تنقية الكتب الدينية المتداولة من الفكر المتطرف.. وكشف حقيقة رموز التكفير علماء الإسلام يتحملون مسئولية ترك الشباب لمنطلقات فكرية خاطئة الهزائم التى لحقت بالإخوان الإرهابية أمنية وسياسية.. ويجب هزيمة الأفكار الأساسية للجماعة الأباطيل والخرافات والإسرائيليات بكتب التراث كبلت عقول الأمة وأحاطتها بظلمات الجهالة الجماعات المتطرفة حوّلت قوله تعالى «لا إكراه فى الدين» إلى شعارات الأمر بالمعروف لنشر الخوف بين الناس الطاعة العمياء بين أبناء الجماعات دخيلة على الإسلام.. وتستخدم لسلب عقول مريديهم لا يكاد يخلو خطاب الرئيس «السيسى»، أو مداخلة فى ندوات التوعية التى يحرص على حضورها، من الحديث عن أهمية وضرورة تجديد الخطاب الدينى ومناشدة رجال الدين تطوير كل ما يتعلق بالإفتاء والهداية والتنوير، ومطالبة الرموز الفكرية والعلمية والتعليمية والإعلامية بالمشاركة فى مهمة التوعية الدينية، وبالشكل الذى يتوافق مع صحيح الدين، ويواجه الهجمة الشرسة التى يشنها أعداء الإسلام ضد البلدان الإسلامية وأهلها، بواسطة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والمتاجرة بالدين لأغراض وأهداف سياسية وسلطوية، كما كرر الرئيس دعوته للمصريين لنبذ الصراعات والخلافات، وأن يقفوا جميعًا يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحد، فذلك كفيل بصد الهجمات المعادية التى تستهدف ضرب الوحدة الوطنية، واختراق صفوف المصريين، وأن يكونوا سندًا للجيش وهو يخوض معركتَى ضرب الإرهاب، والمساهمة فى المشروعات التنموية. ولما كان التمسك بالقيم الدينية هو العاصم للإنسان من الوقوع فى براثن الإرهاب والفساد، والسبيل الوحيد لبناء مواطن صالح لأهله وبلده، وذلك بما يقدمه كتاب الله وأحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعاليم وقيم أخلاقية إيجابية صالحة لكل زمان ومكان، لذلك حرص الرئيس «السيسى» على حث جميع الأجهزة المعنية خاصة الدينية والإعلامية على إعلاء هذه القيم والمثل وزيادة التمسك بثوابت الدين، وأعطى المثل والقدوة بنفسه فى عفة اللسان والبعد عن سواقط القول وحتى عند الإشارة إلى أعداء مصر الذين يحترفون التهجم على شخصه، فضلا عما اتسم به من حسن السلوك، هذا فى ذات الوقت الذى برزت فى أحاديثه وسلوكه، قوة إيمانه بالله واعتماده عليه فى كل أعماله، وثقته المطلقة فى وعد الله تعالى بنصرة مصر على أعدائها فى الداخل والخارج، وبخصوصية مصر فى الإسلام.. وهو ما انعكس فى خطابه الأخير عندما أشار إلى تجلى المولى عز وجل على رسوله سيدنا موسى عليه السلام فى أرض مصر، دون باقى بلاد الأرض. أهمية تصحيح الفكر الدينى يوجد سؤال يفرض نفسه فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، فرغم كثرة الحديث طوال السنوات الماضية من مسئولين وغير مسئولين على جميع المستويات والتخصصات، فضلاً عن المفكرين والمثقفين والإعلاميين، عن أهمية تجديد الخطاب الدينى، إلا أنه لا ثمرة ولا نتيجة للجهود التى تبذل فى هذا المجال، حيث يستمر الإرهاب باستمرار فى تفريخ إرهابيين جدد فى المساجد والزوايا والمدارس والمعاهد والجامعات، وما ذلك إلا لسبب بسيط.. وهو أنه لا يمكن تجديد الخطاب الدينى دون تنقية الكتب الدينية المتداولة من الفكر الدينى المتطرف أولاً، لأن الخطاب فى