انكماش الاقتصاد السويدي للشهر الثاني على التوالي في أبريل الماضي    جولات مرورية لرئيس حي شرق مدينة نصر لإحكام الرقابة على الأسواق استعدادا لعيد الأضحى    مجلس الشيوخ يوافق نهائيا على دراسة أبو هشيمة عن الشباب والذكاء الاصطناعي ورفعها لرئيس الجمهورية    البورصة المصرية تربح 16.4 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    صحة غزة: محطة الأكسجين الوحيدة في غزة مهددة بالتوقف التام خلال ساعات    حزب الله اللبناني ينفذ هجوما جويا بسرب مسيرات على مقر قيادة إسرائيلي شرق نهاريا    حزب السياسي الألماني اليميني المتطرف كراه يمنعه من شغل مقعد في البرلمان الأوروبي    شبانة: كولر غير مقتنع بيوسف أيمن والمعارين ويصر على كوناتي    مصر تحصد 4 ميداليات في بطولة العالم للمواي تاي باليونان    القبض على شخص بحوزته أكثر من مليون جنيه مزيفين في عين شمس    سويسرا تؤكد حضور 90 دولة ومنظمة مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا منتصف يونيو    «يامال وجولر».. مواهب برشلونة وريال مدريد يترقبان الظهور الأول في «اليورو2024»    مصدر حكومي يكشف حقيقة التعديلات الوزارية وتشكيل الحكومة الجديدة    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    محافظ كفر الشيخ: تحرير 98 محضر مرور وإشغالات من خلال منظومة الكاميرات    سها جندي: نعتز بالتعاون مع الجانب الألماني ونبني على ثمار نجاح المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    تشكيل الحكومة الجديد.. رحيل وزير شؤون مجلس النواب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    رد قوي من أحمد خالد صالح وهنادي مهنى على توقعات ليلي عبد اللطيف بانفصالهما    8 شهداء فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا جنوب شرق خان يونس    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    الصحة تكشف تأثير ارتفاع درجة الحرارة على المواطنين، وهذه الفئات ممنوعة من الخروج    "ربطتها في باب الحمام وهي ميتة وعملت علاقة أكثر من مرة".. اعترافات سفاح التجمع عن "أميرة"    اليوم.. "ثقافة الشيوخ" تفتح ملف إحياء متحف فن الزجاج والنحت بالجيزة    تحمي من أمراض مزمنة- 9 فواكه صيفية قليلة السكر    فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا    محطات بارزة في حياة زهرة العلا.. تلميذة يوسف وهبي وأهم نجمات الزمن الجميل (فيديو)    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في إمبابة    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    وزير الحج والعمرة: المملكة تواصل جهودها لخدمة ضيوف الرحمن خلال موسم الحج    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    لمواليد «برج الجدي».. اعرف حظك هذا الأسبوع    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال الإسرائيلى تعتقل 30 فلسطينيا بالضفة الغربية لترتفع الحصيلة ل 9155 منذ 7 أكتوبر    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    سعر الذهب اليوم الإثنين 10 يونيو 2024 وعيار 21 بالمصنعية في أول التداولات    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    حياة كريمة .. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    نتائج أولية: حزب الشعب يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبى بحصوله على 181 مقعدا    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العزب الطيب الطاهر يكتب :من دفتر أحوال الذات ورائحة الوطن
نشر في الوفد يوم 12 - 11 - 2012

أتمدد داخل ذاتي محاولا اقتحام المناطق المعتمة، أكابد في الوصول إليها كي أجردها من الظلمة وأدفع بها إلى مسارات الإشراق، لكني أعجز عن بلوغ المراد، فالعتمة تحاصرني والليل متوغل والأسوار عالية والنيران مشتعلة والبكاء أنشودتي والوجع عنواني وضفاف الأنهار تضيق والندى يسافر عن فجري والشمس تغادر أكواني.
