جاء 2019 ليشهد بدء تراجع فى أسعار السلع الاستهلاكية، خاصة خلال الأشهر الأخيرة منه، ولكن الكثيرين ينتظرون المزيد من التخفيضات فى 2020. ويبدو أن ذلك قد يتحقق بالفعل نتيجة المبادرات الحكومية التى أطلقت مؤخرا لدعم وتمويل الصناعة المحلية لزيادة الإنتاج والتصدير، حيث إنه من المتوقع أن تشهد أسعار السلع فى مختلف المحافظات تراجعا يتراوح بين 20 و50%. وكان البنك المركزى أطلق مبادرتين لدعم الصناعة المحلية والمصانع المتعثرة بقيمة 100 مليار جنيه، على أن يبلغ سعر الفائدة على القروض الجديدة 10% متناقصة أى يتم حسابها على الرصيد القائم من القرض. وتخدم مبادرة دعم الصناعة قرابة 96 ألف منشأة، والأولوية للصناعات التصديرية والبديلة للواردات، وفقا لتصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزى. 2600 منشأة صناعية تعلن تخفيض أسعار منتجاتها بين 20% و50% خلال العام الجديد ويهدف المركزى من المبادرة إلى تقليل الواردات ودعم التصدير وتعزيز نمو القطاع الصناعى، حيث إن ضخ القيمة الكاملة للمبادرة سيرفع مساهمة الصناعة فى نمو الناتج المحلى من 16.5% حاليا لنحو 24.5%، كما يدفع القطاع لتحقيق معدل نمو بنسبة 7.5% بدلا من 5.2% حاليا. أما مبادرة المصانع المتعثرة، فقد أطلقت لمساعدة ما يزيد على 5 آلاف مصنع فى العودة للعمل، بإسقاط فوائد ديون حجمها 31 مليار جنيه. وعقب إطلاق هذه المبادرات توقع القطاع الصناعى والتجارى، هبوط أسعار السلع خلال الفترة المقبلة، لتفضيل شراء المنتج المحلى عن المستورد، حيث أعلن اتحاد الصناعات أن 2600 منشأة صناعية أبدت رغبتها للاشتراك فى المبادرات. ورصد اتحاد الصناعات أن تلك المنشآت أقرت نسب خصم على منتجاتها تتراوح بين 20 و50% من أسعار منتجات تلك الشركات. وقال الاتحاد إنه يجرى حاليا التنسيق بين الحكومة والقطاع الصناعى الخاص للإعداد للمبادرات لتحفيز الاستهلاك وتشجيع المنتج المحلى والتى تصب فى الأساس فى مصلحة القطاع الصناعى من خلال تحفيز الطلب على المنتجات الوطنية، وخاصة من جانب المستهلكين ذوى الدخول المتوسطة من خلال التخفيضات التى ستمنحها الشركات الصناعية المشاركة فى المبادرة والتى يستهدف أن تستمر لمدة 6 أشهر تبدأ فى يناير 2020. وحدد الاتحاد القطاعات المستهدف مشاركتها فى قطاعات الصناعات الهندسية، صناعة الجلود، الصناعات الكيماوية، صناعة الأخشاب والأثاث، صناعة الملابس الجاهزة، صناعة تكنولوجيا المعلومات، الصناعات الحرفية، صناعة مواد البناء، ولا يزال التواصل مع المنشآت الصناعية قائما لتسجيل الشركات الراغبة فى المشاركة. ومن المستهدف أن تتنوع آليات بيع المنتجات بين البيع من خلال المنافذ والسلاسل التجارية والبيع الإلكترونى ومن خلال منافذ البيع التابعة للمصانع، حيث يتم بحث آليات عمل المبادرة بالتشاور بين الحكومة والقطاع الخاص الصناعى والتجارى والقطاع المصرفى وبما يحقق الأهداف المنشودة من المبادرة. وقد كان 2019 عاما مليئا بالمؤشرات الاقتصادية الإيجابية التى تساعد على تهيئة المناخ لزيادة الاستثمار والإنتاج وبالتالى انخفاض الأسعار، حيث شهد سعر الفائدة هذا العام انخفاضا كبيرا مقارنة بالعامين الماضيين وهو ما يساهم فى زيادة اقتراض الشركات وتوسيع استثماراتها، وقرر البنك المركزى تخفيض الفائدة 4 مرات لتصل إلى 12.25% و13.25% للإيداع والاقراض على التوالى مقارنة ب 16.75٪ و17.75٪ فى نهاية ديسمبر 2018. وواصل