فؤاد بدراوى: الوفد تراجع في عهد عبد السند يمامة    سعر جرام الذهب مساء اليوم الأربعاء، عيار 21 وصل لهذا المستوى    دولة الاحتلال تحظر 37 منظمة إنسانية بغزة، وأوروبا تحذر    نجم الزمالك: النادي ضم لاعبين من «أبو قرشين» والقميص «تقيل عليهم»    القبض على عامل أطلق أعيرة نارية ابتهاجا بفوز مرشح بانتخابات النواب بقنا    تعليق مفاجئ من اليسا عن فيلم الست لمنى زكي    خالد الجندي: الله يُكلم كل عبد بلغته يوم القيامة.. فيديو    الإفتاء: إن التهنئة بالعام الجديد جائزة شرعًا    استشارى: مناعة طفلك فى وجبة الإفطار صباحا    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد    خروج 69 ألفا من إسرائيل خلال 2025.. إحصاء للاحتلال يكشف التفاصيل    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة    تشكيل أمم إفريقيا - 9 تبديلات على الجزائر.. ونسوي يقود هجوم غينيا الاستوائية    بشرى سارة لأهالي أبو المطامير: بدء تنفيذ مستشفي مركزي على مساحة 5 أفدنة    جامعة العاصمة تنظم الاحتفالية السابعة للبحث العلمي لعام 2025    محافظ القليوبية يبحث إجراءات تحويل قرية القلج وتوابعها بمركز الخانكة إلى مدينة مستقلة    المحكمة العربية للتحكيم تطلق ملتقى الوعي الوطني لشباب الصعيد    حملات مستمرة لإعادة الإنضباط للشارع الشرقاوي    رئيس جامعة المنوفية يتابع امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية العلوم    «التضامن»: تسليم 567 طفلًا لأسر بديلة وتطبيق حوكمة صارمة لإجراءات الكفالة    رئيس جامعة بنها يوجه بتطوير الوحدات الإنتاجية    محافظ المنيا يتابع تقرير قطاع مديرية الطرق والنقل لعام 2025    بيت الزكاة والصدقات يعلن دخول القافلة الإغاثية 13 لغزة عبر منفذ رفح فجر اليوم    إنجازات التجديف في 2025، ميدالية عالمية ومناصب دولية وإنجازات قارية    الحكم على 60 معلمًا بمدرسة بالقليوبية بتهمة ارتكاب مخالفات مالية وإدارية    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لاستقبال أعياد رأس السنة وعيد الميلاد المجيد    تعرف على سعر الدولار مقابل الجنيه فى البنوك    عاجل- مجلس الوزراء يوافق على تخصيص قطع أراضٍ للبيع بالدولار لشركات محلية وأجنبية    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    أبرز إيرادات دور العرض السينمائية أمس الثلاثاء    حصاد 2025| منتخب مصر يتأهل للمونديال ويتألق في أمم أفريقيا.. ووداع كأس العرب النقطة السلبية    حصاد 2025| ألعاب صالات الزمالك تخرج بخفي حنين.. والطائرة تحفظ ماء الوجه    تصعيد إسرائيلي شمال غزة يدفع العائلات الفلسطينية للنزوح من الحي الشعبي    اجتماع مفاجئ بين الرئيس السيسي والقائد العام للقوات المسلحة    مدبولي يوجه بسرعة الانتهاء من الأعمال المتبقية بمشروعات «حياة كريمة»    محمود عباس: الدولة الفلسطينية المستقلة حقيقة حتمية وغزة ستعود إلى حضن الشرعية الوطنية    بنهاية 2025.. الاحتلال يسيطر على نحو 55% من مساحة غزة ويدمر 90% من البنية العمرانية في القطاع    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    استهدف أمريكيين أصليين وخط مياه.. تفاصيل فيتو ترامب الأول بالولاية الثانية    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة.. 2026 عام الاحتفال بالفنانين المعاصرين    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    القنوات المجانية الناقلة لمباراة الجزائر وغينيا الاستوائية في أمم أفريقيا    الرقابة المالية تقر تجديد وقيد 4 وكلاء مؤسسين بالأنشطة المالية غير المصرفية    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    ضبط 393 متهمًا وكمية ضخمة من المخدرات والأسلحة في حملات أمنية    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    ضبط 150 كيلو لحوم وأحشاء غير صالحة للاستهلاك الآدمي ببنها    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بحلول العام الميلادي الجديد    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    السودان يواجه بوركينا فاسو في مباراة حاسمة بأمم أفريقيا 2025    الحكومة تصدر قرارًا جديدًا بشأن الإجازات الدينية للأخوة المسيحيين| تفاصيل    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العزب الطيب الطاهر يكتب :من دفتر أحوال الذات ورائحة الوطن
نشر في الوفد يوم 12 - 11 - 2012

أتمدد داخل ذاتي محاولا اقتحام المناطق المعتمة، أكابد في الوصول إليها كي أجردها من الظلمة وأدفع بها إلى مسارات الإشراق، لكني أعجز عن بلوغ المراد، فالعتمة تحاصرني والليل متوغل والأسوار عالية والنيران مشتعلة والبكاء أنشودتي والوجع عنواني وضفاف الأنهار تضيق والندى يسافر عن فجري والشمس تغادر أكواني.
