سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الثلاثاء 7 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 7 مايو    اليمن.. وقوع انفجارين قرب سفينة تجارية جنوب عدن    هيئة المعابر: توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل لقطاع غزة    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية اليوم    ياسمين عبدالعزيز: كنت شقية في المدرسة.. وقررت تكون شخصيتي عكس أمي    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    7 تصريحات نارية ل ياسمين عبدالعزيز في «صاحبة السعادة».. اعرفها    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الثلاثاء 7 مايو في البورصة والأسواق    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لواء أ.ح متقاعد حسام سويلم يكتب: السلفيون يخالفون نصوص القرآن والسنة بتحريضهم ضد أقباط مصر
نشر في الوفد يوم 08 - 12 - 2018

لم يترك الرئيس فرصة متاحة فى جميع الفعاليات التى يحضرها والكلمات التى يلقيها، إلا وأكد على مفهوم المواطنة والمساواة بين جميع المصريين بغض النظر عن انتماءاته الدينية والعرقية والمذهبية والسياسية، طالما لا يتعرض بالأذى ضد مصر والمصريين. كما أكد أن الدم المصرى غالٍ أيا كانت ديانة صاحبه، وأنه لن يسمح مطلقًا بانتهاك حرمات المصريين من أرواح ودماء وأعراض وثروات، وسيحارب بشراسة وضراوة لا لين فيها ضد كل من يتعرض لهذه الحرمات بالإساءة.
وإذا كانت الظروف السياسية التى واكبت ثورة 30 يونيو، والتى أطاحت بنظام حكم الإخوان، قد فرضت على الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك، أن يدعو إلى هذه الثورة، ودعمها سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، عدم خوض حرب على جبهتين فى وقت واحد، وهما جبهة الإخوان وجبهة السلفيين، والاستفادة من الصراع بينهما فى عدم تعرض حزب النور السلفى للنظام السياسى الجديد الذى ولد فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وقد نجح فى ذلك بدرجة كبيرة مما أدى إلى سرعة تصفية جماعة الإخوان، وتجميد النشاط السلفى الحركى إلى حد بعيد، لا سيما بعد أن حصل السلفيون على عدد محدود جدًا وغير ذى مغزى من كراسى مجلس النواب، وهو ما شكل صدمة للسلفيين، الذين كانوا يراهنون على المشاركة فى السلطة بنسبة كبيرة، كثمن مقابل تأييدهم ثورة 30 يونيو، وهو ما سبب لهم خيبة أمل كبيرة، حيث أعربت أغلبية الشعب المصرى عن رفضها للسلفيين بنفس قوة رفضهم لجماعة الإخوان.
فقد اعتبر المصريون عن حق، أن التنظيمين متطرفان ويشاركان فى المسئولية عن أعمال الإرهاب التى ترتكب فى مصر بدرجات متفاوتة، وبعد أن تأكد أن الخلافات بينهما هى خلافات حول الاستحواذ على أكبر قدر من المناصب والسلطة، وهو ما أكده النقاش المعلن بين رئيس حزب النور يونس مخيون، ومحمد مرسى عندما كان الأخير رئيسًا لنظام حكم الإخوان، حيث اتهم مخيون جماعة الإخوان بالاستحواذ على أكثر من 13000 منصب قيادى فى الدولة، ناهيك عما ثبت بعد ذلك من ارتكاب جرائم وحشية قامت بها عناصر إرهابية تنتمى للتيار السلفى مباشرة، منها المجرم محمود حسن رمضان الذى ألقى بطفل من برج سيدى جابر بالإسكندرية ونفذ فيه حكم الاعدام، ومنهم من قام بإصدار أوامر مباشرة بإحراق الكنائس، زعمًا أن ذلك مما أمر به (الشرع)، بل وقتل المسيحيين أثناء أداء صلواتهم فى الكنائس بإطلاق النار عليهم وتفجير الأحزمة الناسفة، الأمر الذى أشاع الخوف والرعب والروع فى نفوس المسيحيين، رغم اتخاذ الدولة كل الإجراءات السياسية والأمنية التى تمنع ذلك مستقبلاً.
وكان الرئيس السيسى حريصًا جدًا على مجاملة المسيحيين فى أعيادهم بحضورها ومعه رجال الدولة، وإعادة بناء كنائسهم ومحاكمة مرتكبى هذه الجرائم، وفى أكثر من خطاب بمناسبة وبغير مناسبة كان السيسى يحض على إنهاء روح الكراهية التى أشعلها السلفيون بفتاواهم المنحرفة ضد المسيحيين، بل وطالب كل أجهزة الدولة السياسية والإعلامية بالعمل على تعزيز الارتقاء بروح المواطنة والانتماء الوطنى فوق أى انتماء آخر.