أمضي سادرا في جوعي. يتمزق وجداني يتبعثر عشقي أعود وحيدا بين جدران الصمت. أغني ألف آه أصرخ في وجه المدينة.
هي سر وجعي تلك المدينة. صارت عذابي وولعي فأبناؤها منخرطون في الشظي والتداعي باتجاه الجمر. مندفعون نحو الهاوية تنساب في أجسادهم دماء انفرط عقدها. أرواحهم غدت فاقدة للتوهج استعار والخواء عوضا عن العمق. باتوا أسرى أساطير الصعود إلى اللاشيء. كائنات غريبة تتقافز في الفضاء د ونما أجنحة ترغب في أن تتحول إلى كواكب وهي تفتقر للإِشعاع.
في المدينة ليس بوسعك أن تميز بين الأبيض والأسود الكل يسكن في المنطقة الرمادية ثمة من يسرق من عينيك الضوء وآخر يبث في عينيك حلما ورديا لكنه ليس صادقا. تموت في المدينة العصافير. تتساقط النوارس. تنكفئ القصائد. فيسكت الصباح يكف عن ولادة النهار الذي نحلم به.
في المدينة لا يأتي رجل من أطرافها كي يوقظنا من سباتنا. وعندما يجئ نقذفه بالأحجار. نعاهده على الخيانة والانخراط في الحزن. يلملم جراحه ولا يلبث أن يعود مادحا ما تبقى من شهامة مناشدا آخر تجليات الرجولة فينا فتتلوى رقابنا. وتتلون قسمات وجوهنا نسترجع صمتنا وبكاءنا القديم على الأطلال يغادرنا الرجل إلى غير رجعة.
لم يعد في المدينة سوى الصدأ والرماد. قلت: لعلي أكون مبالغا في الوجع فنظرت حولي وجدته أشبه بالجراد منتشرا في أنحائها ممتطيا جداراتها مقيما بمسافاتها مرتفعا بقاماتها متشبثا بألوانها
هو الوجع رفيقي. مألوفا للقلب. مرادفا للروح. أي وجع تقصد؟ سألني من يجلس قبالتي على مقعد في القطار المتهالك الذي يربط المدينة بأخرى لكنه لا يصل إليها أبداً قلت؟ هو وجع يسكن الهمس والصراخ. القعود والإقامة الحضور والغياب. السكون والصمت. الأنهار والصحارى
هو وجع في كبد الحقيقة. في المدائن والبحار والسواحل وغيابات الجب ورحيق الورود ورياحين الحدائق وفي وجوه الصبايا وفي الكلام وفي النحيب وفي الطرقات وفي المنازل وفي الحجرات المغلقة وفي الفنادق وفي المطارات وفي بيارات البرتقال وفي أعجاز النخيل وأشجار الرمان وفي الأقحوان وفي الياقوت وفي السفر وفي الإياب وفي الكتابة وفي الأسرة وفي الأوراق
عقب: ليس وجعك وحدك لكنه وجع للجميع
قلت: وجعي الخاص يصلبني على جدران القلب ووجعى العام يقض مضاجع الوطن. يسرق السكينة من حدائقه يتعانق الوجعان أرتمي في المسافة بينهما.لمن يكون وجعي للذات المتعبة أم للوطن المذبوح؟
محاصرا صرت بالوجع. فرض على حضوره ومكابداته هل أقدر على البوح بعذاباته؟
أيامي حبلى بالوجع. فلمن تدق أجراسه؟ لحلم توهج ثم غادر المدينة أم لعشق رسمت مساره ثم انطفأ في الوجدان أم لعدل بات غيابه مقدرا أم لوطن عاجز عن استعادة سيرة الفرح.
