صاروا مصابيحاتُنير ظُلمات ليل الفيروس القاتل، حاملين على كاهلهن عاتق المسؤولية لأداء واجبهُن على أكمل وجه، فمنهُن من يُعطي جرعات الأمل كدفعة للصمود والمقاومة ورفع معنويات المرضى حتى لا يتمكن منهم اليأس، ومنهُن من يُساهم بكل طاقته ومجهوده لرعاية المُصابين، وتقليل فرص انتقال العدوى بين المواطنين، إنهم "ملائكة الرحمة"، وجيش مصر الأبيض، الممرضات اللاتي حملن كل أسلحتهن البيضاء وقدمن كل ما ملكن لمُحاربة عدو الإنسانية فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، الوباء الذي أرهب العالم، وغير من نمط الحياة بعد أن أصاب وحصد الآلاف من الأرواح. "مهنة العطاء"، التي اعتاد أهلُها على المنح دائمًا، فلم تكُن هذه المرة الأولى ولا حتى الأخيرة ولا جديد عليهن ما قدموه منذ تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 ، بل اعتدنا على رؤية هذه الصورة الباسلة لهُن منذ قديم الزمان، حيثُ كان لديهن الكثير من التجارب التي ظهرت بسالتهن في الأزمات، وأثبتت أدوارهن الفعالة في مواجهة الصعوبات، من أمراض، وأوبئة، وحروب، وأزمات، وغير ذلك، فهُن دائمًا وفي كل وقت أصحاب الصفوف الأولى في مجابهة الجائحات بكل أنماطها. وليأتي زمن كورونا، ليكشف الستار عن هؤلاء الباسلات اللاتي وضعن أمام نصب أعيُنهن العطاء فقط دون انتظار أي مقابل، ولنُشير إلى "ملائكة الرحمة"، أصحاب المواقف البطولية في العُسرات، الممرضات اللاتي تحملن فوق طاقتهن، وبذل كل ما في وسعهُن لمُحاربة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 ،تاركين راحتهن، ومُقلعين عن حياتهن الطبيعية من أجل خدمة وإنقاذ حياة الغير. وفي ظل المخاطر والتحديات التي نتجت بعد تفشي فيروس كورونا، تطلُ "ملائكة الرحمة"، في هيئة جنود تقوم بواجبها في الصفوف الأولى لمجابهة هذا الوباء، مُعرضين حياتهن للخطر، تاركين أسرهن، وأولادهن، وأمهاتهن، وآبائهن، ومضحيين بكل ما ملكوا، مقدمين وقتهن وجهدهن المضاعف داخل المستشفيات والحجر الصحي، دون نوم كافي، في سبيل إنقاذ حياة المصابين، وتقليل فرص نقل العدوى، وتقديم كل سبل الراحة والعلاج لهم. "المُقاتلة العنيدة من الطراز الرفيع"، هكذا وصفتها صفحة مستشفى قنا المركزي والمُخصصة لعزل مرضى فيروس كورونا، على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعد أن وجهت لها الشكر عن ما بذلته به من جهود كبيرة، إنها "آية صبري"، تلك المرأة الشُجاعة التي قدمت نموذج مشرف ومثال يُحتذى به لطاقم التمريض في كل مكان، فضلًا عن ما قامت به من أجل خدمة المُصابين. ترتدي بدلتها الوقائية لعدة ساعات متواصلة، دون راحة أو كلل أو ملل، وتتحمل ضغط العمل والتوتر الناتج عن خطورة هذا الوباء القاتل الذي يُصيب الجميع ويفتك بهم دون رحمة، وتقف بكل صمود لتأدية دورها داخل العناية المركزة بمستشفى قها للحجر الصحي بمحافظة القليوبية. كانت "صاحبة المهارات المتعددة"، كما لُقبت تتحمل كل الضغوطات بنفس مُطمئنة، وتتعامل مع الظروف المُحيطة بطريقًة أكثر شجاعة، حيثُ أن دورها داخل العناية المركزة بالحجر الصحي، كان يتطلب منها القوة والتدخلات السريعة والخطوات المحسوبة من أجل إنقاذ كل مُصاب يحتاج إلى مساعدتها. "تركت ابنتي الوحيدة دارين ولم أحتفل بعيد ميلادها الثالث"، هكذا فعلت ملاك الرحمة، بعد أن قضت 30 يومًا داخل مستشفى العزل، وفضلت دورها الإنساني في إنقاذ حياة المرضى عن حياتها الشخصية، ورفضت الخروج وظلت في المستشفى لرعاية المُصابين، تاركة إبنتها الصغيرة في رعاية زوجها ووالدتها، من أجل تأدية واجبها التطوعي لخدمة المرضى، وتقديم الدعم النفسي والخدمة الطبية لهم. وعلى ضفة أخرى نجد نفس النموذج المُشرف