توارى راية الإخوان مؤقتًا وبروز راية السلفيين:
لقد توارت جماعة الإخوان بعض الشىء بعد أن انكشف للشعب أمرها، إلا أنه اتضح بعد ذلك أن الجماعة سلمت الراية إلى التيار السلفى سواء باتفاق مسبق أو بدونه وذلك عندما سقط فى شهر مايو من العام الماضى 29 بريئًا من المسيحيين جراء اعتداء إرهابى على حافلة نقل مصلين فى طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل بالمنيا، ثم تكرر الاعتداء مرة أخرى فى أول نوفمبر من هذا العام على حافلة أخرى فى الطريق إلى نفس الدير، وبما يعنى وجود مخطط ضد أهلنا من الأقباط لترويعهم من جهة، واستهدافًا ممنهجًا للدولة المصرية ورئيسها من جهة أخرى. هذا مع اقتناع الجميع بأن الإرهاب لا يفرق فى اختيار الموت بين الجميع، حيث يرفع شعارًا واحدًا مفاده أن القتل هو الحل، متخذا من فتاوى وتصورات رجعية ودموية أساسًا له، ومعظمها ينسب إلى إمام السلفية ابن تيمية، وكاهن الإخوان سيد قطب، ومن تفرع منهم من شيوخ الفتنة أمثال القرضاوى، وعمر عبدالرحمن، فضلاً عن شيوخ الفضائيات ونجوم (التوك شو).. أمثال صاحب مقولة (غزوة الصناديق) فى وصفه لسيطرة الإخوان والسلفيين على مجلس الشعب عام 2012، وهو الذى كشف فيه عن جرائم أخلاقية قذرة يندى لها الجبين ارتكبها شيخان من شيوخ السلفيين، وعضوان فى حزب النور ومجلس الشعب «أنور البلكيمى» و«على ونيس».. والسلفيون فى ذلك يستغلون غياب أو تغييب التصورات المستنيرة للشريعة الاسلامية القائمة على القرآن والسنة النبوية الشريفة، أو على الأقل عدم نشرها فى مواجهة الإرهاب، وعدم الاهتمام بذلك من قبل أجهزة الدولة التى ترفع ليلاً ونهارًا شعار «تحديث الخطاب الدينى»!
الفتوى أخطر سلاح فى أيدى الإرهابيين:
أكد المؤتمر العالمى للفتوى الصادر عن دار الإفتاء فى عام 2018 أن الفتوى تعد أهم سلاح فى أيدى التنظيمات الإرهابية تشهره فى وجه المخالفين لهم، ليس فى الرأي فقط ولكن (فى العقيدة أيضًا) والذين يرون دائمًا أن الحل الوحيد للمخالفين لهم هو القتل، مما يبرر قتلهم المسلمين والمسيحيين على السواء. وكشف المؤتمر أن 60٪ من الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين على مستوى العالم صدرت من أفراد وجهات غير رسمية وأن 95٪ من هذه الفتاوى مضطربة، لكونها صادرة من جهات لا تمتلك منهجًا علميًا منضبطًا ومن أشخاص غير متسلحين بالعلم الشرعى.
أما ما يخص داعش فإن 30٪ من جملة فتاوى صدرت بحق المسيحيين، وأن 100٪ من جملة فتاوى هذا التنظيم الإرهابى تحض على العنف ضد المسيحيين وكراهيتهم وعدم التعامل معهم، بل على اعتبار أنهم ليسوا من أهل الذمة، وبالتالى يجب قتالهم، وهدم كنائسهم وعدم ترميمها، وعدم توليهم مناصب داخل الدولة، ويكفر الحاكم الذى لا ينفذ هذه الأمور، مما يكشف الخلل الذى أصاب عقول مصدرى هذه الفتاوى، واضطراب فهمهم للنصوص الشرعية وتوصيفهم الخاطئ للقواعد الفقهية، وبالتالى فى ظل هذا الاضطراب الفكرى تخرج الفتاوى مشوهة وقاتلة ومغلفة بالدماء.