أمضي سادرا في جوعي. يتمزق وجداني يتبعثر عشقي أعود وحيدا بين جدران الصمت. أغني ألف آه أصرخ في وجه المدينة.
هي سر وجعي تلك المدينة. صارت عذابي وولعي فأبناؤها منخرطون في الشظي والتداعي باتجاه الجمر. مندفعون نحو الهاوية تنساب في أجسادهم دماء انفرط عقدها. أرواحهم غدت فاقدة للتوهج استعار والخواء عوضا عن العمق. باتوا أسرى أساطير الصعود إلى اللاشيء. كائنات غريبة تتقافز في الفضاء د ونما أجنحة ترغب في أن تتحول إلى كواكب وهي تفتقر للإِشعاع.
في المدينة ليس بوسعك أن تميز بين الأبيض والأسود الكل يسكن في المنطقة الرمادية ثمة من يسرق من عينيك الضوء وآخر يبث في عينيك حلما ورديا لكنه ليس صادقا. تموت في المدينة العصافير. تتساقط النوارس. تنكفئ القصائد. فيسكت الصباح يكف عن ولادة النهار الذي نحلم به.
في المدينة لا يأتي رجل من أطرافها كي يوقظنا من سباتنا. وعندما يجئ نقذفه بالأحجار. نعاهده على الخيانة والانخراط في الحزن. يلملم جراحه ولا يلبث أن يعود مادحا ما تبقى من شهامة مناشدا آخر تجليات الرجولة فينا فتتلوى رقابنا. وتتلون قسمات وجوهنا نسترجع صمتنا وبكاءنا القديم على الأطلال يغادرنا الرجل إلى غير رجعة.
لم يعد في المدينة سوى الصدأ والرماد. قلت: لعلي أكون مبالغا في الوجع فنظرت حولي وجدته أشبه بالجراد منتشرا في أنحائها ممتطيا جداراتها مقيما بمسافاتها مرتفعا بقاماتها متشبثا بألوانها
هو الوجع رفيقي. مألوفا للقلب. مرادفا للروح. أي وجع تقصد؟ سألني من يجلس قبالتي على مقعد في القطار المتهالك الذي يربط المدينة بأخرى لكنه لا يصل إليها أبداً قلت؟ هو وجع يسكن الهمس والصراخ. القعود والإقامة الحضور والغياب. السكون والصمت. الأنهار والصحارى
هو وجع في كبد الحقيقة. في المدائن والبحار والسواحل وغيابات الجب ورحيق الورود ورياحين الحدائق وفي وجوه الصبايا وفي الكلام وفي النحيب وفي الطرقات وفي المنازل وفي الحجرات المغلقة وفي الفنادق وفي المطارات وفي بيارات البرتقال وفي أعجاز النخيل وأشجار الرمان وفي الأقحوان وفي الياقوت وفي السفر وفي الإياب وفي الكتابة وفي الأسرة وفي الأوراق
عقب: ليس وجعك وحدك لكنه وجع للجميع
قلت: وجعي الخاص يصلبني على جدران القلب ووجعى العام يقض مضاجع الوطن. يسرق السكينة من حدائقه يتعانق الوجعان أرتمي في المسافة بينهما.لمن يكون وجعي للذات المتعبة أم للوطن المذبوح؟
محاصرا صرت بالوجع. فرض على حضوره ومكابداته هل أقدر على البوح بعذاباته؟
أيامي حبلى بالوجع. فلمن تدق أجراسه؟ لحلم توهج ثم غادر المدينة أم لعشق رسمت مساره ثم انطفأ في الوجدان أم لعدل بات غيابه مقدرا أم لوطن عاجز عن استعادة سيرة الفرح.
