الشعب وقف مع جيشه حتى تحقق النصر العظيم.. والدبلوماسية المصرية كان لها الدور الكبير تحل علينا هذه الأيام ذكرى يعتز بها كل مصرى، لا سيما رجال القوات المسلحة، هى ذكرى تحرير سيناء. ففى مثل هذه الأيام من عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، وبالتحديد فى الخامس والعشرين من أبريل، تم رفع العلم المصرى على كامل التراب الوطنى لأرض سيناء باستثناء مساحة صغيرة للغاية فى منطقة طابا جرى إجراء تحكيم دولى عليها، عادت بعدها أيضًا إلى أحضان الوطن بعد أن حققت مصر نصرا دبلوماسيا عزيزا على العدو فى المحكمة الدولية، يقول العميد محمد عبدالقادر، أحد صانعى نصر أكتوبر 73، وقائد سرية مدفعية ميدان فى السادس من اكتوبر 1973، تأتى أهمية الاحتفال بهذه الذكرى العزيزة، من أهمية الحدث الأكبر والذى أوصلنا إليها ألا وهو نصر أكتوبر العظيم. فلولا ذلك النصر ولولا هذا الجيش الباسل الذى خاض حربا ضروسا هى بجميع المقاييس غير متكافئة من حيث العتاد والسلاح والتكنولوجيا المتحكمة بهما وقبل ذلك توفيق رب العالمين، لما توصلنا إلى تحرير تلك الأرض والتى هى عرض كل مصرى. ولنا هنا أن نعود بالذاكرة إلى السادس من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين وما قبله ونستعرض الظروف التى أدت إلى تلك الحرب، وصولاً إلى معاهدة السلام والتى من خلالها تم إجراء الانسحابات المتتالية لقوات العدو الإسرائيلى إلى خطوط نصت عليها الاتفاقيات، وانتهى بها المطاف إلى خطوط الحدود الدولية. والبداية هنا عقب نكسة يونيو سبعة وستين، حيث كانت إسرائيل فى أوج مجدها والروح المعنوية لدى الجندى الإسرائيلى مرتفعة، إذا بوحدة فرعية صغيرة من قوات الصاعقة بأسلحتها الصغيرة بعد أيام قلائل من انتهاء الحرب متمركزة فى منطقة رأس العش تتمكن من تدمير رتل مدرعات إسرائيلية كانت قد عقدت العزم على الوصول إلى مدينة بورفؤاد لتكمل احتلال كامل سيناء. الأمر الذى أفقدهم توازنهم، ولما حاولوا تكرار المحاولة نالوا من الخسائر ما نالوا وبقيت بورفؤاد حرة وصارت قوة الصاعقة رمزا ملهما محطما لمعنويات الجيش الإسرائيلى. ولما حاول العدو بعدها بأيام قلائل تكرار التجربة بمحاولة اقتحام المياه الإقليمية فى شمال بورسعيد بأقوى وأكبر قطعة بحرية إسرائيلية، تم استهدافها بصواريخ سطح - سطح، من قوارب البحرية, الأمر الذى أعطى مؤشرا برفض المصريين للهزيمة واستعدادهم للقتال مرة أخرى. دعم ذلك خروج المصريين رافضين تنحى الرئيس جمال عبدالناصر، معلنين بهتافاتهم المدوية هنحارب.. هنحارب، وأنهم وإن كانوا قد هزموا فى معركة، فإنهم لم يخسروا الحرب. ثم كانت ملحمة الشعب فى الوقوف خلف جيشه خلال إعادة بنائه، وتسابق فئات الشعب إلى تقديم العون والدعم والمساعدة للجيش إيماناً منهم. إنها معركة مصر وليست معركة الجيش وحده. هذا التلاحم والتعاضد كان له أكبر الأثر فى رفع معنويات القوات المسلحة المصرية من جديد، إلى جانب إعادة التسليح، وتشكيل قيادات جديدة ذات مفاهيم حديثة. وإدخال أسلحة حديثة ووسائل تدريب حديثة ودراسة تكتيكات حديثة، كل ذلك كان له أكبر الأثر فى تشكيل الوعى العسكرى للضابط والجندى وتأهيله لما هو آت. على الجانب الآخر، انتشى العدو الصهيونى بنصره الذى حققه، وخط بارليف الذى بناه، وارتكن إلى نظرية الجيش الذى لا يُقهر، وأيقن أنه لن تقوم للجيش المصرى قائمة مرة أخرى،ويضيف عبدالقادر، فى السادس من اكتوبر كان، الذى لم يتوقعه أقرب المقربين من الجيش الإسرائيلى، ولم تتبينه أعتى أجهزة المخابرات العالمية، بفضل خطة الخداع والتمويه والتى أرى أنها تمثل نصف أسباب النصر، إن صح التعبير. وخلال أيام قلائل حققت القوات المسلحة المصرية هدفها من الهجوم. وجدير بالذكر أن هدف الهجوم لم يكن الوصول إلى تل أبيب أو القدس، فقد كان الجيش المصرى يدرى تماماً قدرات أسلحته فى مقابل الأسلحة الأمريكية الحديثة والتى كانت تصل إسرائيل على أرض سيناء خلال المعركة. ولكن كان الهدف الأساسى الاستيلاء على أرض شرق القناة بعمق معين، يتيح للقيادة السياسية أن تفتح قناة السويس، وأن تتفاوض على باقى الأرض من مركز قوة. وهو ما حدث. وكما توقع الداهية «الرئيس الراحل أنور السادات بطل الحرب والسلام» فقد سعت إسرائيل إلى التفاوض مع اول إشارة منه عندما زار القدس فى خطوة شجاعة أفقدت العالم كله التوازن، ودفعت بالإسرائيليين إلى قبول التفاوض على الفور واغتنام الفرصة التى وجدوا أنها ربما لا تأتيهم ثانية. وقد لا ننسى قول جولدا مائير إن الرئيس السادات قد ضحك عليهم فأخذ منهم الأرض مقابل قطعة من الورق (فى إشارة إلى معاهدة السلام). أعقب ذلك إجراء اتفاقيات فض الاشتباك والانسحاب إلى خطوط داخل سيناء على مراحل، انتهت بالوصول إلى الحدود الدولية. رحم الله الرئيس أنور السادات الذى قاد البلاد مرتين أولاهما للنصر العسكرى، وثانيهما للنصر الدبلوماسى. كل عام وأنتم بخير جيش مصر العظيم، ودبلوماسى مصر الشرفاء وشعب مصر الذى ساندهما بكل قوة. ولتكن تلك دروسًا للأجيال الأحدث والتى لم تعاصر تلك الملاحم، فالتاريخ يجب أن تتوارثه الأجيال، لا سيما لو كان ناصعاً.