حقيقته يتمحور حول آليات نقل الفكر إلى الناس، ومن ثم فإن تصحيح الفكر الدينى يجب أن يسبق تجديد الخطاب الدينى. والمقصود بتصحيح الفكر الدينى، هو الرد بموضوعية كاملة على جميع دعاوى الإرهاب والتطرف التى تطلقها الجماعات الإرهابية، والمزاعم والأباطيل التى يروج لها دعاة التطرف ويتخدون منها شعاراتهم الباطلة التى يتاجرون بها لخداع الناس وتجنيدهم فى صفوفهم، وإظهار بطلانها وتعارضها الكامل مع القرآن وصحيح السنة الشريفة، فضلا عن كشف حقيقة رموز الفكر المتطرف والإرهاب وخطورة ما يدعون إليه.. وتطهير كتب التراث من كل ما حوته من إسرائيليات وفتاوى باطلة وخرافات، عند ذلك فقط يتحقق تجديد الخطاب الدينى الصحيح والمثمر وبما يحقق مراد المولى عز وجل فى خلقه، وهو ما يتمثل فى قوله تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» الذاريات 56، وما يتطلبه تحقيق العبودية الحقة من تزكية النفوس وتطهير القلوب وطاعة المولى عز وجل ورسوله فى كل ما أمر به ونهى عنه فى أمور الدين والدنيا. وإذا أدركنا أنه لا سبيل للقضاء على الإرهاب دون القضاء على الفكر المتطرف، فإن علينا أن ندرك أيضاً أنه لا سبيل لمحاربة الفكر المتطرف إلا إذا تم اجتثات هذا الفكر من جذوره، لهذا السبب حرص دعاة الفكر المتطرف منذ عقود طويلة على نشر هذه السموم فى عقول أبنائنا وبناتنا فى محاولة للاستحواذ على أجيال بأكملها، بعيدًا عن الرقابة أو السيطرة الرسمية للدولة. وتتمثل خطورة هذا الأمر فى أننا - ومن خلال المؤسسات الأمنية والإعلامية - نتعامل مع ظاهر الأحداث التى تقع على السطح من عمليات إرهابية، دون البحث والتحرى عن أسبابها وأعماقها والتى تتمثل فى الفكر المنحرف الذى يعتنقه من يقومون بهذه العمليات، فهذا الفكر المنحرف يتحول إلى عقيدة ينتج عنها الممارسات الإرهابية، ومن ثم يجب على من يتصدون للإرهاب والتطرف الدينى ألا يتوقفوا عند ظاهر الأعمال الإرهابية وإدانتها، لأن ذلك يعالج القشرة فقط، ولا يتناول أصل الداء. إن الخطر الحقيقى للجماعات المتطرفة والمنحرفة يتمثل فى المشكلات الفكرية، فإذا ما تم تفنيد المنطلقات الفكرية لهذه الجماعات، فلن تجد قناعات، وبالتالى لن تجد ممارسات ظاهرة منحرفة أو صدامية أو تحريضية.. بل يمكن القول بأن كل صدام وقع بين الجهات الأمنية وبين الإرهابيين، ونتج عنه دم يسيل هنا أو هناك، أو مستقبل يضيع، أو هارب من وطنه، أو دعوات للفوضى والتخريب، كل ذلك يتحمله علماء الدين الذين يتركون هؤلاء الشباب ضحية لمنطلقات فكرية خاطئة، واقتصر نشاطهم على إدانة وشجب العمليات الإرهابية، وعقد المؤتمرات الدينية التى لا تخرج نتائجها عما سبق ترديده حول وسطية الإسلام وتسامحه ونبذ العنف والإرهاب، ودون التعرض لأسبابه ونعنى بها القناعات الفكرية المنحرفة والباطلة المترسخة فى عقول الشباب الذين يتم تجنيدهم لتنفيذ عمليات إرهابية، وسيظل الأمر كذلك ما لم يكن هناك الرد الحقيقى والمباشر على مقولات ابن تيمية، وحسن البنا وسيد قطب والمودودى وغيرهم من أئمة الفكر المتطرف والإرهابى. إن الهزائم التى لحقت بجماعة الإخوان وغيرها من منظمات إرهابية، معظمها هزائم أمنية وسياسية، وهى هزائم تتغير وتتبدل، وتضعف وتقوى، لكن ما تحتاجه الحرب ضد الإرهاب هو إنقاذ الشباب من التأثر بالأفكار المتطرفة