أئمة (الإيمان) عليهم محاربة أئمة (الكفر) بالحجة البالغة:
والإرهاب الإخوانى والسلفى لا يفرق بين مسيحيين ومسلمين، فهو يضرب فى الاتجاهين كلما أتيحت له الفرصة لذلك، وطالما كانت الأموال والأسلحة والأفراد تتدفق عليه من الخارج ومن الداخل، وطالما وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعى تتنافس فى إشاعة أفكارهم الإرهابية والمنحرفة وبما يؤدى إلى زيادة المخدوعين فى المتاجرين بالإسلام، وتفريخ متطرفين إرهابيين جدد من المساجد والزوايا والمعاهد والمدارس التى يسيطر عليها أئمة الفكر المتطرف الإرهابى، وذلك على النحو الذى تكشفه الأجهزة الأمنية يوميًا، ولا يوجد فى الساحة الإعلامية من تتاح لهم الفرص من أئمة الإيمان للرد على الفتاوى التكفيرية وخطاب الكراهية الذى ينشره أئمة الفكر السلفى المتطرف، وإظهار حقيقة تعارضها مع القرآن والسنة، وذلك على حكم قوله تعالى «فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم» التوبة 12 ونلاحظ هنا أن الخطاب القرآنى موجه فى الأصل والأساس إلى أئمة الإيمان للنهوض بمهمة مواجهة أئمة الكفر، وقتل دعاواهم الباطلة فى قلوب أتباعهم، وذلك بما أظهره الله لأئمة الإيمان من نور البصيرة المحمدية على حكم قوله تعالى: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى» يوسف 108 لذلك فإنه يوجد على الدوام والاستمرار من يتفضل عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبعية حضرته، ويمنحهم البصيرة التى يفرقون بها بين الحق والباطل، ويدعون بدعوة حضرته التى تدحض كل فكر متطرف ومنحرف وتوئده فى مهده قبل أن ينتشر وتعم شروره على النحو الذى نراه اليوم، والذى صار فيه الاستهداف الإرهابى لا يتم للأقباط فقط، فلم يعد القتل من وجهة نظر الإخوان والسلفيين على السواء، بصرف النظر عن دينه أو مذهبه أو أيديولوجيته السياسية أو الفكرية.
وقد ثبت للجميع خطأ المقولة الشائع أن الإرهاب لا دين له، حيث تأكد لهم أن هناك ديناً فعلاً يعتنقه الإخوان والسلفيون فى دعاواهم الباطلة، وهو ما عبر عنه المحامى الإخوانى صبحى صالح الذى كان عضوًا فى مجلس الشعب الإخوانى عام 2012 2013 عندما قال «اللهم أمتنى على دين الإخوان»، واصفًا إياهم بأنهم «أطهر ناس فى مصر» معبرًا عن شعوره بالشرف لانتمائه لجماعة الإخوان!.
وهذا هو ما يجب محاربته لأنه يعنى ببساطة محاربة وقتال أصنام بشرية «نحت الناس لهم فى قلوبهم مكانة أشبه بالآلهة، يدينون لهم بالسمع والطاعة فى كل ما يصدر عنهم من فتاوى وأفكار تحض على إشعال الفتن على النحو الذى نراه حولنا فى معظم البلدان الإسلامية»، وهذه «الاصنام البشرية» هى التى كان يحطمها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، على حكم قوله تعالى على لسان حضرته «لأكيدن أصنامكم» الأنبياء 57، و«إنهن أضللن كثيرا من الناس» إبراهيم 36، فلم يكن حضرته يكايد أصنامًا من الحجارة لا تعى ولا تعقل، ولكنه كان يقيم الحجة على أصنام بشرية نحت الناس لهم فى قلوبهم مقام الآلهة يطيعونهم فى كل ما يأمرون به من باطل بعيدًا عن حقيقة الإسلام، مصداقًا لقوله تعالى: «وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه». لذلك أمرنا المولى عز وجل بالتأسى بحضرته فى محاربتنا لأئمة الفكر المتطرف والإرهابى، «قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه» الممتحنة 4.
القواعد التى أرساها الإسلام للتعامل مع غير المسلمين:
أرسى الإسلام فى آيات القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القواعد السليمة لبناء مجتمع متماسك متكامل فى السلم والحرب، وبيّن كيفية تعايش أفراد المجتمع معا بالرغم من اختلاف العقائد بينهم، وبما يحافظ على تماسك ووحدة هذا المجتمع.
ولعل أبرز مثال على تعايش المسلمين مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، ما وقع فى مصر فى القرن السابع الميلادى.. قبل وأثناء وبعد الفتح الإسلامى لها. فلقد عاش المصريون مسلمين وأقباطا قرونا طويلة بعد الفتح الإسلامى فى سلام وأمان وصداقة وود وحسن جوار فيما بينهم، ولم يحل اختلاف العقيدة الدينية بينهم دون تحقيق السلام الاجتماعى فى أنحاء مصر عبر أربعة عشر قرنًا منذ فتحها، وذلك بدعوة من أقباط مصر لتخليصهم من طغيان حكم الرومان آنذاك. وعندما دخل جيش عمرو بن العاص مصر لقى ترحيبًا وتعاونًا من قبل الأقباط مما سهل كثيرًا من سرعة فتح المدن المصرية، وعودة الأمن والسلام إلى أهلها.