عبثا حاولت الخروج. القفز على ألوان الوجع الصلبة. بادرت بمعانقة القصائد لا أحد يداعبها . العسس والبصاصون يطلقون النار على من يتلمسها. أو يغزل حروفها أو يميط اللثام عن معانيها ودلالاتها. تحولت إلى التحقيق بعد أن كشف سرى بصاص كان يتناول معي الطعام ويقرأ فيها سألني المحقق عن سر القصائد ومقصدي طلب منى البوح عن الأسرار
وفك ألغاز المفردات. وعما إذا كان السلطان مقصودا؟
أقسمت بأن السلطان بمنأى عن المقصود. فالمقصود هو الأوطان الجائعة الباحثة عن معنى الحرية والعدل عن معنى أن تكون سامق القامة والزيت في قناديل ليلك.
والفجر يسري بأنحائك دون زوار من عسس السلطان.
لم يعد لي سوى وردي أقرأ فيه عن العشق والأشواق الكبرى. كتاب مفتوح. بلا ضفاف. لكن من يتركني أقرأ دون عناء. عسس السلطان خلفي في الأمكنة والأزمنة. السلطان لم يختلف. العنوان لم يتغير. الوجه بلا ملامح. الصبر يتمدد فينا يقبع في المدينة لا يحرك ساكنا يغيب عن صدرونا يوشك على النفاذ.
في كتاب العشق أتوقف بين سطور الكلمات لم يعد ثمة شوق أو خيل يرمح في البرية لم يعد ثمة معارك أو غزوات أترنح في طرقات المدينة هو جوع يحاصرني أم بكاء يتفجر من فرط الوجع المكنون.
أبكى على زهرة توشك على الغياب حضورها باهت. يسكنها الغسق. يغادرها الفلق لم تعد تورق لى البراءة أو تصب النيل في فنجاني كل صباح. لم تعد تغرقني في دفء ضحكاتها الصبية أو تذيبني في حقولها الزاخرة برائحة المطر.
توشك زهرتي على الذبول. والوطن يوشك على الاندثار في غياهب الكلام تدفعني الزهرة المحاطة بقلبي لركوب الصمت والوطن الذي يسكن روحي لامتطاء الوجع كلاهما مر. كلاهما يجفف ينابيع الشعر. عيون القصائد ومرايا الوجود.
في زهرتي التي تنحني سيقانها أمامي يتراكم وجعي. يتداخل بامتداد الوطن فتتكون ملامح القهر الآتي فكيف ستكون القصائد وكيف سيغني الحمام وتهفو قلوب عشاق لبعضها البعض وتنتصر جيوش الحق وترتوي الأجنة في بطون أمهاتها؟ كيف سيكون للضياء معنى وللبهاء سر وللخيول صهيل؟
كيف سيكون للأنهار منابع ولليل فجر وللصمت نهاية ولقوس قزح دهشة في الأصيل وللقمح سنابل وللأقمار مجالات تدور فيها حول الكواكب؟
مقيما في المدينة ما زلت. أرنو للهبوط بمرافئ البراءة والسكينة.
فمن يغزلها لي؟ من يصنع السفينة من أين أجيء بنوح؟ من يصنع البهجة المسافرة؟ ويكتب الصحائف المنقذة؟ وينأى بالوجع عن المدينة.
السطر الأخير:
ليس لي سوى الله ملجأ وملاذا ومآلا ومأوى
هو الله الخالق المعبود المقصود وحده بالحاجات
الفرد الصمد القادر على أن يخصم الوجع من روحي.
ويعيد زهرتي لسيرتها الأولى ويمحو من محياها خارطة الآلام.
فامنحني يا الله يا عالما بخفايا النفوس
القدرة على تجاوز المحن والصلابة في الصبر على الابتلاءات
ارزقني يا الله مددا من فيض رحمتك
وزادا أواجه به جوعي للتقوى وسكينة الروح
باعد بيني وبين الجروح
دلني على الرشد في الكلام والفعل
افتح بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك
اجعلني عبدا ربانيا. من عشاق قرآنك وحديث نبيك
قانتا آناء الليل وأطراف النهار.
قارئا في كونك
متبتلا في وجودك
منتظرا حسن خاتمة واجعل خير أيامي يوم لقائك يا الله
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.