ونزعها من عقول الشباب، وإحلال ذلك بمبادئ وتعاليم الإسلام الصحيحة التى تهدم الفكر الدينى المتطرف من أساسه، وأن يكون للإعلام دور أساسى فى هذه المواجهة.. وإظهار حقيقة أمر الدين فى الشعارات التى يرفعها المتطرفون.. مثل الحاكمية، والخلافة والمتاجرة بشعارات تطبيق الشريعة والحدود، وتغيير المنكر باليد والعنف، والولاء للعقيدة فقط دون الوطن.. وغير ذلك من الشعارات التى تخلق قناعات باطلة لدى الشباب، بأن المجتمع الذى يعيشون فيه مجتمع كافر يتوجب - فى نظرهم - ضرورة محاربته شرعًا لإقامة ما يطلقون عليه المجتمع الإسلامى الذى ينفذ أحكام الله فقط. مسئولية رجال الدين عن تنقية كتب التراث.. وتصحيح المفاهيم الدينية المنحرفة إن المواجهة الفكرية التى ندعو إليها اليوم، والتى صارت أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى، يجب أن يسبقها تطهير وتنقية كتب التراث جميعا من كل الأباطيل والخرافات والإسرائيليات إذا أردنا حقا تحرير عقول أبناء الأمة الإسلامية من أسر المفاهيم الباطلة الخارجة عن الدين، والتى أحاطت الأمة بظلمات الجهالة وحرمتها من نور المعرفة الإلهية وحجبت عنها طريق الهداية إلى الله تعالى. ولقد أكد رجال الدين أنفسهم حقيقة وخطورة انتشار الإسرائيليات والمفاهيم الدينية المنحرفة التى قام بدسها أعداء الإسلام فى الكتب الدينية القديمة والحديثة.. ومن بين أقوالهم فى تأكيد هذه الحقيقة ما يلى: 1- ما أورده علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فى مقدمة كتاب «التفسير الوسيط» الذى قالوا فيه بالحرف الواحد: «إن سيلا جارفا من الأساطير الإسرائيلية والأقاصيص الخرافية تطرق إلى بعض الكتب التى ألفها أعلام العلماء ونقلت عنهم بحسن نية.. وأكبر الظن أن هذه الأساطير والخرافات سرت إلى كتب القوم عن طريق أعداء الإسلام الذين عجزوا فى وقت ازدهاره عن حربه علنا فنسخوا كتب أولئك العلماء ودسوا فيها تلك الأكاذيب.. وبذلك يتم لهم ما أرادوا من حرب الإسلام عن طريق القلم بدلا من حربه بالسيف». 2- ما أورده كبار علماء الأوقاف فى كتاب «رسالة الإسلام إلى الشباب» الذى أصدرته وزارة الأوقاف عام 1922.. والذى قالوا فيه بالحرف الواحد: «إن كتب التراث فيها الكثير من الآراء والأقوال الخارجة عن جادة الحق والصواب.. فالتراث عندنا كالنهر الجارى الكبير يحمل ماؤه العذب الكثير من الشوائب التى تلوثه وتعكر صفوه فيحتاج إلى تنقية وتطهير». 3- ما أورده علماء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى كتاب «الإسرائيليات فى تفسير الطبرى» عام 2015 والذى أكد أن هذا التفسير يحتوى على عبارات تتطابق تطابقًا كاملاً مع العبارات المنقولة بالحرف الواحد عن التوارة.. وقد حدد الكتاب النصوص المنقولة نصا عن التوراة وأماكنها فى كل إصحاح! 