والذي فقط تفصله المسافات، فكانت "كريمة" إحدى الممرضات بقسم القدم السكري بمستشفى دمياط العام، والتي أُصيبت بعدوى بفيروس كورونا فضلًا عن اختلاطها بأحد المرضى المُصابين، أحد الأمثال التي تصف بسالة الممرضات في كل مكان، تلك المرأة الشُجاعة التي قضت ثمانية أيام بين المعاناة والخوف داخل الحجر الصحي، حيثُ تحولت المُمرضة الباسلة خلال هذه الفترة من ممرضة تقدم الرعاية للمصابين إلى مريضة تقف بين الحياة والموت بسبب مهنتها وتحتاج إلى مساعدة الآخرين. انتقلت "كريمة"، إلى مستشفى الحجر الصحي في العجمي بالإسكندرية، بعد أن أثبتت التحاليل إيجابياتها لفيروس كورونا المستجد كوفيد-19، حيثُ انتقلت إليها عدوى هذا الوباء وظلت هناك ثمانية يومًا حتى قرر خروجها، وغادرت المستشفى بعد أن تماثلت للشفاء بصُحبة زميلاتها من محافظة دمياط، اللاتي تعرضن للإصابة فضلًا عن اختالطهن أيضًا بالمرضى أثناء تقديم الرعاية الصحية لهم. لم تكن كريمة هي الممرضة الأولى التي انتقلت إليها عدوى فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، نتيجة الاختلاط بالمرضى، ولكنها كانت واحدة من ضمن خمس ممرضات أُصيبن بالفيروس داخل مستشفى دمياط العام، اللاتي تحولن بعد ذلك إلى مستشفى العزل بالعجمي ليتلقن العلاج اللازم حتى تم شفائهم. وفي ناحية أخرى كانت الممرضة "حنان إبراهيم"، صاحبة ال 34 عامًا، وأم لأربعة أولاد والتي تعمل بقسم الاستقبال بمستشفى دمياط التخصصي، حيث تعافت من فيروس كورونا، بعد أن اكتشفت إصابتها به بالصدفة، حين تم أخذ عينات عشوائية من طاقم التمريض، وتبين من خلالها إصابة 7 من أصل 50 ممرضة، كانت هي إحداهن. ولم تقتصر الإصابة على حنان فقط، ولكن يشاء القدر أن تنتقل عدوى هذا الفيروس القاتل إلى زوجها، حيثُ إنتقل الزوج والزوجة إلى مستشفيات العزل الصحي، أحدهم في 15 مايو بالقاهرة، والآخر في مستشفى العجمي بمحافظة الإسكندرية. وفي جبهة أخرى أُصيبت وفاء صلاح، المُمرضة بمستشفى حميات إمبابة، حيثُ خضعت للحجر الصحي لمدة 10 أيام، بعد انتقال الفيروس لها نتيجة مخالطتها لأحد المصابين، فضلًا عن حملها الذي أثر على مناعتها وعرضها للإصابة بالفيروس بسهولة كبيرة. وروت "صلاح"، في لقاء سابق لها بعد تعافيها من فيروس كورونا، أنها لم تشعر أن الإصابة بالمرض وصمة عار، وبدورهن كمُمرضات لايقلون أهمية عن الجندي الباسل الذي يقف على الحدود، فضلًا عن دورهم في إستقبال الحالات وتقديم كل سُبل الراحة لهم طوال الوقت في حين عدم وجود أي مرافقين لهم. ظلت الممرضة الباسلة داخل مستشفي العزل بمحافظة الإسماعيلية لمدة 10 أيام، وتلقت الرعاية والعلاج اللازم حتى تحولت حالتها من إيجابية إلى سلبية، حيثُ حفزتها وزيرة الصحة، الدكتورة هالة زايد في هذه الفترة الصعبة من حياتها، وتواصلت معها وطمأنتها قائلًة لها :" انتى فخر الممرضات واحنا وراكى ". ولم تكن هذه القصص الأولى ولا حتى الأخيرة، ولكن كان وما زال هناك العديد من القصص التي لم تحكى بعد، عن أناساً خاطروا بحياتهم لإنقاذ حياة الآخرين دون مقابل، ووقفوا على خط الدفاع الأول نحو هذا الوباء القاتل دون أي تردد في ممارسة رسالتهم الإنسانية، صامدين كنسور في معركة حاملين على كتفهن عاتق المسؤولية، مُرتدين لباس ملائكة الرحمة. وسيظل جيش مصر الأبيض أيقونة يُحتذى بها في جميع المعارك، وتستمر مواقفهم الباسلة صورة مشرفة لهم في كل مكان، مُمرضات مصر حاملوا الأسلحة البيضاء، من أجل حماية بلدهن والدفاع عنها، سالكين كل السبل لمرور تلك الفترة العصيبة لمجابهة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، الوباء الفتاك الذي أرهب العالم وحصد وأصاب الآلاف من الأرواح.