«كله عشان خاطر مصر».. إذا سمعت هذه العبارة في مقابلة تلفزيونية أو قرأتها في مقال فتأكد وبدون أن يساورك شك أو ينتابك شعور بتأنيب الضمير أن صاحبها نصاب وأفاق و«أونطجي» وكذاب في أصل «وشه». اسم «مصر» أصبح يتمسح فيه «سماسرة» الوطنية و«مرتزقة» رجال الأعمال من الصحافيين والإعلاميين، و «صبيان» بقايا نظام مبارك، و «كلاب السكك» الذين يأكلون على كل الموائد ما يتبقى من فتات سادتهم. البعض هذه الأيام يتباكى ويلطم الخدود على «الهرم» الذي يخضع لأموال قطر. يحاولون تقمص دور المحب الولهان للوطن، لكنهم من فرط أدائهم التمثيلي يبدون في صورة «المشخصاتي» الفاشل الذي يطرده المخرج من «البلاتوه». بعضهم يقول ودموع التماسيح تنساب من عيونهم: «لم نكن نود أن نعيش هذه اللحظة». يا حرام.. هم يعانون عشانك يا مصر، وإياك «يطمر» فيكي. هؤلاء المتباكون الذين يقبضون من طوب الأرض ثمن كل كلمة يكتبونها، أو خبر ينشرونه، أو توجه يتبنونه، صكوا مصطلح «قطرنة» مصر. لا أحب ادعاء الحكمة بأثر رجعي، وأذكر بما سبق وكتبته عن «الفزاعتين» اللتين صنعهما مبارك وإعلامه وخدمه من المسؤولين والكتاب. الأولى «الإخوان» والثانية «قطر». أوضحت أن هناك حلفا غير مقدس ضد الرئيس محمد مرسي يضم: أولا: أنظمة خارجية كانت تفضل بقاء «المخلوع» ليواصل هبوطه بمكانة «أم الدنيا» ويعطي تلك الأنظمة الفرصة لسد الفراغ المصري في المحيطين الإقليمي والدولي، فضلا عن أنها ترتعد من فكرة أن يحكم أكبر دولة في الشرق الأوسط رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين صاحبة الفروع ال95 على مستوى المعمورة. ثانيا: «فلول» مبارك الذين نظموا صفوفهم بمجرد «خلع» كبيرهم وراعي نهبهم لثروات الدولة، وحاولوا من خلال وسائل الإعلام الخاصة التي يملكونها من صحف وفضائيات، توجيه الرأي العام وشحنه ضد الدكتور محمد مرسي في أثناء الانتخابات الرئاسية، والتخديم على مرشحهم تلميذ مبارك النجيب الفريق أحمد شفيق، ليبقى الحال كما هو عليه، ويصبح «زيتهم في دقيقهم» ويواصلون «شفط» حليب مصر حتى يتركوا البلد لحما على عظم. ثالثا: العسكر.. رعوا من وراء الستار عملية الهجوم على «الإخوان»، كما وقفوا وراء العديد من الأزمات المعيشية بعد فوز التيار الإسلامي بأغلبية مقاعد مجلس الشعب، في محاولة مكشوفة لتحميل النواب الإسلاميين مسؤولية هذه الأزمات عند المواطنين، معتمدين على أن عامة الناس لا يدركون الفارق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتواصلت الرعاية العسكرية لمناهضي مرشح «الإخوان» في أثناء انتخابات الرئاسة، وليس سرا أن أعضاء في المجلس العسكري الحاكم وقتها التقوا حملة مرشح «الفلول» أحمد شفيق للتنسيق والدعم. بعد الضربة القوية المفاجئة التي وجهها الرئيس محمد مرسي إلى أعضاء هذا الفريق بإقالة الحائط الذي استندوا عليه «ممثلا في المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وكبار جنرالات العسكر»، والذي كانوا يظنون أنه يستحيل الاقتراب منه، تغيرت قواعد اللعبة. بداية فقد الفريق المناهض للثورة صوابه، لكنهم تذكروا أن الإعلام الخاص بأيديهم. حاليا يخوضون سياسة النفس الطويل في حربهم ضد السلطة الشرعية. بعد فشل المظاهرات التي دعا إليها «فلول» المخلوع لإسقاط الرئيس المنتخب، فإنهم ينتهجون حاليا «تكتيكا» جديدا يتمثل في التشكيك في كل خطوات السلطة، أملا في دفع الجماهير إلى انتخاب كل ما هو مناهض للتيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن بعدها انتخابات الرئاسة. لكنهم فاشلون حتى في هذه النقطة ولم يستطيعوا اختراع أوهام جديدة. لم يجدوا ما يخيفون به الناس، فعادوا لجرابهم القديم وأخرجوا منه فزاعتي «الإخوان» و «قطر». قالوا صراحة إن الرئيس محمد مرسي وصل إلى السلطة بمئات ملايين الدولارات من أموال القطريين الساعين إلى «قطرنة مصر». السؤال هنا: هل دسّ «مرسي» هذه الأموال في جيبه ثم أخفاها تحت «البلاطة».. وإذا كان وصل للحكم بها فيفترض أنه وزعها على ال12 مليونا الذين أعطوه أصواتهم، فأين نصيبي منها ونصيب معارفي الذين انتخبوه؟! المتباكون على «الهرم» الذي يخضع لأموال قطر، والكاشفون عن «قطرنة مصر»، لمجرد أن مؤسسات اقتصادية قطرية تقدمت لشراء أسهم وحصص مؤسسات أجنبية في بنوك وجهات مالية مصرية، هل هم من البلاهة العقلية التي تجعلهم يرددون هذا الهراء والكلام الفارغ، والذي وصل لحدود المسخرة بتقمصهم شخصية «شارلوك هولز» وتحذيرهم وكشفهم أن هذه «القطرنة» تهدف في نهاية المطاف إلى «تقسيم» و «تفتيت» مصر كما حدث في العراق والسودان؟! حقيقة هم ليسوا بلهاء. لا يوجد نصاب «أبله». هم يحاولون «استعباط» الناس. يعتمدون على أن التردي التعليمي والثقافي وعملية تجريف الشخصية المصرية التي أفلح فيها كبيرهم المخلوع، جعلت كثيرين ليس لديهم القدرة ولا الوقت ولا الجهد على البحث عن المعلومات الصحيحة، وإذا توصلوا إليها فقد لا يستوعبونها. صانعو أوهام «القطرنة» لا يشغلهم بيع مصر مدينة مدينة وشركة شركة ودارا دارا. كل ما يهمهم ماذا سيعود عليهم و «العمولة» التي ستدخل حسابهم. لو حدث هذا فقد يقدمون «الهرم» -الذي يسيلون الدمع على خضوعه- هدية فوق البيعة للمشتري. الحقيقة المؤكدة -وأتكلم هنا عن معلومات وليس تخمينات- أن هؤلاء الإعلاميين يعملون لحساب رجال أعمال مصريين وعرب يريدون شراء الأسهم والحصص المعروضة للبيع بثمن بخس، وبالتالي خسارة الدولة الكثير. لا جدال على أن هؤلاء لا يريدون أي خير لمصر. كل ما يهمهم التشكيك في سياسة «مرسي» الداخلية والخارجية. الرجل يحاول جلب استثمارات عربية وأجنبية من مختلف الدول، وضخ أموال جديدة في شرايين الاقتصاد المصري تعيد إليه العافية، ليصب كل هذا في صالح المواطن الفقير الذي ينصب «الأفاقون» أنفسهم متحدثين باسمه. لماذا لم يتحدثوا عن «صيننة مصر» أو «فرنستها» أو «طلينتها»؟ لماذا «القطرنة» فقط؟ وكيف للقطريين كل هذا التأثير الذي يجعلهم يقسمون مصر البلد ذات النسيج الواحد والذي يختلف عن العراق والسودان ذات الأعراق والملل المتعددة؟ ثم هل صغرت مصر لهذه الدرجة التي تجعلها عرضة ل «التفتيت» من مجموعة مستثمرين تقول أدبيات وألف باء الاقتصاد إنهم يريدون استقرار البلد الذي يعملون فيه حتى يمكنهم تحقيق أرباح؟ قطر تستثمر أموالا وتقيم مشروعات كبرى في مختلف دول العالم، فهل ستقسم هذه الدول وتقطع أوصالها، أم أنها ستركز جهدها على «قطرنة» مصر واحتلالها أولا ثم الانطلاق منها لغزو المعمورة شرقا وغربا؟ أيها القطريون.. من أين لكم كل هذه القوة الجبارة؟! ويا من اخترعتم وهم «قطرنة مصر».. الله يكسفكم!! نقلا عن صحيفة العرب القطري