عنوان مقالي هذا قد يثيرك عزيزي القارئ وقد يسارع البعض باتهامي قبل ان يقرأ المقال بأنني مع الثورة المضادة لثورة شباب مصر الواعد التي غيرت وجه مصر وأعادت لها عزتها وكرامتها. ولعلني أبادر بتوضيح السبب في توجيه الشكر للرئيس السابق الذي عمل دون أن يدري علي تجميع شعب مصر حول كراهيته وكراهية نظامه. لقد توهم أنه تملك مصر وأنه أصبح قدرها ومصيرها ومبعوث العناية الإلهية لها فراح يتصرف علي أساس أنها عزبة خاصة له ولأسرته من بعده يتصرف فيها كيفما شاء ضارباً عرض الحائط بكل أصوات المعارضة له ولنظام حكمه. ونسي حسني مبارك أن القاعدة التي تؤمن بها كل الأديان السماوية تقول إن لكل بداية نهاية فظن أنه مخلد في هذه الدنيا فوق عرش مصر وراح يتصرف وكأنه ملك لمصر المحروسة وليس رئيسا لجمهوريتها. لعلنا نتذكر النكتة التي ترددت في مصر منذ سنوات طوال وتقول إن شخصا أهدي مبارك سلحفاة وقال له إنها تعيش 400 سنة فأجابه قائلا: طيب أدينا قاعدين لحد ما نشوف..! ورغم أن ملك الموت اقترب منه منذ سنوات واختطف حفيده الذي كان في عمر الزهور إلا أنه لم يتعظ وتصور أنه محصن ضد الموت، وبالتالي ضد أي مكروه، لقد ظل يتصرف وكأنه باق للأبد لن يموت فلم يبال بمشاعر الناس وكراهيتهم لنظامه وظل يتحدي المطالب الملحة بمحاربة الفساد وإقصاء الفاسدين من رجاله المخلصين. كيف استطاع مبارك أن يجعل المصريين يجمعون علي كراهيته.. لقد ظل يردد شعارات جوفاء متصورا أنه يضحك علي مواطنيه بترديده عبارات "دولة القانون" و"دولة المؤسسات" و"رعاية الفقراء ومحدودي الدخل". كان يردد عبارة دولة القانون بينما كان يعطل القوانين ولا يطبقها سوي علي هواه لحسابه وحساب المستفيدين من حاشيته ومريديه.. وكان يردد عبارة دولة المؤسسات في الوقت الذي كانت فيه كل المؤسسات معطلة بالنسبة لعامة الشعب ولا تعمل إلا لحساب عائلته وحفنة من رجال الأعمال الذين سمح لهم بعقد قران المال بالسلطة فساد الفساد وعم البلاد وأصبحت رائحته تزكم أنوف الجميع بينما هو أسير نرجسيته لا يفهم ولا يري ولا يسمع. لقد سيطرت عليه عقدة ال "أنا" ففقد حاستي السمع والبصر ولم يعد يري أو يسمع سوي صدي صوته الذي يردده جماعة المنافقين المنتفعين من حوله. أما تشدقه بالقول أن هاجسه وهمه الأول هو رعاية الفقراء ومحدودي الدخل فلم يكن سوي قول مرسل تصور واهما أنه يداعب به أحاسيس ومشاعر غالبية الشعب من المقهورين مهدودي ومعدومي الدخل الذين يعيشون في المقابر والعشوائيات والذين ينامون علي أرصفة الشوارع وتحت الكباري، بينما يعيش هو وعائلته ومريدوه في بذخ وسفه غير محدود دون أن يشعر بأنه بذلك يتحدي مشاعر الشعب الذي ظن أنه مغيب غائب عن الوعي. لقد كان الفساد واضحاً ولكن أحداً لم يكن يتصور أن حجمه ضخم مهول بهذا الشكل الصارخ وكأن غطاء "الباكابورت" "بالوعة المجاري" انفتح فجأة وفاحت منه رائحة عفن الفساد النفاذة والكريهة. وحسني مبارك الرئيس المخلوع بإرادة الشعب والجيش سبق أن دخل التاريخ كأحد أبطال حرب اكتوبر المجيدة عام 1973 ولكن التاريخ سيسجل أنه خرج في عام 2011 بفضيحة تزعمه لأكبر مافيا فساد وعصابة طغيان عرفهما تاريخ مصر القديم والمعاصر. كان بإمكانه أن يخرج معززا مكرماً كرئيس سابق لو كان قد اكتفي بمدتين رئاسيتين غير أنه طمع.. والمثل يقول "الطمع يقل ما جمع".. طمع في المزيد فخرج مخلوعاً يجر أذيال الخيبة والخزي والعار. وكما كانت الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي الشرارة التي عجلت بثورة شباب مصر ضد مبارك ونظام حكمه فقد كانت كلمات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي نبراسا لكل الثوار حيث قال: اذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر. لقد ركب رأسه وتمسك بمنصبه رافضاً فكرة خروجه من السلطة خرواً آمنا لأنه توحد معها ولم يكن يتصور أن يوماً سيأتي يتم فيه الفصل بينه وبين كرسي رئاسة نظامه الذي نخر سوس الفساد عظامه. وبدلاً من أن يخرج آمنا أعماه عنده فبقي متشبثا بالسلطة التي انهارت أمام ثورة شباب التحرير حتي انهارت قواه فسقط في شر أعماله ليلقي حسابه العسير مع شعبه الذي تصور واهما أنه لن يثور عليه ويحاسبه في يوم من الأيام.