عبثا حاولت الخروج. القفز على ألوان الوجع الصلبة. بادرت بمعانقة القصائد لا أحد يداعبها . العسس والبصاصون يطلقون النار على من يتلمسها. أو يغزل حروفها أو يميط اللثام عن معانيها ودلالاتها. تحولت إلى التحقيق بعد أن كشف سرى بصاص كان يتناول معي الطعام ويقرأ فيها سألني المحقق عن سر القصائد ومقصدي طلب منى البوح عن الأسرار
وفك ألغاز المفردات. وعما إذا كان السلطان مقصودا؟
أقسمت بأن السلطان بمنأى عن المقصود. فالمقصود هو الأوطان الجائعة الباحثة عن معنى الحرية والعدل عن معنى أن تكون سامق القامة والزيت في قناديل ليلك.
والفجر يسري بأنحائك دون زوار من عسس السلطان.
لم يعد لي سوى وردي أقرأ فيه عن العشق والأشواق الكبرى. كتاب مفتوح. بلا ضفاف. لكن من يتركني أقرأ دون عناء. عسس السلطان خلفي في الأمكنة والأزمنة. السلطان لم يختلف. العنوان لم يتغير. الوجه بلا ملامح. الصبر يتمدد فينا يقبع في المدينة لا يحرك ساكنا يغيب عن صدرونا يوشك على النفاذ.
في كتاب العشق أتوقف بين سطور الكلمات لم يعد ثمة شوق أو خيل يرمح في البرية لم يعد ثمة معارك أو غزوات أترنح في طرقات المدينة هو جوع يحاصرني أم بكاء يتفجر من فرط الوجع المكنون.
أبكى على زهرة توشك على الغياب حضورها باهت. يسكنها الغسق. يغادرها الفلق لم تعد تورق لى البراءة أو تصب النيل في فنجاني كل صباح. لم تعد تغرقني في دفء ضحكاتها الصبية أو تذيبني في حقولها الزاخرة برائحة المطر.
توشك زهرتي على الذبول. والوطن يوشك على الاندثار في غياهب الكلام تدفعني الزهرة المحاطة بقلبي لركوب الصمت والوطن الذي يسكن روحي لامتطاء الوجع كلاهما مر. كلاهما يجفف ينابيع الشعر. عيون القصائد ومرايا الوجود.
في زهرتي التي تنحني سيقانها أمامي يتراكم وجعي. يتداخل بامتداد الوطن فتتكون ملامح القهر الآتي فكيف ستكون القصائد وكيف سيغني الحمام وتهفو قلوب عشاق لبعضها البعض وتنتصر جيوش الحق وترتوي الأجنة في بطون أمهاتها؟ كيف سيكون للضياء معنى وللبهاء سر وللخيول صهيل؟
كيف سيكون للأنهار منابع ولليل فجر وللصمت نهاية ولقوس قزح دهشة في الأصيل وللقمح سنابل وللأقمار مجالات تدور فيها حول الكواكب؟
مقيما في المدينة ما زلت. أرنو للهبوط بمرافئ البراءة والسكينة.
فمن يغزلها لي؟ من يصنع السفينة من أين أجيء بنوح؟ من يصنع البهجة المسافرة؟ ويكتب الصحائف المنقذة؟ وينأى بالوجع عن المدينة.
السطر الأخير:
ليس لي سوى الله ملجأ وملاذا ومآلا ومأوى
هو الله الخالق المعبود المقصود وحده بالحاجات
الفرد الصمد القادر على أن يخصم الوجع من روحي.
ويعيد زهرتي لسيرتها الأولى ويمحو من محياها خارطة الآلام.
فامنحني يا الله يا عالما بخفايا النفوس
القدرة على تجاوز المحن والصلابة في الصبر على الابتلاءات
ارزقني يا الله مددا من فيض رحمتك
وزادا أواجه به جوعي للتقوى وسكينة الروح
باعد بيني وبين الجروح
دلني على الرشد في الكلام والفعل
افتح بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك
اجعلني عبدا ربانيا. من عشاق قرآنك وحديث نبيك
قانتا آناء الليل وأطراف النهار.
قارئا في كونك
متبتلا في وجودك
منتظرا حسن خاتمة واجعل خير أيامي يوم لقائك يا الله
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.