وعندما تم لجيش المسلمين فتح الشام وفلسطين واقترب من حدود مصر، أرسل أقباط مصر وفودًا إلى عمرو بن العاص يدعونه للزحف إلى مصر، وتخليصها من حكم الرومان. وعندما تحقق ذلك وساد الحكم الإسلامى أنحاء مصر، ترك الجيش الإسلامى للأقباط حرية الاحتفاظ بدينهم وإقامة طقوسهم وشعائرهم وأعيادهم، والمحافظة على كنائسهم وحماية القساوسة، تطبيقًا لمبادئ وقواعد الدين الإسلامى الذى ينهى عن الإكراه فى الدين، ويؤمن لغير المسلمين حياة آمنة مستقرة طالما لم يعتدوا على المسلمين، وعندما أدرك غير المسلمين من المصريين حقيقة الدين الإسلامى وشريعته السمحة، والأخلاقيات المحمدية الرفيعة التى تعامل بها المسلمون مع أقباط مصر، دخل الكثيرون منهم طوعاً فى الإسلام وبإرادتهم الحرة ودون أى ضغط أو قهر.
القاعدة الأولي: الإسلام دين السلام:
تحتل فكرة السلام مقاماً مهماً بين مبادئ الإسلام ومقاصده العامة، باعتبار أن السلام اسم من أسماء المولى عز وجل، وفى قوله تعالي: «والله يدعو إلى
دار السلام، ويهدى من يشاء إلى طراط مستقيم» «يونس 25».
وكما ينهى الإسلام عن مقاتلة غير المسلمين إذا لم يتعرضوا بالأذى للمسلمين «فان اعتزلوكم، فلم يقاتلونكم وألقوا إليكم السلم، فما جعل الله عليكم سبيلاً» «النساء 90»، وكذا قوله تعالى و«وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» «الأنفال 61».
القاعدة الثانية: لا إكراه فى الإسلام:
ينهى الإسلام عن ممارسة أى نوع من أنواع الإكراه والضغط لإجبار الناس على الدخول فى الإسلام، لذلك فإن أى دعوة لإجبار أى غير مسلم على الدخول فى الإسلام، أو إجبار أى مسلم على ممارسة شعائر الإسلام، هى دعوة باطلة لأنها تتناقض مع العديد من الآيات القرآنية التى تحدد منهجا لدعوة إلى دين الله، والتى تتمثل فى قوله تعالي: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي» «البقرة 256»، وأيضاً قوله تعالي: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «يونس 99»، وكذا قوله تعالي: «لست عليهم بمسيطر» «الغاشية 22؛. ويكفى أن نتوقف أمام قوله تعالي: «فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعبد» «آل عمران 20»، اذ تبين هذه الآية موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين يتولون عن دين الله، من ترك أمرهم وحسابهم لله تعالي، لأنه وحده البصير بعباده.
كما ينفى القرآن ما ذهب اليه البعض من وجود حد يطلق عليه «حد الردة» مصداقاً لقوله تعالي «إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا، لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً» «النساء 137»، حيث تتحدث الآية عمن يتردد بين الكفر والإيمان عدة مرات، وبالرغم من ذلك فإن الآية لم تأمر بقتله حتى بعد أن ازداد كفراً، وإنما أوضحت أن جزاءه من المولى عز وجل وهو الحرمان من المغفرة ومن الهداية الى سواء السبيل. و هذا أمر بديهى لأن أى اكراه فى الدين وعلى ممارسة شعائره سيولد منافقين وليس مؤمنين يعبدون الله بقلوب خالصة له، لأن الله تعالى ينظر فقط الى قلب الانسان «إلا من أتى الله بقلب سليم»، أما المنافقون الذين يدعون الإسلام ويمارسون شعائره دون ايمان به، فإن الله يخبرنا بمصيرهم فى قوله تعالى «إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار». فالقرآن لا يحترم ايمان المكره، لأنه لا يزرع عقيدة فى القلب وانما يحمل على الإذعان فى الظاهر دون ايمان فى الوجدان، وقد أقر الأزهر أخيراً بعدم وجود حد للردة.
كما يعطى الإسلام لغير المسلمين الحق فى حرية ممارسة شعائر دينهم، حيث يخاطب القرآن غير المسلمين «لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولى دين» «الكافرون 6» أى لكم يا غير المسلمين دينكم بكل أبعاده من مقدسات وكنائس وقساوسة ورهبان وأعياد وطقوس وتقاليد، أحراراً تماما فى ممارستها، وفى المقابل لى «الرسول» ومن معى من المسلمين ديننا بكل أبعاده أيضاً.