4- اعترافات علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فى كتاب «الإسرائيليات فى التفسير والحديث» عام 1995 والذى ورد فيه قولهم فى صفحة 8 بالحرف الواحد: «تسرب إلى التفسير والحديث القصص الإسرائيلى الذى دخل معظمه عن طريق أعداء الإسلام وتناقله عنهم بسوء نية وعدم روية بعض المشتغلين بالتفسير والحديث وسودوا بها الكثير من كتبهم فاعتر بها الناس وصدقوها وآمنوا بها على ما فيها من أكاذيب وأباطيل». ولما كان رجال الدين هم أكثر الناس دراية بالإسرائيليات ومدى انتشارها فى الكتب الدينية فإنهم بذلك قادرون ومسئولون عن تصحيح كتب التراث وتنقيتها من الفكر المتطرف بحكم علمهم وإدراكهم بوجود هذه الإسرائيليات ومواضعها وشدة خطورتها.. ولا يجوز التردد فى تنقية كتب التراث من أى أقوال باطلة تتعارض مع القرآن والسنة الشريفة لمجرد أنها منسوبة إلى بعض الأسماء المشهورة كابن تيمية أو غيره.. فالحجة هى القرآن والسنة.. ولا يجوز أن يتحول أى إنسان إلى صنم بشرى يطيعه الناس طاعة عمياء ويرددون دعاواه الباطلة دون تفكير أو تعقل.. فهذه هى الأصنام البشرية التى حذر منها حضرات الرسل وأشار إليها المولى عز وجل فى قوله على لسان سيدنا إبراهيم «لأكيدنَّ أصنامكم» الأنبياء 57، وأيضاً قوله تعالى «إنهن أضللن كثيراً من الناس» إبراهيم 36.. فمن البديهى أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن يكيد أصنامًا حجرية، ومن البديهى أيضاً أن الأصنام الحجرية لا تضل أحدًا ولو عكف عليها مئات السنين، ولكن الأصنام المعنية فى هذه الآية والتى حطمها سيدنا إبراهيم هى كما قلنا أصنام بشرية، تفسد قلوب الناس ونفوسهم وتحول دون تحقيق عبوديتهم الحقة لله تعالى.. وهذه الأصنام البشرية هى التى كان يواجهها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالحجة التى أتاه الله بها كما جاء فى قوله تعالى: «وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه» الأنعام 83. التأسى بالرسل فى عدم الإكراه فى الدين إن إحدى أخطر الدعاوى التى يستند إليها الفكر المتطرف هى الدعوة إلى استخدام العنف والقوة بدعوى إلزام الناس بطاعة الله.. وتحت شعارات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. ومن ثم فإن إحدى أهم الركائز فى المواجهة الفكرية للإرهاب والتطرف هى إظهار حقيقة أن الله تعالى قد نهى نهيًا قاطعًا عن الإكراه فى الدين فى قوله تعالى «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» البقرة 256.. وفى قوله عز وجل «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» النحل 125.. ولقد حدد القرآن شرط القتال فى الإسلام بالدفاع فى مواجهة المبادرين بالعدوان، وذلك فى قوله تعالى «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» البقرة 190.. ولقد بينت آيات القرآن أن هذا المسلك بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وعدم اللجوء إلى العنف والقوة لإكراه أى إنسان على الدين كان هو سبيل الرسل فى دعوتهم لأقوامهم إلى الله تعالى.. وإذا تناولنا قصة سيدنا نوح عليه السلام فى دعوته لقومه والتى استمرت 950 سنة ليلا ونهاراً، سرًا وجهرًا، فرادى وجماعات، فسنجد أن حضرته قد صبر على إعراضهم وتكذيبهم له صبرا يفوق كل تصور، ورغم ذلك لم يستخدم أى صورة من صور العنف أو الإكراه ضدهم مصداقًا لقوله تعالى «قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا. فلم يزدهم دعائى إلا فرارًا. وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا» نوح 5-7.. وفى قوله تعالى مخاطبًا حضرته «ولا تخاطبى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون» هود 37.. تبين الآية أن سيدنا نوح ورغم طول دعوته لقومه وإعراضهم عنه، كان سيظل مستمرًا فى دعاء