أزمة منطقة اليورو مازالت مستمرة، ولكن الضوء الخافت الذي بدأ يلوح في الأفق بعد الإجراءات التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي بالتدخل لشراء السندات. ومع منح اليونان وهي من أكبر المتأثرين بالأزمة مهلة سنتين إضافيتين لإنجاز برنامج التصحيح المالي من الآن وحتى 2016 بدلاً من 2014،أعطى بعض الأمل في عودة الانتعاش إلى منطقة اليورو التي كانت معرضة لسيناريوهات بالغة السوء تتمثل في اختفاء منطقة اليورو، والتي بلغت أكبر معاناتها منذ أحدث ركود لها قبل أكثر من 3 سنوات، في بداية الربع الأخير من العام الجاري، والذي تمثل في قيام الشركات الكبرى في تكتل العملة الموحدة التي تضم عدد 17 دولة أوروبية، بالاستغناء عن مزيد من العاملين لتقليص النفقات والعمل على تقليل التكاليف التي تقع على عاتقها، مما انعكس سلبا على سوق العمل وأدى إلى تفاقم أزمة البطالة، حيث يوجد أكثر من 18 مليون شخص بلا عمل، ورغم أن التباطؤ الذي بدأ في دول صغيرة بجنوب أوروبا، ينال الآن من ألمانيا وفرنسا، وربما يدفع منطقة اليورو ككل للركود، فقد عاد المستثمرون الدوليون الكبار للتعامل بحذر مع المنطقة منذ بضعة أسابيع، وعادت عمليات شراء أسهم من المصارف الفرنسية والإسبانية والإيطالية، وكذلك شراء سندات ديون بعض الدول التي تواجه أوضاعا صعبة، مثل القروض قصيرة الأجل من إيطاليا، إلى جانب ديون إسبانية، مما أسهم في قفزة مؤشرات البورصات وتحسن معدلات فائدة القروض في إسبانيا وإيطاليا، للمرة الأولى منذ فبراير 2011 ولذلك بدأت شركات الاستثمار العالمية الكبرى، تنصح بالعودة إلى إسبانيا وإيطاليا بعد مقاطعة استمرت ثلاث سنوات وفي الوقت ذاته فإن الصناديق المالية الأميركية التي تدير مئات مليارات الدولارات، قد زادت استثماراتها في مصارف منطقة اليورو، بنسبة 10.6٪ من الأموال التي وظفتها، ولكن في الوقت الذي يناقش فيه بقلق شديد وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين في المكسيك هذه الأيام الإجراءات الضرورية لضمان عدم طلب البنوك الكبرى في العالم مساعدات إنقاذ جديدة من أموال دافعي الضرائب، فإن البعض يرى أن عودة المستثمرين مازالت هشة، وأن الصناديق تهدف بعودتها إلى جني أرباح سريعة من منطقة اليورو، برغم أن ذلك ينطوي على بعض المخاطر والمجازفات، خاصة قبل الانتخابات في إيطاليا وفي ألمانيا. لأن بعض الخبراء يتوقعون استمرار المخاوف المتعلقة بالدين السيادي حتى لو نجحت أوروبا في خفض العجز في الميزانية العامة، إذا لم تحدث معدلات نمو إيجابية، تكون قادرة على جذب الاستثمارات الدولية، بعد التزام دول المنطقة بخطط التقشف الموضوعة، والوفاء بالتزاماتها بإصلاح موازناتها الخاصة بصورة صحيحة. الأمر الذي يساعد في التغلب على الأزمة المالية لمنطقة اليورو تدريجيا في غضون عام أو عامين على الأكثر. ومع الأمل في الانتعاش الذي يلوح به الضوء الخافت البعيد في نهاية النفق الذي بدأ يفتح شهية الشركات الاستثمارية العالمية، فإن ذلك يلقي بعض ظلال الثقة المستقبلية على اقتصاد منطقة اليورو، خاصة الدول التي سوف تلتزم بحزمة الإجراءات الإصلاحية المطلوبة منها، مما يشجع متخذي القرار الأذكياء من الاستحواذ على الشركات والمشروعات الحيوية التي من المتوقع أن تعطي عائدا سريعا يمكنها من جني الأرباح، وزيادة الاستثمارات في القطاعات الأخرى التي أنهكها الركود في السنوات الثلاثة الماضية، ولا شك أن الشركات الاستثمارية طويلة النفس وبعيدة النظر ستجد في الاقتصاد الأوروبي المريض ضالتهم المنشودة لتنمية أعمالهم وتطويرها، لأن فرص المكاسب متاحة وكبيرة على حساب المستثمرين المتخوفين أو الذين يهربون من ساحة الاستثمار، خاصة أن سنوات الأزمة سوف تفرض العديد من الآليات التي تجعل المشروعات والشركات المتعثرة أو المتوقفة تتدافع لجذب المستثمرين بشروط غير مرضية، ولكنها تحقق الأمل في العودة إلى السوق ومزاولة أنشطتها الصناعية والاقتصادية، وتدبير العديد من فرص العمل التي تستوعب جزءا من المتعطلين تم عن العمل الذين الاستغناء عنهم في فترة الأزمة،وحتى تتمكن من سداد الديون ولتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال سنوات الأزمة. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية