هل فعلاً بدأنا في مصر دولة المؤسسات؟!.. لا أعتقد ذلك فالمسافة مازالت بعيدة تماماً عن ذلك، والخطوات الاولي لدولة المؤسسات مازالت تترنح رغم اقتراب عامين علي الثورة العظيمة التي قام بها شعب مصر.. حلم المصريين في تحقيق دولة المؤسسات التي يحكمها القانون والدستور مازال في حالة غياب رغم كل التطورات السياسية الكثيرة التي مرت بها البلاد منذ 25 يناير 2011 وحتي كتابة هذه السطور.. فقد انشغل الجميع بعد اسقاط النظام السابق بالحرية الكلامية وتأسيس أحزاب كثيرة ليست فاعلة علي الساحة بالمرة، بالاضافة إلي تشكيل تكتلات وتحالفات ومازال حلم تحقيق دولة المؤسسات بعيد المنال. لم يتغير شيء في نظام الدولة سوي اسقاط رأس النظام، وانتخاب رئيس مدني جديد دون تغيير شامل وجذري في مفاصل الدولة، فمازالت الرشوة والمحسوبية سائدة، ومازالت حالة الضنك التي يعيشها المواطن المطحون مستمرة، ومازالت الدروس الخصوصية مستمرة، ومازالت الاسعار في تواصل مستمر، ومازالت مواقع الانتاج متوقفة، ومازال المواطن يعمل في اكثر من عمل لتوفير اساسيات اسرته ومازالت ومازال.. لم يحدث أي تغيير في حياة الناس، فالفقير مازال يعاني الامرين، وصاحب المال مازال يجني المزيد من الارباح.. لم يطرأ أي تطور للأفضل والاحسن لحياة الناس، سوي المزيد من الاضطرابات في الشارع وسوي المزيد من حالة الرعب والخوف، وسوي استبدال القابعين في السجون والمعتقلات بآخرين.. وإلا فما معني أن يكون هناك إثنا عشر ألف مصري مسجون بالمعتقلات منذ احداث الثورة وحتي الان ولا احد يعلم ما مصير هؤلاء؟! وهناك الكثير من الاصوات التي طالبت بالافراج عن هؤلاء، ولكن يبدو أن الدولة نسيتهم فلا هي حاكمتهم ولا هي أفرجت عنهم. في أي ثورة في العالم يشعر المواطن بقيمة ما قام به، وحتي الان لم يجن المواطنون شيئاً من مطالب الثورة، فلا عيش ولا عدالة اجتماعية ولا حرية كافية تحققت.. لم يشعر الناس بأي جديد قد تحقق علي أرض الواقع، حتي الذين تمت محاكمتهم بتهم الفساد وقتل المتظاهرين، يخرجون الان من هذه القضايا وتلك التهم المنسوبة إليهم، مثل الشعرة من العجينة إن صح هذا التعبير.. الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان باتت شعارات جوفاء الان لا تسمن ولا تغني من جوع ولم يشعر المواطن بأي تغيير حقيقي يرضيه. لقد شعر المصريون بفخر واعزاز شديد في الايام الاولي للثورة خاصة بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك، وبعدها تدهورت الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للناس وتعطلت مواقع الانتاج بشكل يدعو إلي الخوف علي هذا البلد والحسرة لما آلت إليه المناطق الصناعية خاصة في المدن الجديدة بالعاشر من رمضان والسادس من اكتوبر.. فهناك آلاف المصانع المغلقة بالضبة والمفتاح، بالاضافة إلي قيامها بتسريح العمالة بها وزيادة معدلات البطالة بشكل مخيف.. فلا يمر يوم دون ان يتوقف مصنع عن الانتاج وتشريد العمالة به.. ولذلك زادت الاعتصامات الفئوية والاحتجاجات خلال الفترة الماضية، إما لتسريح العمالة وإما لوقف الحوافز والارباح وما شابه ذلك من خفض في قيمة المرتبات.. وقد انعكس كل ذلك علي مواقع العمل في البلاد بلا استثناء. حلم المصريين في مصر الديمقراطية الحديثة ينقصه الكثير حتي يتحقق أو يتواجد فعلياً علي الساحة، وأبرز ذلك علي الاطلاق هو بناء قواعد دولة المؤسسات التي تحفظ للمصريين عزتهم وآدميتهم، وتحقق لهم المطالب المشروعة التي قاموا من أجلها بالثورة.. أما إذا استمر الحال بهذه الشاكلة المزرية فإن معني ذلك اننا قاب قوسين او ادني من الدخول في مراحل التخلف والتقهقر والعودة بالبلاد إلي الوراء كثيراً.. ولا اعتقد أن احداً يرضي بهذا الشكل المزري والمخيف.. فمن حق المصريين أن يحصدوا ثمار ثورتهم بعد المعاناة الشديدة التي واجهوها طوال عقود طويلة من الزمن.. وأبرز هذه السمات التي تحقق كل المطالب المشروعة هو تحقيق حلم دولة المؤسسات التي تدخل مصر إلي دولة ديمقراطية حديثة.. وأولي هذه الخطوات علي الاطلاق هي ضرب كل معاقل ومواطن الفساد في البلاد وهذا ليس حلماً بعيد المنال، بل سهل تحقيقه لو خلصت النية والعزيمة.