كما بين الله تعالى فى القرآن السبيل الوحيد للدعوة للإسلام فى قوله «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتى هى أحسن» «النحل 125».. وغير ذلك من الآيات الكثيرة التى تؤكد حرية الانسان فى معتقده، وأن لا وصاية لأى فرد فى المجتمع على آخر فى محاسبته على معتقده أو عمله.
وفى قوله تعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» «الممتحنة 8، 9» حيث تنهى هذه الآية عن قتال من لم يقاتلوا المسلمين، بل تأمر بعودتهم ومعاملتهم بالمعروف والعدل، وإنما القتال شرع فقط لرد العدوان والدفاع عن الدعوة وحرية التدين. يؤكد ذلك سلوك رسول الله فى فتح مكة، وكان معظم من فيها من المشركين، فلم يأمر حضرته بقتالهم رغم ما ارتكبوه من ايذاء للمسلمين، ورغم أن المسلمين فى فتح مكة كانوا منتصرين ومحاصرين لمكة، الا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال قولته المشهورة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
القاعدة الثالثة: الإخوة فى الإنسانية وحقوق الإنسان:
تعتبر الحضارة الإسلامية هى ثانى أعظم حضارة شهدها تاريخ البشرية بعد الحضارة المصرية القديمة، ولم يكن نتاج هاتين الحضارتين من مبادئ أخلاقية ومعارف وعلوم فى كافة المجالات.. إلا ثمرة بعث حضرات رسل الله الكرام فى البلدان التى حلوا بها وعلى رأسها مصر، باعتبار حضراتهم مصادر المعرفة والعلوم الانسانية فى الوجود.
ومن ضمن ما بينه المولى عز وجل على أيدى رسل الله.. كيف يجب أن تكون العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين فى المجتمع، حيث يأمرنا جل وعلا بحسن العشرة والمعاملة الحسنة والمعروف مع غير المسلمين، وأيضا العدل والانصاف ورفع الظلم وعدم الانتقاص من حقوقهم مهما كانت العقيدة طالما لم يعادوا المسلمين.
أخلاقيات الإسلام فى الحرب:
ولأن الحرب والقتال يمثلان أشد حالات العنف، الا أن القتال يجب أن يكون فى إطار من القوانين واللوائح الأخلاقية التى تنظم سلوك المحاربين فى الحروب تجاه بعضهم بعضا. وأيضاً تجاه الشعوب التى تدار الحروب على أراضيهم ويكتوون بنيراها. وإذا كانت المدنية والحضارة الحديثة تزعم اليوم بأن اتفاقيات جنيف الأربع التى وضعت بعد الحرب العالمية الأولى هى نتاج هذه الأخلاقيات التى يلتزم بها المتحاربون، بما نصت عليه من حقوق الأسرى ومصابى العمليات الحربية وحقوق السكان المدنيين فى زمن الحرب وغيرها، وتباهى بها الغرب مدعين انها وليدة تحضرهم ونتاج أخلاقياتهم، إلا أن الأهم من ذلك أن هذه الاتفاقيات بما حوته من مبادئ وأخلاقيات قد تم نقلها عن الشريعة الإسلامية، التى يثبت التاريخ أنها أول من رتب حقوق للأسرى والمصابين والمدنيين، بل وللبيئة، ذلك لأن الإسلام بشكل عام هو أول من أسس لحضارة انسانية، عرف العالم منها كل القيم والأخلاقيات الرفيعة، هذا فضلا عن فارق جوهرى بين اتفاقيات جنيف والشريعة التى سنها الإسلام من خلال آيات كتاب الله وسنة سيدنا رسول الله، وجميعها كان لها تطبيقاً فى كل المعارك التى خاضتها الجيوش الإسلامية، ويتمثل هذا الفارق فى أن اتفاقيات جنيف هى اتفاقيات دولية ملزمة لجميع أطراف القتال، بينما القوانين والشرائع التى سنها الإسلام لم تكن ملزمة للأعداء، وانما ملزمة فقط للمسلمين أنفسهم.
1 نهج رسول الله فى الحرب:
حظر رسول الله على المسلمين فى الحرب: المغالاة فى القتل، والتمثيل بجثث الأعداء وقتل النساء والشيوخ والأطفال، كما حظر قتل الأسري، بل أوجب على المسلمين توفير العناية والعلاج للأسرى من الأعداء، والدفن الكريم اللائق لجثثهم. كما فرض حضرته ضرورة المحافظة على الممتلكات وعدم تلويث مصادر المياه وعدم قطع الأشجار أو إحراق الأرض.. وغيرها.
