تبدأ بتفاهمات ومشاورات وتنتهى بتطبيق سياسات التقشف الاقتصادى دائما..هذه هى خطوات مسئولى صندوق النقد الدولي مع الدول التى ترغب في الاقترض منه .. فيطالبهم الصندوق بانتهاج إجراءات تقشفية كشرط أساسي للحصول على القرض تركز على تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة من خلال زيادة الموارد السيادية عن طريق زيادة الضرائب، ورفع أسعار الطاقة وزيادة رسوم الخدمات العامة وأسعار منتجات القطاع العام ثم تخفيض حجم الإنفاق الحكومي عن طريق تقليل الدعم إلى الحد الأدنى بما في ذلك دعم الطعام والوقود كالغاز والبنزين والسولار، وخفض التوظيف الحكومي، وتقليص الإنفاق العام الاستثماري. تلك الاشتراطات المجحفة التى ترتبط بتوجه عام يستهدف تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتطبيق سياسات الخصخصة بصورة موسعة ليست غريبة علي مصر التى طبقت بالفعل في تسعينيات القرن الماضي هذه السياسات فيما عُرف ب «سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي»، التي لم تكن تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، وكانت سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة نسب الفقر، بالإضافة إلى ما نتج عن سياسات الخصخصة من استحواذ القطاع الخاص على كثير من السلع والخدمات الاستراتيجية في صفقات شابها الفساد، وتسببت في عمليات إهدار واسعة للمال العام، ومن هنا تأتى مخاوف غالبية الرافضين لقروض الصندوق، حيث يرون فيها آلية لفرض الوصاية والتبعية على القرار الاقتصادي المصري وتوجيهه بعيداً عن المسار القادر على تحقيق أهداف الثورة في المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر. شل دول عديدة في تطبيق اشتراطات الصندوق فعلق « النقد الدولي» مساعداته لأوكرانيا بعد قراره بمنحها مساعدة تقدر بنحو 14.6 مليار دولار، لكنه توقف عن تقديم دفعات المساعدة لأسباب عدة، من أبرزها عدم تطبيق إجراءات التقشف التي يطالب بها، ولم تكن رومانيا بأحسن حال من نظيرتها أوكرانيا فقد قدم رئيس الوزراء الرومانى إيميل بوك استقالته الشهر الماضي نتيجة للاحتجاجات الحاشدة ضد إجراءات التقشف المدعومة من النقد الدولي، بعد تقديم الصندوق خطة إنقاذ لرومانيا بقيمة 26 مليار دولار في صورة قرض شرط أن تقوم الدولة بتخفيضات حادة في الانفاق الحكومي والمعاشات، أما في اليونان فإن سياسيات الصندوق أدت إلي قيام حركة احتجاجات شعبية واسعة، نتيجة لما تمخضت عنه هذه السياسات من ارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة في معدلات الفقر، وتعميق مشكلة سوء توزيع الدخل. كما أن الصندوق قد أشاد بإجراءات التقشف التي تتبعها أسبانيا بينما يرى معارضون اسبان إن استقطاعات الانفاق الحكومية والمعاشات سوف تحدث شللاً للاقتصاد وتزيد من معدلات الفقر والبطالة في البلاد. الوضع في مصر مختلف في مصر، لان الحكومة تقوم بدعم أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية، إما بصورة ظاهرة أو ضمنية بهدف دعم مستويات معيشة الفقراء من ناحية، والحفاظ على مستويات أسعار السلع الأساسية لتكون في متناول الجميع. وُيقصد بالدعم الظاهري الإنفاق العام الذي يتم تسجيله بصورة صريحة إلى جانب النفقات في الموازنة العامة للإنفاق، وهو إما دعما مباشرا لسلع وخدمات أساسية مثل أصناف من السلع الغذائية، القروض الميسرة للإسكان، خدمات التأمين الصحي للطلاب، وإما دعما غير مباشر لتمويل عجز الهيئات الاقتصادية مثل هيئة السكك الحديد، والكهرباء، وهيئة النقل العام، حيث تقوم الحكومة من خلال الخزانة العامة بتسديد الفرق بين سعر التكلفة والسعر الذي تقدم به الخدمة، أما الدعم الضمني، فهو لا يظهر في ميزانية الحكومة بشكل صريح مثل دعم أسعار منتجات البترول، والكهرباء وبعض الخدمات مثل التعليم والصحة، ويعبر عنه عادة بمعدلات الضرائب المخفضة، والإعفاءات الضريبية. وهو ما يطرح سؤالا هاما: هل تتحول مصر الي يونان جديد؟ خاصة في ظل الشروط المجحفة لصندوق النقد الدولي وخاصة فيما يخص الدعم وحتمية إلغائه أو تقليله إلي الحد الأدنى وخاصة فيما يتعلق بدعم الطعام والوقود بما يشمل السولار والبنزين والغاز بالإضافة إلي طلب الحكومة الجديدة زيادة قيمة القرض من 3.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار وكذلك اغفالها الاعلان عن أى إجراءات ملموسة لمحاولة تعزيز الإيرادات، أو ترشيد النفقات، أو حتى محاربة الفساد. أزمة كبيرة هروب كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد وتراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وانخفاض الاحتياطى النقدى بصورة كبيرة من 35 مليار دولار فى يونيو 2010 إلى 15 مليار دولار فى يونيو 2012، بما يعني أن حصيلة الاحتياط النقدي الأجنبي لا تكفى لتغطية الواردات المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط، مع تزايد عجز الموازنة العامة للدولة، واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات، والتى وصلت إلى نحو 7.9% فى موازنة العام المالى الحالى.. كل هذا أدي إلي اتجاه الحكومة الحالية إلي الاقتراض من الصندوق الدولي هو ما قاله الخبير الاقتصادى الدكتور عبد المطلب عبد المجيد. وأضاف ان اشتراطات صندوق النقد الدولي تجبر الحكومة علي تحويل الدعم العينى الي الدعم النقدى لان إستراتيجية الصندوق تعتبر الدعم إنفاقا مهدرا يجب ترشيده وتصحيح مساره، موضحا أن دعم المنتجات البترولية ارتفع من 1,1 مليار جنيه فى عام 1999 إلى 114 مليار جنيه فى عام 2012، أى بمعدل زيادة يصل 114%، وأضاف أن قيمة الدعم الحكومى للسولار والبوتاجاز يصل سنويا إلى 75 مليار جنيه، ودعم البوتاجاز فقط يصل إلى 25 مليار جنيه سنوياً إلى جانب 6 مليارات جنيه يحصل عليها السماسرة والبوابون مقابل توصيلهم أنبوبة البوتاجاز، ذلك بالأضافة إلي الدعم المباشر من الحكومة للسلع الاستهلاكية مثل العيش والسكر والزيت. وقال عبد المطلب هناك خطوط حمراء في مسالة رفع الدعم يجب عدم الاقتراب منها مثل العيش والسكر والزيت وهى سلع اساسية للمواطن المصري مطالبا الحكومة بضرورة الحكومة بضرورة وضع خطة إستراتيجية لالغاء الدعم تبدأ من الأعلي من خلال المواد البترولية وهو ما قد يوفر ما يقرب من 70مليار جنيه سنويا ثم البدء في الرفع التدريجى للسلع الاخرى، محذرا الحكومة من اخضاع الاقتصاد المصرى، وتحجيم استقلاله فإذا كان هذا القرض مرتبطاً بشروط، فمن شأنها التأسيس للتبعية، فلتذهب أموال الصندوق للجحيم، ولتبدأ الحكومة فى البحث عن بدائل أخرى، بعيداً عن الصندوق وسياساته. أكد الدكتور محمد الفقي رئيس لجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى أن الدعم لن يرفع عن الفقراء، بعد الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، مضيفا «لا مساس بالفقراء». مضيفا أن نسبة الفائدة في القرض ستصل الى 1.1 في المائة، وفترة السماح 39 شهرا على أن يتم السداد على خمس سنوات. وأشار الى تصريحات وزير البترول التي قال فيها إن 70 % من دعم البترول يذهب الى من لا يحتاجون الدعم، وتلك اشكالية كبيرة. وأوضح أن بعض الاجراءات التي سيتم اتخاذها ستؤثر على الفقراء، ولكن سيقابلها اجراءات تدعم الفقراء مثلا معاش الضمان الاجتماعي، وتفعيل الحد الأدنى والأقصى للأجور.