوسعك أن تميز بين الأبيض والأسود الكل يسكن في المنطقة الرمادية ثمة من يسرق من عينيك الضوء وآخر يبث في عينيك حلما ورديا لكنه ليس صادقا. تموت في المدينة العصافير. تتساقط النوارس. تنكفئ القصائد. فيسكت الصباح يكف عن ولادة النهار الذي نحلم به.
في المدينة لا يأتي رجل من أطرافها كي يوقظنا من سباتنا. وعندما يجئ نقذفه بالأحجار. نعاهده على الخيانة والانخراط في الحزن. يلملم جراحه ولا يلبث أن يعود مادحا ما تبقى من شهامة مناشدا آخر تجليات الرجولة فينا فتتلوى رقابنا. وتتلون قسمات وجوهنا نسترجع صمتنا وبكاءنا القديم على الأطلال يغادرنا الرجل إلى غير رجعة.
لم يعد في المدينة سوى الصدأ والرماد. قلت: لعلي أكون مبالغا في الوجع فنظرت حولي وجدته أشبه بالجراد منتشرا في أنحائها ممتطيا جداراتها مقيما بمسافاتها مرتفعا بقاماتها متشبثا بألوانها
هو الوجع رفيقي. مألوفا للقلب. مرادفا للروح. أي وجع تقصد؟ سألني من يجلس قبالتي على مقعد في القطار المتهالك الذي يربط المدينة بأخرى لكنه لا يصل إليها أبداً قلت؟ هو وجع يسكن الهمس والصراخ. القعود والإقامة الحضور والغياب. السكون والصمت. الأنهار والصحارى
هو وجع في كبد الحقيقة. في المدائن والبحار والسواحل وغيابات الجب ورحيق الورود ورياحين الحدائق وفي وجوه الصبايا وفي الكلام وفي النحيب وفي الطرقات وفي المنازل وفي الحجرات المغلقة وفي الفنادق وفي المطارات وفي بيارات البرتقال وفي أعجاز النخيل وأشجار الرمان وفي الأقحوان وفي الياقوت وفي السفر وفي الإياب وفي الكتابة وفي الأسرة وفي الأوراق
عقب: ليس وجعك وحدك لكنه وجع للجميع
قلت: وجعي الخاص يصلبني على جدران القلب ووجعى العام يقض مضاجع الوطن. يسرق السكينة من حدائقه يتعانق الوجعان أرتمي في المسافة بينهما.لمن يكون وجعي للذات المتعبة أم للوطن المذبوح؟
محاصرا صرت بالوجع. فرض على حضوره ومكابداته هل أقدر على البوح بعذاباته؟
أيامي حبلى بالوجع. فلمن تدق أجراسه؟ لحلم توهج ثم غادر المدينة أم لعشق رسمت مساره ثم انطفأ في الوجدان أم لعدل بات غيابه مقدرا أم لوطن عاجز عن استعادة سيرة الفرح.
عبثا حاولت الخروج. القفز على ألوان الوجع الصلبة. بادرت بمعانقة القصائد لا أحد يداعبها . العسس والبصاصون يطلقون النار على من يتلمسها. أو يغزل حروفها أو يميط اللثام عن معانيها ودلالاتها. تحولت إلى التحقيق بعد أن كشف سرى بصاص كان يتناول معي الطعام ويقرأ فيها سألني المحقق عن سر القصائد ومقصدي طلب منى البوح عن الأسرار
وفك ألغاز المفردات. وعما إذا كان السلطان مقصودا؟
أقسمت بأن السلطان بمنأى عن المقصود. فالمقصود هو الأوطان الجائعة الباحثة عن معنى الحرية والعدل عن معنى أن تكون سامق القامة والزيت في قناديل ليلك.
والفجر يسري بأنحائك دون زوار من عسس السلطان.
لم يعد لي سوى وردي أقرأ فيه عن العشق والأشواق الكبرى. كتاب مفتوح. بلا ضفاف. لكن من يتركني أقرأ دون عناء. عسس السلطان خلفي في الأمكنة والأزمنة. السلطان لم يختلف. العنوان لم يتغير. الوجه بلا ملامح. الصبر يتمدد فينا يقبع في المدينة لا يحرك ساكنا يغيب عن صدرونا يوشك على النفاذ.
في كتاب العشق أتوقف بين سطور الكلمات لم يعد ثمة شوق أو خيل يرمح في البرية لم يعد ثمة معارك أو غزوات أترنح في طرقات المدينة هو جوع يحاصرني أم بكاء يتفجر من فرط الوجع المكنون.
أبكى على زهرة توشك على الغياب حضورها باهت. يسكنها الغسق. يغادرها الفلق لم تعد تورق لى البراءة أو تصب النيل في فنجاني كل صباح. لم تعد تغرقني في دفء ضحكاتها الصبية أو تذيبني في حقولها الزاخرة برائحة المطر.
توشك زهرتي على الذبول. والوطن يوشك على الاندثار في غياهب الكلام تدفعني الزهرة المحاطة بقلبي لركوب الصمت والوطن الذي يسكن روحي لامتطاء الوجع كلاهما مر. كلاهما يجفف ينابيع الشعر. عيون القصائد ومرايا الوجود.
في زهرتي التي تنحني سيقانها أمامي يتراكم وجعي. يتداخل بامتداد الوطن فتتكون ملامح القهر الآتي فكيف ستكون القصائد وكيف سيغني الحمام وتهفو قلوب عشاق لبعضها البعض وتنتصر جيوش الحق وترتوي الأجنة في بطون أمهاتها؟ كيف سيكون للضياء معنى وللبهاء سر وللخيول صهيل؟
كيف سيكون للأنهار منابع ولليل فجر وللصمت نهاية ولقوس قزح دهشة في الأصيل وللقمح سنابل وللأقمار مجالات تدور فيها حول الكواكب؟
مقيما في المدينة ما زلت. أرنو للهبوط بمرافئ البراءة والسكينة.
فمن يغزلها لي؟ من يصنع السفينة من أين أجيء بنوح؟ من يصنع البهجة المسافرة؟ ويكتب الصحائف المنقذة؟ وينأى بالوجع عن المدينة.
السطر الأخير:
ليس لي سوى الله ملجأ وملاذا ومآلا ومأوى
هو الله الخالق المعبود المقصود وحده بالحاجات
الفرد الصمد القادر على أن يخصم الوجع من روحي.
ويعيد زهرتي لسيرتها الأولى ويمحو من محياها خارطة الآلام.
فامنحني يا الله يا عالما بخفايا النفوس
القدرة على تجاوز المحن والصلابة في الصبر على الابتلاءات
ارزقني يا الله مددا من فيض رحمتك
وزادا أواجه به جوعي للتقوى وسكينة الروح
باعد بيني وبين الجروح
دلني على الرشد في الكلام والفعل
افتح بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك
اجعلني عبدا ربانيا. من عشاق قرآنك وحديث نبيك
قانتا آناء الليل وأطراف النهار.
قارئا في كونك
متبتلا في وجودك
منتظرا حسن خاتمة واجعل خير أيامي يوم لقائك يا الله
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.