يتضح ذلك جليا من وقوف سيدنا رسول الله عند مرور جنازة، فلما أخبره أحد الصحابة بأنها ليهودي، أجاب حضرته «أو ليست نفساً خلقها الله».
وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن ذى مرحب الحضرمى واخوته وأعمامه وجميعهم غير مسلمين، «أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجهم «السوقي» بحضرموت، وكل مال لآل زى مرحب.. وأن أرضهم بريئة من الجور..» كما كتب رسول الله كتاب ذمة عهد الى أهل نجران النصارى نقله اليها ابن سعد فى طبقاته فيقول فيه: «كتب رسول الله لأسقف بنى الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت ايديهم من قليل أو كثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، وما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين».
العهدة المحمدية لأقباط مصر:
طبقا لتعاليم الإسلام السمحة أعطى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عهد أمان للنصارى فى مصر يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم وهو ما يعرف بالعهدة النبوية والمحفوظ صورة منها بمكتبة دير القديسة كاترين، بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها الى الاستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية وهذه مقتطفات من العهد نقدمها بذكرى مولد خير الأنام.
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله الى كافة الناس أجمعين بشيرا ونذيرا ومؤتمنا على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما، كتبه لأهله ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها فصيحها وعجميها معروفها ومجهولها، كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه الى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين لا يُغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يُهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيهم ولا يدخل شىء من بناء كنايسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين، فمن فعل شىء من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله، ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزية ولا غرامة، وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب، و هم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه ولا يُجادلوا الا بالتى هى أحسن ويحفظ «ويخفض» لهم جناح الرحمة، ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا ويعاونوا على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم با
لعهد».
وكتب على بن أبى طالب كرم الله وجهه هذا العهد بخطه فى مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلام وشهد بهذا العهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم أبوبكر بن أبى قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، على بن أبى طالب، عبدالله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، الزبير بن العوام، رضى الله عنهم جميعاً، وقد جاء هذا العهد حين أرسل النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» كُتبه فى السنة السابعة للهجرة 628 629م الى الملوك والأمراء مثل كسرى وقيصر والمقوقس نائب الرومان فى مصر يدعوهم للاسلام، ومعلوم ان الملك المقوقس أكرم رسول النبى وزوده بالهدايا الى النبى، وليس لرسول النبى طريق مختصر الى مصر سوى طريق سيناء المار بالدير فمن المعقول جداً أن يكون الرسول الذى أرسله النبى قد مر بدير سيناء ذهاباً وإياباً وأن رهبان سيناء قد احتاطوا لأنفسهم وأرسلوا معه وف داً يُطلع النبى على حال ديرهم ويطلبوا منه العهد تأميناً للطريق وصيانة لديرهم ومصالحهم، هذا من جهة الرهبان وأما النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» فمن المؤكد ان يكون قد أعطاهم العهد وأمنهم وأوصى بهم خيراً للأسباب الآتية:
علاقة سيدنا رسول الله بمصر
1 دير طور سيناء «دير سانت كاترين فيما بعد» هو فى طريق مصر من بلاد العرب
زيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لسيناء، وعلى أرض سيناء أرض الأنبياء والرسل وطأت أقدام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، جاءت زيارته الأولى قبل نزول الرسالة أثناء قيامه برحلات التجارة التى كانت معروفة برحلتى الشتاء والصيف، وتذكر أخبار الرحلات انه اتجه فى رحلة من رحلات الصيف الى الأرض التى تغرب عندها الشمس أرض أجداد من بنى عبد مناف، وبدأت زيارته لمركز هجرة بنى مناف من مصر بأرض منف الى الجزيرة أى الحجاز، وهى كلمة مصرية قديمة وتعنى الأرض المقدسة، مروراً بمخبأ العقيدة الذى تحول الى دير سانت كاترين فى العصر المسيحى، وفى لقائه مع رهبان الدير تقدموا له با لشكوى من البدو والأعراب الذين يسرقون ماشيتهم ويدمرون مزارعهم، فوعدهم أمير التجار وهو الاسم الذى كانوا يطلقونه عليه بالعمل على حمايتهم وعقيدتهم ويحتفظ دير سانت كاترين بوثيقة الوعد التى طبعها الرسول عليه الصلاة والسلام بكف يده الشريفة،و وعندما عاد الى مكة ونزلت عليه الرسالة وعلم كهنة دير سانت كاترين انه اصبح زعيم العرب وملك الصحراء أرسلوا اليه الرسالة الشهيرة التى يُذكرونه بوعده الذى ختمه بكف يده الشريفة، وبالفعل أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم رهبان سانت كاترين بسيناء وثيقة تعتبر علامة بارزة فى التسامح، والتساهل وحسن المعاشرة كانت هذه المعاهدات من قبائل الشام والعراق، واليمن ومصر لتأمين رحلات الشتاء والصيف.