المولى عز وجل بأن يؤجل النقمة الإلهية الواقعة بهم، لعله يجد من يهتدى منهم.. وهو ما يؤكد سلوك رسل الله فى دعوتهم لأقوامهم، والبعيدة كل البعد عن الإكراه فى الدين أو استخدام العنف.. وفى ضوء هذه الحقيقة القرآنية عن مسلك حضرات رسل الله تعالى فى دعوة أقوامهم بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على إعراضهم وعدم اللجوء إلى أى صورة من العنف والشدة لإكراه الناس على عبادة الله تعالى.. فإنه من الضرورى أن تقوم الدعوة فى مواجهة الإرهاب والتطرف على تنبيه الشباب إلى أن طاعة المولى عز وجل تقتضى التأسى برسله الكرام فى أقوالهم وأفعالهم كما جاء فى قوله تعالى «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة» الأحزاب 21 وقوله تعالى «قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه» الممتحنة 4.. وعدم الانجراف وراء أئمة الفتنة الذين يخالفون مسلك الرسل وأمر المولى عز وجل، بالدعوة إلى العنف والقوة تحت ستار الشعارات الدينية المضللة. فريضة إعمال العقل إن الدعوة إلى إعمال العقل هى سلاح أساسى فى مواجهة فكر الإرهاب والتطرف.. ولا يغيب عن أى مسلم أن العشرات من آيات القرآن تأمر المسلمين وتحثهم على ضرورة التدبر وإعمال العقل مثل قوله تعالى «أفلا يتدبرون» 82 النساء، «أفلا تتفكرون» 50 الأنعام.. ولقد بين المولى عز وجل أن إعمال العقل هو الذى يحمى الإنسان من الضلال وذلك فى قوله تعالى «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير» 10 الملك.. كما بينت الآيات أن إعمال العقول هو السبيل لإدراك العبرة من القصص القرآنى وذلك فى قوله تعالى «لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب» 111 يوسف.. وبينت الآيات أيضاً أن المؤمنين الذين يعملون عقولهم هم من ينعمون بادراك آيات الله وتذكرها كما فى قوله تعالى «إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب» 190 آل عمران.. وقوله تعالى «إن فى ذلك لآيات لأولى النُّهى» 54 الزمر.. وقوله تعالى «إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب» 21 الزمر.. وكذلك بينت السنة الشريفة دور العقل فى هداية الإنسان ونجاته فى الدنيا والآخرة، وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم «ما اكتسب المرء مثل عقل يهدى صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى». ولقد اعتمد دعاة الفتنة طوال القرون الماضية وحتى اليوم على دعوة أتباعهم إلى السمع والطاعة وإغلاق نافذة العقل فى كل ما يسمعونه منهم.. ولا يخرج أتباع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية الأخرى عن هذا المسلك حيث يطيعون قادتهم مثل حسن البنا وسيد قطب وأسامة بن لادن والظواهرى وغيرهم طاعة عمياء مهما كانت أقوالهم ودعاواهم متعارضة مع القرآن ومع الفطرة البشرية السليمة.. وأصبح هؤلاء الأتباع لا يتورعون عن النسف والتدمير وتحويل أنفسهم إلى قنابل بشرية فى عمليات انتحارية يقتلون فيها الضحايا الأبرياء من المسلمين ومن الأطفال ومن النساء.. بل ولا يتورعون عن قتل أقرب الأقرباء من الأهل فى طاعة عمياء لقادة الفتنة الذين تحولوا فى نظر هؤلاء الأتباع إلى أصنام بشرية، كتلك التى أشار إليها قوله تعالى «إنهن أضللن كثيرًا من الناس» إبراهيم 36.. والآية - كما ذكرنا - لا تشير إلى أصنام حجرية لأن الحجر لا يعى ولا يعقل ولا يستطيع أن يضل الناس.. ولكن هذه الأصنام تشير إلى دعاة للباطل فى كل وقت ينشرون الفتنة بين المسلمين الذين لا يفكرون أو يتعقلون.. ولذلك فإن الدعوة إلى إعمال العقل هى سلاح أساسى فى مواجهة فكر الإرهاب والتطرف حتى ينجو الشباب المسلم من الوقوع فى براثن هذه الفتن بالتفكير والتعقل والتمييز بين دعوة الهداية والدعوة إلى الفتنة وبين من يدعون إلى اجتماع قلوب المسلمين وتآلفها وبين من يفرقون ويشتتون وبين من يزرعون الخير ويدعون إلى البناء ومن لا يعرفون إلا الهدم والحرق والتخريب.. وهذا التمييز ليس صعبًا على أى إنسان يعمل عقله فيما يسمعه ويمتثل لأمر المولى عز وجل فى قوله تعالى «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» الزمر 18. مسئولية المسلم فى إصلاح المجتمع على حين تدعو الجماعات المتطرفة والإرهابية المسلمين إلى الصراع الدموى للسيطرة على الحكم والسلطة تحت الزعم بأن ذلك هو السبيل الوحيد لإصلاح المجتمع.. فإن الرجوع إلى القرآن يؤكد بطلان هذه الدعوة المغرضة ويبين أن ما ينعم به المجتمع من الخير أو ما يعانيه من المحن والشقاء ليس راجعًا أو قاصرًا على سلوك الحاكم ومن حوله فقط.. وإنما هو نتاج سلوك أفراده ووجهة قلوبهم.. وأن انتشار الفساد فى أى مجتمع إنما يرجع إلى أفعال الناس وما كسبت أيديهم.. فالمولى عز وجل يقول «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس» الروم 41.. كما يبين المولى عز وجل أن الله تعالى لا يغير حال أى قوم إلا بالتزامهم بطاعة الله وابتعادهم عن المخالفات والمعاصى فيقول عز وجل «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» الرعد 11.. كما يبين المولى عز وجل أن الطريق إلى الحياة الطيبة والآمنة المباركة لا يتحقق إلا بإيمان الناس وتقواهم فيقول عز وجل «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض» الأعراف 96.. وتبين هذه الآيات القرآنية وغيرها الكثير أن صلاح أحوال المسلمين فى أى مجتمع وفى أى وقت يتحقق بانتشار الإيمان والهداية بين أبناء هذا المجتمع وأن المفاسد التى تنتشر فى أى مجتمع لا ترجع إلى فساد الحاكم والمحيطين به فقط.. ومن ثم فإن الدعوة الصادقة إلى إصلاح المجتمع الإسلامى لابد أن تقوم على الدعوة إلى الهداية والطاعة لا إلى رفع السلاح لمقاتلة الحكام وأولى الأمر.. ولقد بين الحديث الشريف هذه الحقيقة فى قوله صلى الله عليه وسلم: «كما تكونوا يولى عليكم».. فالمولى عز وجل يولى أمر المسلمين من يصلح أحوالهم إذا كانوا هم أهلاً للصلاح.. ويتركهم المولى عز وجل لأنفسهم إذا انتهجوا طريق المخالفة والمعصية فيكون الحكام المفسدون نقمة عليهم صنعتها أيديهم بمخالفتهم لله تعالى.. ومن ثم فإن واجب الدعاة الصادقين فى الأمة هو دعوة كل مسلم إلى إصلاح نفسه وزوجه وأهل بيته ومن يقعون تحت ولايته كما يقول الحديث الشريف «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».. فهذا المسلك هو الذى يحقق الصلاح فى المجتمع.. وإدراك هذه الحقيقة حول مراتب المسئولية لكل مسلم هو الذى يحمى الشباب من أن يتحولوا إلى وقود لنيران الفتنة على أيدى من يريدون السوء بالإسلام وأهله وينشرون الخراب والدمار تحت الشعارات المضللة وبدعوى الإصلاح!.