مر ثلاثون عاماً والرئيس السابق حسني مبارك يخدع الشعب المصري ويكذب عليه حتي سقط عرشه فانفضح أمره. لقد أدمن مبارك ونظامه البائد الكذب والخداع حتي صدق نفسه، وتصور واهما ان الشعب راض وقانع ومستكين لن يثور عليه في يوم من الأيام حتي انفجر بركان الغضب الدفين والمكبوت وثار ثورة عارمة اطاحت به وبنظامه الفاسد. كان مبارك يكرر القول بأنه لا يجد من يصلح لتعيينه نائباً له (لاحظ أنه كان يهين بذلك 85 مليون مصري بادعائه أنه لا يجد بينهم من يصلح للمنصب الذي شغله هو يوما مع الرئيس الأسبق أنور السادات) ثم اضطر لتعيين اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات في هذا المنصب الذي ظل شاغراً لمدة 30 عاما وذلك قبيل تنحيه بأيام عندما وجد نفسه محاصراً بثورة شباب التحرير وظهره للحائط متصورا ان هذا التعيين المفاجئ بعد عناد استمر لمدة 30 عاما سيكون كافيا لانقاذ رقبته وبقائه في منصبه.. ولكن شباب الثورة لم تخل عليهم الحيلة وأصروا علي اسقاطه واسقاط النظام وكأنهم يقولون له "فات الميعاد وبقينا بعاد". كان مبارك يرفض بشدة مبدأ الاشراف القضائي علي الانتخابات بحجة ان ذلك يعطل أعمال القضاء لأنه كان يعلم أن القضاء المصري النزيه والشريف لن يقبل عمليات التزوير الممنهجة التي كان يقوم بها زبانية الحزب الحاكم وشياطين وزارة الداخلية والحكم المحلي.. وقد انشكف زيف هذا الادعاء عندما زال حاجز الخوف بعد ثورة الشباب وأعلن رجال القضاء استعدادهم التام للإشراف النزيه علي أي انتخابات تجري من أجل ضمان ان يكون صوت الناخبين معبرا عن ارادتهم وليس عن ارادة الحاكم بأمره..! كان مبارك يكرر في خطابه للداخل والخارج علي السواء أنه يمثل خط الدفاع الأول ضد الارهاب والتطرف لكن الايام أثبتت ان رجاله هم الارهابيون والمتطرفون في محاربتهم للشعب وسرقة لقمة عيشه وفي ترهيب المواطنين وارهابهم بوسائل تعذيب رجال جهاز أمن الدولة الذي كانت مهمته هي حماية أمن مبارك وابنه وعائلته وليس حماية أمن الدولة. كل مبارك يكرر الادعاء بأنه ضد الفساد ويعمل علي محاربته.. ولكن لعلنا نتذكر ما سبق وأن كرره زكريا عزمي رئيس ديوانه عدة مرات أمام مجلس الشعب من أن الفساد في المحليات قد وصل "للركب".. وإذا اعتبرنا ان رئيس الديوان الذي كان بحكم منصبه هو أقرب المقربين إليه كانت نيته صادقة عندما كرر ذلك القول فماذا فعل هو من أجل محاربة هذا الفساد.. ألم يخبر الرئيس السابق بما كان يقوله وماذا كان رد فعله..؟ واقع الأمر ان القول كان مجرد كلام مرسل في اطار مسرحية كانت تهدف الي اللعب بمشاعر المواطن المغلوب علي أمره بادعاء محاربة الفساد، بينما كان الواقع هو عكس ذلك تماما حيث كان النظام يحمي الفاسدين وديناصورات الفساد. إذا كان رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق يؤمن فعلاً بمحاربة الفساد كما كان يحاول الايحاء بذلك فلماذا قام بحماية صديقه ممدوح اسماعيل عضو مجلس الشوري وعضو الحزب الحاكم صاحب عبارة الموت "السلام" التي غرقت في عرض البحر الأحمر وراح ضحيتها 1032 غريقا وساعده علي الهرب الي لندن..؟ وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال: ما سبب عدم اقدام مصر علي ابرام اتفاقية لتبادل المجرمين مع بريطانيا بالذات مع أن لها اتفاقات مماثلة مع العديد من دول العالم المترامي الأطراف..؟ والرد عن هذا السؤال ببساطة يكمن في جواب سؤال آخر هو لماذا كان هروب كل الفاسدين من رجال مبارك وحزبه الحاكم دائما الي لندن بالذات دون غيرها من عواصم العالم! كما أن مبارك ظل يبرر إلغاء نظام الضرائب التصاعدية المتبع في كل دول العالم وتطبيق مبدأ الضريبة الموحدة بنسبة 20٪ بأنه من أجل تشجيع الاستثمارات في مصر لتوفير فرص عمل للعاطلين.. غير ان الايام اثبتت زيف هذا الادعاء فقد كان الهدف الفعلي هو تسهيل مهمة الديناصورات من رجال الاعمال الموالين للسلطة لجمع ثروات تقدر اليوم بالمليارات بينما ظل العاطلون يراوحون مكانهم يعانون البطالة لسنوات طوال الامر الذي دفع كثيراً من الشباب اليائس والبائس الي الاقدام علي مغامرات الهجرة غير الشرعية والموت غرقا في عرض البحر علي أمل الحصول علي فرصة عمل عز عليهم وجودها في بلدهم الذي فضل حاكمه مصالح الاغنياء علي مصلحة الفقراء والمعدمين فكانت النتيجة ما نراه اليوم حيث ازداد الأثرياء من المحاسيب والأزلام والانصار غني بينما أزداد الفقراء فقرا علي فقر..! وقديما قيل الكذب خيبة.. وهي كلمة حق سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.