2 ويمتد نسب الرسول صلى الله عليه وسلم الى سيدنا اسماعيل ابن السيدة هاجر المصرية عن طريق جده العاشر كنانة بن خزيمة بن عبد مناف، الملقب بالكنانى نسبة الى مصر أرض الكنانة، كما ان السيدة آمنة أم النبى صلى الله عليه وسلم هى بنت وهب بن عبدمناف، ويمتد نسب أجدادها الى أهل الكنانة من أرض منف، عندما سُذل الرسل صلى الله عليه وسلم عن علاقته بأرض الكنانة قال «إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل، واصطفى من بنى اسماعيل الكنانة، واصطفى من الكنانة بنى مناف واصطفى من بنى مناف قريشاً واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم، فلم أزل خياراً من خيار من خيار».
3 كما يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح نسبه الى أرض الكنانة، وخاصة الى أهل منف الذين هاجروا الى الجزيرة العربية ليقوموا ببناء الكعبة المشرفة، ونشر عقيدة التوحيد فى وطنهم الجديد من خلال حديثه الموثق حديث المجادلة مع الكهنة يهود مكة، وكانت نبوءات عقيدتهم تشر الى أن الرسالة ستنزل على اليهود يحملها رسول بنى اسرائىل فقال كبيرهم له: لماذا اختار الله العرب لينزل عليهم كتابه المقدس، ولماذا اختارك الله بالذات لتحمل الرسالة، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن الله اختار العرب واختار كنانة من العرب واختار قريشاً من بنى مناف، واختار بنى هاشم من قريش واختارنى من بنى هاشم فأنا خيار من خيار من خيار.
من هنا يمكنا ان نفهم مغزى أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العديدة عن مصر وأهلها وأبرزها:
الحديث الأول
12 «مصر كنانة الله فى أرضه.. من أرادها بسوء قصمه الله»، أى أن مصر منذ خلق الله تعالى الأرض كانت ولا تزال بحكم القدر الإلهى المقدور «كنانة فى أرضه»، المحافظة على دين الله «الإسلام» فى الأرض ضد أعدائها، ومن ثم فان كل من يريدها بسوء فإن المولى عز وجل هو المتكفل بأن يقصم ظهره، ولقد ثبت ذلك تاريخياً عندما تعرض الإسلام لأخطر ثلاث ضربات فى تاريخه.
الضربة الأولى: من الصليبيين فى الحروب التى دامت قرنين من الزمن كان المصريون هم من تصدوا لهم وهزموهم مرتين الأولى عام 1186 فى حطين والمرة الثانية كانت فى عام 1250 فى المنصورة، حيث اندحر الصليبيون وعادوا الى بلادهم يحملون رايات الهزيمة.
الضربة الثانية: من التتار الذين اجتاحوا العالم الاسلامى وأسقطوا حكم الخلافة العباسية، واقتربوا من حدود مصر عند غزة، فتصدت لهم مفرزة قتال متقدمة بقيادة بيبرس وهزمتهم هناك، ثم طاردهم حتى موقع المعركة الرئىسية فى عين جالوت، التى قادها الملك المظفر «قطز» فى 15 رمضان عام 658ه«1275م» قرب مدينة «بيسان»، وقضى على التتار فى يوم واحد وكانت هذه أول هزيمة فى تاريخهم، اذا تحولوا بعدها للاسلام وأسسوا دولة «المغول».
الضربة الثالثة والمستمرة حتى اليوم ضد الصهيونيين الذين قالتهم المصريون فى فلطين فى أربعة حروب.. أعوام 1947، 1956، 1967.. ثم كان الانتصار العظيم للمصريين فى حرب اكتوبر 1973 ولا يزال الصراع قائماً.
ونلاحظ فى هذا الحديث لسيدنا رسو لالله أنه يقول «من أرادها بسوء» ولم يقل «من أصابها بسوء»، أى أنه بمجرد أن تبدو نية الاساءة لمصر من قبل أعدنها، سواه فى الداخل أو الخارج»، فإن الله تعالى هو المتكفل بقصم ظهورهم، ناهيك أن نسبة مصر للذات الالهية فى الحديث الشريف «كنانة الله» يعنى أن مصر بحكم هذه النسبة بلد مقدس.