الجنيه ارتفاعه أمام الدولار، وكسر حاجز ال16 جنيها لأول مرة منذ نوفمبر 2016، حيث سجل سعر 15.98 جنيها، مقارنة ب17.78 جنيها فى نهاية 2018، ومن المتوقع أن يشهد مزيدا من الانخفاض خلال 2020 وفقا لتقارير بنوك استثمار ومحللين اقتصاديين. كما ارتفع الاحتياطى النقدى الأجنبى لمصر لأعلى معدل تاريخيا، حيث بلغ حجم أرصدة الاحتياطى فى نهاية نوفمبر 2019، نحو 45.354 مليار دولار، مقارنة بنحو 42.6 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2018، وانخفض معدل التضخم إلى السنوى خلال نوفمبر 2019 إلى نحو 2.7% مقارنة بما كان عليه فى نوفمبر 2018، حيث سجل وقتها 15.6%. فى هذا السياق، قال خبراء اقتصاديون، إن عدم شعور المصريين بانخفاض الأسعار حتى الآن هو أن معدل الارتفاع فى أسعار السلع بعد تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016 بلغ نحو 250% للسلعة الواحدة، بينما تراجعت الأسعار مؤخرا بمعدل يتراوح بين 10 و 15%، وهى نسبة لا تقارن بنسبة الارتفاع، ولذلك تحتاج الأسعار إلى مزيد من الانخفاضات حتى يشعر المواطنون بتحسن حقيقى. خفض تكاليف الانتاج قال الخبير الاقتصادى، أحمد خزيم، إن عدم إحساس المواطنين بالانخفاض فى الأسعار مؤخرا، يأتى لأن هذا الانخفاض ناتج عن حالة الركود التضخمى بسبب فقدان العملة المصرية قوتها الشرائية بعد التعويم، وليس انخفاضا حقيقيا فى الأسعار. وأضاف خزيم، أن السوق خلال الشهور الماضية كان فى حركة بطيئة، وأصبح التاجر بدلا من أن يبيع 100 وحدة من سلعة ما يبيع 50 فقط، وحتى يصل هذا التاجر إلى بيع ال100 وحدة السابقة، بدأ يتنازل عن جزء من أرباحه ويخفض الأسعار، ولذلك فهذا الانخفاض ليس حقيقيا ولا يشعر به المواطنون. وأوضح الخبير الاقتصادى، أن تراجع المبيعات خلال الفترة الماضية ناتج عن ثبات الأجور مع فقدان العملة قيمتها عقب تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016، ما تسبب فى حالة الركود التضخمى التى نشهدها حاليا. ولفت «خزيم»، إلى أن المواطنين سيشعرون بانخفاض الأسعار عندما يتم خفض تكلفة الإنتاج بخفض أسعار الطاقة للمصانع والمصاريف الأخرى، مع استمرار ارتفاع الجنيه أمام العملات الأجنبية، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن يتم إعادة النظر فى مدخلات الإنتاج وتخفيف الأعباء والرسوم غير المباشرة للمنتجين، مع زيادة الإنتاج الزراعى والصناعى وتقليل نسبة التضخم، و«فى هذه الحالة سيتم انخفاض الأسعار بشكل حقيقى». 4 عوامل قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادى، إن استمرار انخفاض الأسعار فى 2020 وشعور المواطنين بهذا الانخفاض يتوقف على عدة عوامل يجب توافرها. وأوضح «الدمرداش»، أن هذا العوامل تتمثل فى تحسن أداء الاقتصاد الكلى، وزيادة الإيرادات وتوفير المصروفات الحكومية، إضافة إلى زيادة الصادرات وتراجع الواردات، وزيادة الانتاج الصناعى والزراعى، لأن عرض السلع والخدمات سيزيد وبالتالى السعر سينخفض. وأضاف الخبير الاقتصادى، أن من ضمن العوامل أيضا زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية الحقيقية خاصة استثمارات القطاع الخاص، لأن المستثمر الأجنبى لن يأتى لمصر لمشاركة الحكومة وإنما سيشارك القطاع الخاص. وعن سبب عدم إحساس المواطنين بانخفاض الأسعار، قال «الدمرداش»، إن ذلك يأتى لأن الأسعار مازالت مرتفعة بالفعل وأن الانخفاض فى بعض السلع مؤخرا