مع كل شروق لشمس يوم جديد ونحن نأمل أن يحمل لنا وللوطن كل الخير ، شروق يأتى بجديد ليرسم البسمة على الوجوه بعد أن ارتحلت منذ سنين ، يعيد مذاق الألوان والطرب واللحن ، تفتح النوافذ إيذانا بقوم العصافير بين الأشجار والنخيل تطير تصنع أعشاشها منطلقة لاتخشى الغربان إن حامت حول البيوت تنفث عن حقدها الدفين فلن تهدأ إلا إذا هدت صروح العصافير ، والأبواب الموصدة تشرع فى وجه المحبين من الجيران والأهل والمعارف يتزاورون من جديد ، هذه الورود للزفاف وهناك حلوى النجاح وكعك العيد نتبادلته مع شركاء الوطن كما يفعلون منذ قرون ، صديق مريض فلنذهب مجتمعين ربما خففنا من الألم الكثير ولنترك المحمول جانبا ، بعدما أصبح البديل فأصاب القلوب والأرواح بالجفاف والعطب ، نفعل الخير من أجل الخير لنرسم الفرحة على وجوه البؤساء والمحتاجين دون مقابل مادى أو معنوى ، تعود النخوة والشهامة والمروءة تلك المفردات التى غابت كثيرا تحت سطوة الأنا ، نهب لنجدة الضعفاء والمظلومين ، نتفقد الأيتام والمسنين والمرضى فى المستشفيات والمسجونين وكل من كبله القهر ، نعيد صياغة الكلمات التى تثير فى النفس الرعب والخوف والقلق ( البلطجة ، الإجرام ، الإدمان ، ترويع الآمنين بالخطف والحرش والسرقة ) نحلم بالشارع المصرى وقد اختفى منه التكدس المرورى والتزم كل سائق بحارتة والمشاة لايقفزون بين السيارات بالرضع والصغار بطريقة حلزونية معرضين أرواحهم للخطر ، ينتهى الضوضاء إلى غير رجعة ، ويعود للنهر الخالد رونقه أحلام يمكنها أن تتحقق إذا تهذبت النفوس وأعيد لها بريقها ، فالموسيقى تسمو بالأفئدة تمنحها الدفء والرقى فيعلو الإنسان فوق الصغائر يتعلم حب الأشياء حب الآخر والإنسانية جمعاء ، الطير والحيوان والجماد يتعلم بالموسيقى كل الفنون فيطور ويجود فى الآداء ، العمال عند البناء يغنون ، الأطباء تعالج المرضى بالموسيقى ، الطفل يستكين ويهدأ فى بطن أمه إذا ماانتقلت إلى مسامعه الألحان فيخرج للنور هادئ الطبع محب للكون والحياة ، من ينكر أن سيمفونيات ( بيتهوفن ) العظيمة مازالت إلى الآن تعزف فى كل أنحاء عالم ، مقطوعات خالدة ألفها وكان أصم وتلك هى عبقريته التى ميزه بها الله ، أقول كل هذا بعدما صدمنا أحد الزملاء فى إحدى الندوات بأن هذا الصرح العملاق ( الأوبرا ) عديم الجدوى والأهمية ويرى أن تحويله إلى مستشفى أو مؤسسة حكومية أفضل كثيرا ، كيف يحسب هؤلاء على أوساط المثقفين والأدباء ؟ ماذا عن الجهلاء الذين لا يرون أى قبس من نور ليس فى الفن فحسب بل فى الحياة كلها ، يرون أن الفن رجس وعار فالموسيقى حرام بما فيها السلام الوطنى للبلاد ، الأخ العزيز يطالب بتغيير هذا الصرح الثقافى الكبير عنوان الحضارة والتاريخ العريق لمصر التى علمت الدنيا كل علم وفن ودين ، لن يضيره أن نعود لأزمنة التخلف والجهل ، نتقهقر آلاف السنين وكان لنا السبق فى العلم والتنوير ، الأوبرا تضم مركز الأبداع ومتحف الفن الحديث والمسارح التى تقام عليها العروض الفنية الراقية والموسيقى العربية والأصوات التى أثرت حياتنا بالطرب الأصيل ، ماذا لو أظلم وأسدلت ستائره ؟ من المؤكد سنعود للعصر الحجرى ونحقق للكارهين لمصر والمصريين حلما طال أمده طمس هويتنا وقمع حريتنا والأهم من كل ذلك فشل ثورتنا