تستند مصر في الدفاع عن موقفها من مياه النيل، إلي عدد من الحقوق التاريخية يعود بعضها إلي القرن 19 ثم إلي النصف الأول من القرن العشرين، من ذلك مثلاً اتفاقية وقعتها بريطانيا التي كانت تحتل مصر وايطاليا التي كانت تخطط للقفز علي شرق إفريقيا، وقد وقعت هذه الاتفاقية عام 1891 لتقسيم مناطق النفوذ بينهما، كما انها كانت تنص علي عدم القيام بأي مشروعات علي نهر عطبرة يمكن ان يؤثر سلباً علي تدفق النهر الذي يصب في نهر النيل.. ثم معاهدة بين بريطانيا واثيوبيا ويتعهد فيها «عام 1903» الملك منليك الثاني بألا يسمح بانشاء اي عمل علي النيل الازرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنه التأثير سلبا علي تدفق النهر إلا بالاتفاق مع حكومة السودان «المصري - البريطاني» ثم اتفاقية 1906 بين بريطانيا وحكومة الكونغو تتعهد فيه الكونغو بعدم إقامة اي مشروعات علي نهر سمليكي الذي تصب مياهه في بحيرة ألبرت إلا بالتعاون مع حكومة السودان المصري - الانجليزي ودخلت اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا «ممثلة للسودان» وكينيا وتنزانيا وأوغندا الا تقام أي مشروعات علي النهر الا بموافقة مصر، بل تنص ايضا علي حق مصر في الرقابة علي مجري النهر وعلي تنفيذ المشروعات عليه ونفس الشيء بين بريطانيا وبلجيكا عام 1934 ممثلة لكل من رواندا وبروندي بشأن نهر كاجيرا الذي ينبع من أراضيهما ويدخلان ذلك ضمن دول حوض النيل، وهو النهر الذي يصب في بحيرة فيكتوريا وكذلك الاتصالات بين بريطانيا حول خزان أوين عامي 1952 و1953.. وأخيراً تجيء اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان وهي التي تحدد حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر والسودان 18.5 مليار وهذه الاتفاقيات أشار إليها الدكتور محمد نصر الدين علام في كتابه الرائع عن اتفاقية عنتيبي والسدود الاثيوبية.. وهي نفس الاتفاقيات التي ترفضها دول المنابع بحجة انها تمت أيام الاستعمار ولم يكن لهذه الدول حق الاعتراض ولذلك في عام 1959 قدمت اثيوبيا احتجاجاً للأمم المتحدة علي اتفاقية 1959 هذه.. وكل هذه الدول - وفي مقدمتها اثيوبيا تنادي بعدم الاعتراف بكل هذه الاتفاقيات.. ويقول المؤلف متسائلاً: هل قبلت مصر الدخول في مفاوضات الاتفاقية الإطارية لاحياء الاتفاقيات القائمة مع دول الحوض علي أمل تجديد الاعتراض بحقوق مصر المائية، وللتعاون مع دول الحوض لزيادة إيراد النهر لصالح جميع دوله.. وهل حصلت مصر علي ضمانات بذلك.. ولكن المؤلف الذي كان وزيراً مسئولاً عن مياه النيل قال صراحة إنه لا يستطيع الاجابة عن هذه التساؤلات بحجة أنه لم يكن وزيراً أيام بداية هذه الاتصالات، لأنه عين وزيراً في مارس 2009 بينما هذه المفاوضات بدأت عام 1997!! هنا يثير المؤلف قضية خطيرة هي التعتيم الذي لازم كل هذه المراحل، فيقول اذا كان السودان قد نشرت في مجلة سودانية محاضر اجتماعات لجنة التفاوض المكونة من كل دولة من دول الحوض، وكذلك محاضر اجتماعات مجلس وزراء مياه الحوض عام 2007 في اوغندا فإن مصر كانت تفرض تعتيماً رهيباً علي هذا الموضوع فهل هو أمن قومي مصر وليس كذلك مع السودان!! ثم يعرض المؤلف بإيجاز مسار مفاوضات هذه الاتفاقية الاطارية التي صارت حديث كل المصريين.. دون أن يعرفوا تفاصيلها .. وأنصح كل مهتم بالقضية ان يعود إلي الفصل الثاني من هذا الكتاب عن هذه الاتفاقيات وعن الاتفاقية الإطارية فهو فصل يستحق أن يقرأه كل مصري بالتفصيل، خصوصاً أنها - في بند الأمن المائي فيها - تنص علي حق جميع دول حوض النيل في تحقيق أمنها المائي.. وهو ما اعترضت عليه مصر والسودان معاً.. وقدمت مصر اقتراحا للمادة «بعدم التأثير سلباً علي الاستخدامات الحالية والحقوق، وكذلك الأمن المائي لأي دولة من دول الحوض» وهنا قرر مجلس وزراء مياه دول الحوض في اجتماع عنتيبي في يونيه 2007 ان التفاوض اصبح لا يجدي حول هذا البند وتم رفعه إلي رؤساء الدول لحل هذا الخلاف.. خصوصاً أن دول المنابع تعترض أصلاً علي استخدام كلمة «الحقوق». ونصل إلي النقطة الثانية الاخطر في هذه العلاقات.. تلك هي المشروعات التي تخطط اثيويبا لإقامتها وعددها 33 مشروعا علي النيل الازرق وروافده سواء لمشروعات استصلاح الاراضي في حدود مليون فدان، وهذه تحتاج لحوالي 5 مليارات متر مكعب سنوياً.. منها 4 سدود كبيرة بسعة تخزين حوالي 70 مليار متر مكعب واجمالي طاقة كهرباء 5500 ميجاوات وهي مشروعات لتحويل اثيوبيا من ضمن اشد دول العالم فقراً إلي هذا البرنامج الطموح وهذه السدود هي: كارادوبي، بيكو أبو، مندايا، بوردر بسعة إجمالية 140 ملياراً، والمهم هنا أن نعرف ان اثيوبيا جادة بالفعل في تنفيذ هذه السدود الكبيرة ويتراوح ارتفاعها ما بين 90 متراً لسد بوردر إلي 285 متراً لسد بيكو أبو.. وبما يزيد علي ارتفاع مبني من 95 طابقاً.. وحددت اثيوبيا هذه المشروعات بعد تطويرها أما سد بوردر فأطلقت عليه اثيوبيا اسم سد النهضة، وتصل سعته إلي 60 ملياراً وارتفاع 150 متراً مع 5000 ميجاوات من الكهرباء.. مما يضاعف من آثاره السلبية علي مصر والسودان معاً.. ومرة أخري هذا الكتاب يكشف ما حاولت قوي عديدة اخفاءه طوال السنوات العديدة الماضية، خصوصاً الفصل الحادي عشر الذي يشرح بالتفصيل حكاية هذه السدود الاثيوبية.. ولا يسعني هنا إلا أن أطالب مصر «الجديدة» بطبع هذا الكتاب طبعة شعبية وبسعر زهيد ليقرأه كل مصري يخاف علي حاضر مصر ومستقبلها، والشكر للمؤلف الوزير السابق الدكتور محمد نصر الدين علام علي ما قدم وهو عمل طيب وعظيم.