يعتبر طفيفا، حيث إن نسبته تتراوح بين 10 و 15%، وقد جاء بعد ارتفاع 250% فى الأسعار خلال 3 سنوات، ولذلك فإننا لن نشعر بالانخفاض الحقيقى إلا إذا كان كبيرا فعلا. «تفعيل الرقابة والمنافسة» وقال الدكتور على الإدريسى، نائب المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن المشكلة التى تؤثر على السوق المصرى، هى بعض الممارسات الاحتكارية فى عدد من السلع. وأضاف «الإدريسى»، أن هناك بعض العوامل الأخرى التى تؤثر فى أسعار السلع داخل السوق ومنها التغيرات الشديدة فى الأسعار الخاصة بالدولار والعملات الأجنبية والقرارات الاقتصادية المختلفة وخاصة بعد تعويم الجنيه فى 2016. وأوضح نائب المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن المواطن يتخيل دائما أن نتيجة أى قرار اقتصادى تكون فورية، خاصة عند انخفاض أسعار صرف العملات الأجنبية أو انخفاض البنزين وهذا خطأ، لأن هناك دورة إنتاج يلتزم بها المستثمر، ولكن فى حالة ارتفاع أسعار السلع مباشرة عقب ارتفاع سعر العملات الأجنبية أو البنزين فإن ذلك يكون بسبب أن الارتفاع فى هذا الحالة هو التاجر الذى يستغل الموقف لزيادة أرباحه. وأشار «الإدريسى»، إلى أن عملية تخفيض الأسعار تستغرق وقتا تدريجيا وتعتمد على المنافسة فى السوق، وهو ما يغيب عن الاقتصاد المصرى بسبب الممارسات الاحتكارية فى بعض السلع. ولفت إلى أن اعتماد المصانع فى إنتاج الكثير من السلع محليا على استيراد المكونات الأساسية من الخارج، سبب آخر مؤثر فى رفع الأسعار لأنها تستورد بالعملة الصعبة. «ولحل هذه المشكلة بدأت الدولة تتدخل فى هذا الأمر وعدم ترك الأمر كله للقطاع الخاص وتنتج السلع الأساسية وتوزيعها فى الأسواق، من أجل ضبط الأسعار بشكل ما وهو ما نراه فى السلع الغذائية بشكل خاص كاللحوم والدواجن والخضراوات». وحول إمكانية تحديد الدولة هوامش ربح المستثمرين، قال «الإدريسى» إن هوامش الربح لها مجموعة من الضوابط التى تعتمد عليها الدول المتقدمة حسب الصناعة ونوع السلعة التى يقدمها المستثمر للجمهور وغيرها، لكننا فى مصر لا تستطيع الحكومة إجبار المستثمر على تحديد هامش الربح، لأن معظم احتياجاتنا نستوردها من الخارج وهذا الأمر يُصعب موقف الحكومة جدا، لكن عندما تكون معظم احتياجاتنا يتم إنتاجها داخل الدولة سيكون من السهل على الحكومة وضع سياسات تسعير واضحة يلتزم بها الجميع لأنها فى هذه الحالة تعلم تكلفة كل منتج بالضبط، إنما الاستيراد من الصعب عليها معرفة تكلفة كل منتج، وبالتالى تترك الأمر للتاجر لتحديد السعر ومن هنا نجد الأسعار مرتفعة ومختلفة فى الأسواق. ولفت «الإدريسى»، إلى أن اختلاف التكلفة من مكان لآخر يُصعب أيضا من فرص تحديد الحكومة هوامش الربح نتيجة عوامل مختلفة أبرزها تكلفة النقل، مؤكدا أن التسعيرة الجبرية كانت موجودة فى الماضى لأن الدولة هى التى كانت تنتج احتياجاتها. لكن من خلال إحكام الأجهزة الحكومية رقابتها على السوق وضبط الممارسات الاحتكارية وتفعيل مفهوم المنافسة من الممكن أن نتحكم ونضبط الأسعار ولا نترك الفرصة للتجار فى رفع الأسعار كما يشاءون»، موضحا أن بيع التجار للسلعة الواحدة بسعرين مختلفين إحدى أبرز الظواهر السلبية فى السوق المصرى نتيجة غياب الرقابة، مدللا على ذلك بسلعة المياه أو السجائر، حيث نجد تاجرا يبيعها بسعر وآخر بجواره يبيعها بسعر آخر. الخبراء: إحساس المصريين بانخفاض الأسعار يتوقف على 4 عوامل