يبدو ان العرب قادمون الى السينما العالمية بأعمال ذات مستوى فنى وتقنى جيد، يقدمه شباب عربى يفرض نفسه بإمكانياته الفنية والمادية, وإذا كان هذا يسعدنى كعربية ولكنه يترك فى نفسى قدرًا من الألم على السينما المصرية التى تكتفى فقط بالتواجد فى المهرجانات، رغم تاريخنا السينمائى العريق, ومؤخرا عرض فى مهرجان أبوظبى فيلم الافتتاح «مراجحة» للسعودى محمد التركي، والذى قدم من قبل فيلم «بأي ثمن» في مهرجان «كان» السينمائي الدولي ,والمراجحة هى نوع من التداول الخالي من المخاطر، حيث يتم شراء وبيع نفس الأداة في سوقين مختلفين في نفس الوقت للحصول على النقد من الفرق بين هذين السوقين. ويبدو أن محمّد التركيّ، منتج الأفلام في هوليوود يسعى لتغيير صورة العرب في الغرب، خاصّة السعوديّين، ومن اجل ذلك لجأ الى نجوم بصقل رتشارد جير ليؤدي دور البطولة مع (سوزان ساراندون) ومن المعروف انهما التقيا فنيا أكثر من مرة ولعل أكثرها شهرة فيلم (Shall We Dance). والفيلم سبق عرضه فى الدورة الستين لمهرجان سان سيباستيان. وبدأ المخرج نيكولاس جاريكي كتابة السيناريو له في العام 2008-2009 عند الانهيار الداخلي للاقتصاد الوطني الأمريكي، ويقال إن الشخصية التي يؤديها ريتشارد جير مستوحاة من جون بولسون الذي جمع ثورته الطائلة بفضل الرهون العقارية. ومع ذلك ركز الفيلم على العلاقات الإنسانية أكثر من المالية. والفيلم ينتمى الى نوعية الافلام التى تقترب من فساد المؤسسات المالية المؤثرة في الأزمة المالية الأمريكية سنة 2008 مثل «نداء هامشي» Marginal Call و«رجال الشركة» The Company Menو Inside Job LiMiTED) )وفيلم Boiler room, للنجم «فان ديزل» وقام فيه بدور أحد المضاربين داخل إحدى شركات الاستثمار التي تهتم بجذب المواطنين من أجل شراء أسهم البورصة، وسلط الفيلم الضوء على الهشاشة الأخلاقية التي تستشري بين المضاربين الذين يهمهم تحقيق الثروة ولو على حساب المواطنين، حيث يدفعهم الجشع إلى ارتكاب أي شيء من أجل الأموال وفيلم Too big to fail الذى يروي كواليس الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى إغلاق بنك «ليمان برازرس»، والمناقشات السرية لرجال «وول ستريت» ومحاولتهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، الفيلم بطولة النجمين «جيمس وودز» و«جون هيرد». وأن ريتشارد جير يوجعك ويمتعك فى ذات الوقت بشخصية روبرت ميلر الساحرة، وما بين التترات والنهاية طرح المخرج بعدًا إنسانيًا لشخصية ميلر من خلال لقاء تليفزيونى معه فى ليلة عيد ميلاده أعطى المشاهد سببا للتعاطف معه فهو ابن بحار يعمل فى اللحام وامه عملت بجمعية قدامى الحرب وعاشا فترة الكساد الاقتصادى .رجل يؤمن بأن المنافسة فى عالم البيزنس هى القدر المحدد من الدولارات على عكس رأى زوجته التى ترى أن الثقة تساوى عقدًا, وهذه الشخصية هى نموذج للمراوغات السيكولوجية لأنه صاحب صندوق استثمار يخفي الخسائر المسجلة لاستثمارات سيئة، في محاولة لبيع شركته. ويخون زوجته فى علاقة سرية مع شابة فرنسية,ومع هذا فهو انسان عطوف ومحب لاحفاده والمحيطين، يبذل مجهودا فوق الطاقة لارضاء الجميع , لذلك نحن لسنا أمام دور الشرير تماماً، ولكنه الإنسان بكل ما فيه من تناقضات , محاولا النجاة من السقوط وإنقاذ مؤسسته, ولكن يظهر بعدا آخر يضاف الى مشاكله ففي إحدى الليالي يقود روبرت سيارته وبجانبه عشيقته,وينام من الارهاق لثوانٍ فتنقلب السيارة وتموت العشيقة ويستجمع المخرج كل لحظات الحزن والالم . فيصرخ هلعاً. عليها ثم يعود سريعا الى شخصيته ويخرج من السيارة التي أخذت تحترق ويجرى اتصالا هاتفيا من تليفون عمومي بشاب يطلب منه الحضور اليه من طريق لا ترصده كاميرات الطرق السريعة. الشاب يفعل ذلك ويقف بجانبه ليقدم لنا المخرج نموذجًا لشخصيات مختلفة .فهذا الشاب يحاول رد الجميل لروبرت لانه وقف الى جوار والده فى مرضه، بينما المحقق براير (تيم روث) يحاول النيل منه بتهمة التسبب في مقتل جولي لكره لتلك الطبقة. حتى ولو دفعه ذلك لتزوير برهان يدينه.. فى المقابل هناك شخصية ابنته (برت مارلينج) التى ترفض اسلوب ابيها,وهناك زوجته (سوزان ساراندون) التي تعرف وتصمت من اجل الاسرة . تلك الخيوط المتشابكة تعامل معها المخرج باقتدار وفي سياق شيّق. ومتلاحق لنصل الى النهاية بمقايضة من زوجته تنتقم فيها لنفسها بأسلوب انسانى وراقٍ فمقابل عدم إفشاء سرّه يتنازل لها ولابنتهما عن أمواله ومؤسساته. الى الجمعيات الخيرية لينجو من كل أفعاله متجاهلا الموقف الأخلاقي ولكنه اسعد المشاهد المتعاطف مع الشخصية، الى جانب أن هذا هو الواقع الذى نعيشه الآن.