من المؤكد أن المجتمع السياسي المصري المدني والديمقراطي الراهن يحاول التنامي وسط مقاومة شرسة من أطياف وأيديولوجيات دينية (ما بين وسطية وفاشية بكافة أنواعها). وبعيدا عن تأجيل عدد من قوى الإسلام السياسى مظاهرة «مليونية تطبيق الشريعة»، وسط إقرار أن التظاهر حق لكل تيار سياسى طالما اتسم بالسلمية واحترام القانون إلا أن الامر يعدو ذلك ويتجاوزه، ويشير إلى ما يمكن اعتباره تربصاً من قوى الإسلام السياسى بمدنية الدولة المصرية، ذلك أنه رغم أن هناك إجماعاً من كافة القوى السياسية على المادة الثانية الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية.. إلا أن القوى الماضوية مازالت تمثل عقبة للوصول إلى الدولة العصرية. ورغم حالات التعافي التي تميز الحياة السياسية الآن -بعد ثورة 25 يناير- ورغم محاولات الخروج من غرف الإنعاش التي استمرت طويلاً، وأصابت أحزاباً سياسية عريقة ومنضبطة وحركات ثورية ووطنية مدنية وضحت بأجيال وأجيال من أجل لحظات الانفراج هذه، إلا أنه ما زالت هناك متاريس أيديولوجية تحول دون ذلك النهوض والتعافي.. متاريس تغذيها أسوار الفاشية الدينية.. والآن بعد كل أنواع النضال من أجل المدنية والعصرية تجىء شعبية الأيديولوجية التي تمزج الخطاب الديمقراطي مع جرعة كبيرة من الفاشية والنزعة التقليدية لدى طوائف حلقات الذكر من التيارات الدينية المختلفة وأحبائهم وتحالفاتهم، وهي ليست إلا نتاجاً لتلاعب نوع من الساسة المهرة ولمرونة البسطاء من الناس ذوي القناعات الجاهزة.. وتكمن القوة الأيديولوجية لهذه الطوائف في أسلوب انعكاس وإعادة تفسير الواقع بحيث يمكن للفرد العادي وعلى نحو نموذجي أن يجد نفسه قادراً على التأثير في هذا الواقع الصعب طبقاً لشعارات دينية فضفاضة.. هل نتذكر مقولة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حينما قال «أيها الإخوان انكم روح جديدة تسري في هذه الأمة تحييه بالقرآن.. وسيظل شعار «الإسلام هو الحل» شعارنا». من الملاحظ الآن بما لا يدع مجالا للشك أن تجذر ظواهر انقسامية في المجتمع ساعد ويساعد على تأجيجها رجالات وجماعات يتشدقون بالدين متجاوزين المبدأ الهام من مبادئ إرساء العقل في الحضارات المدنية والدول العصرية ألا وهو مبدأ المواطنة، ومتجاوزين عن عمد أنه بالفعل (الدين لله والوطن للجميع).. لقد تشابكت دور العبادة مع الجهل السياسي لتفرغ مهامها الأساسية من بث قيم الأخلاق والتسامح إلى الحث على الفتنة والتآمر والبلطجة. والا ما معنى جمعة أو مليونية تطبيق الشريعة.. هل مصر دولة كافرة.. هل مصر دولة مارقة.. هل مصر دولة غير إسلامية.. والسؤال: ما المطلوب؟ المطلوب.. تعزيز الجهات المعنية والمؤسسات الضرورية لإنجاح العملية الديمقراطية «الأحزاب السياسية الشرعية، النظام القانوني والقضائي، المجتمع المدني السياسي المنضبط بلا شعارات دينية على الإطلاق» فلا ديمقراطية دون رأسمال اجتماعي، أي مجموعة علاقات ثقة بين انصار المجتمع الواحد تجعلهم يتفانون لمصلحة العمل والوطن بدلاً من البقاء سجناء النزعة الدينية والطائفية الخاصة التي تقضي بالتضحية بكل شىء لأجل مصالح الطائفة، فتنمية دور العقل هو المحرك للتقدم، فالفرق بين الأمم الحديثة والأخرى المتخلفة هو تحرير العقل من قيود التقليد والتحفيز الذي يعزز عملية الإبداع والابتكار ويفعل من قيم الحضارات الراقية كالتسامح والتعايش في يسر وتفاعل والتبرؤ من الانفعالات الساذجة والتحيزات العقائدية الجامدة.. ولتدافع كافة القوى السياسية المدنية والمؤسسات الفكرية التنويرية عن وحدة الوطن من مغب الخطابات الانقسامية التي تشطره.. على أيدى رافعى الشعارات الدينية وحملة المشاعل الظلمة والتكفير ولنشاهد جمعة تطبيق الشريعة الإسلامية.. رسالة إلى جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من السلفيين والذين يمثلون تيار الإسلام السياسى الذى يحكم مصر الآن منذ ما يقرب من أربعة شهور... كنت شديد التشاؤم عندما فاز مرشحو جماعة الإخوان بالرئاسة... وكنت على يقين تام بأن محاولات أخونة وأسلمة مصر باتت قريبة جدا ودخلت مع العديد من الزملاء فى صدامات عنيفة لأنهم كانوا ينتمون إلى مدرسة «خليهم يجربوا» وكنت أرفض هذا المنطق.. لأن مصر ليست «ماتش سكواش».. ولكن يجب الآن رد الاعتبار لمنطقهم ورؤيتهم.. فكم الأخطاء التى ترتكب طوال هذه الفترة ورفض جموع المصريين لأخونة وطنهم أثبت أن تجربة الإخوان فى الحكم لن تطول لأن كرات اللهب أعمق وأكبر... وللحديث بقية.