الحديث الثانى
2 «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا من أهلها جنداً كثيفاً، فهم خير أجناد الأرض، وهم فى رباط الى يوم القيامة» وهو ما يثبت أن أهل مصر على الدوام والاستمرار سواء عسكريين أو مدنيين هم خير أجناد الله فى الأ رض، وهذا بحكم ما وقر فى قلوبهم من إيمان صادق.
الحديث الثالث
3 «إذا فتح الله عليكم بمصر، فاستوصوا بأهلها خيراً، فان لكم فيها نسباً وصهراً»، حيث يكشف هذا الحديث الشريف الذى يستوصى فيه رسول الله صحابته بأهل مصر، بحكم ما لهم من خصوصية فى النسب والمصاهرة مع أهل بيت رسول الله، وهو ما برز فى زوجة حضرته «السيدة مارية» التى أهداها المقوقس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا اختيار أهل بيته مصر موئلاً وملاذاً فى حياتهم، ومثوى بعد مماتهم، ومنهم السيدة رينب والسيدة نفيسة وسيدنا الحسين، وصحابة رسول الله.. ومنهم الشاعر حسان بن ثابت، والقعقاع بن عمرو التميمى.. وغيرهم.
ولقد كان للإسلام السبق فى ايجاد نظام شامل للحرب يتسم بالرحمة والعدل وحسن المعاملة.. ففيما كان العمل فى البلدان غير الاسلامية الى عهد قريب قائماً على المعاملة بالمثل أو تهدد بها، إلا أن المسلمين لا يلجأون الى المعاملة بالمثل فيما حرمه الله عليهم من المثلى وقتل الأسرى الشيوخ والنساء مصداقاً لحديث الرسول «إياكم والمُثلى» ووصية حضرته الى عبدالرحمن بن عوف عندما أمره على جيش المسلمين».. أغزو جميعاً فى سبيل الله، ولا تغلوا «أى لا تخونوا» ولا تعتدوا ولا تتمثلوا ولا تقتلوا وليداً أو إمرأة أو شيخاً فانياً ولا منعزلاً فى صومعته، وضموا غنائمكم فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم». وفى وصية حضرته لخالد بن الوليد «لا تقتل ذرية ولا عسيفاً «أى أجيراً» ولا أصحاب الصوامع»، ويفهم من ذلك النهى عن قتل الرهبان والقساوسة طالما لم يحاربوا المسلمين.
كما أمر الاسلام بإكرام الأسرى مصداقاً لقوله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً»، «الإنسان 8»، ففى غزوة بدر قال الرسول لأصحابه بعد أن فرق بينهم أسرى الحرب ليحرسوهم فى رحلة العودة الى المدينة «استوصوا بهم خيراً»، كما نهى حضرته عن تعذيب الجرحى والأسرى وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا عباد الله»، ومن أداب الحرب فى الاسلام انه اذا أعطى عهد الأمان لأحد المحاربين من الأعداء وجب احترام هذا التأمين، ولا يجوز لأحد أن
يتعرض لذلك المحارب بأذى، مصداقاً لقوله تعالى: «وإن أحداً من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه» «التوبة6» كما كان رسول الله يجامل رسل العدو ولا يتعرض لهم بأذى.
وعن سماحة الاسلام مع المغلوبين، فلا يقول الاسلام مقولة الجيوش الأخرى اذا انتصرت «ويل للمغلوب». لأن المسلم لا يحارب لعصبية ولا لنزعة عنصرية، لا لانحياز اقليمى، وأو لمآرب اقتصادى ولكنه كما ذكرنا انفاً يحارب لمعنى انسانى عال، وهو فتح الباب للحرية الدينية ورحمة الله، ويكفى أن نتذكر قول رسول الله فى فتح مكة لمشركى قريش «ما تظنون انى فاعل بكم.. قالو: أخ كريم وابن أخ كريم، قال:٬ أقول لكم ما قاله أخى يوسف لإخوته: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين»، إذهبوا فأنتم الطلقاء».
3 نهج الخلفاء فى الحرب:
وبهذا النهج النبوى التزم صحابة رسول الله بسنة حضرته فى الحروب التى خاضوها عملاً بقول حضرته: عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، «عُضوا عليها بالنواجز»، وعلمنا منهم كيف يجب أن تكون العلاقة بين المسلمن وغيرهم وكيف انهم كفلوا لهم حرية ممارسة العبادة والحياة بشكل طبيعى والمحافظة على ممتلكاتهم وأموالهم ودور عبادتهم فها هو سيدنا أبوبكر الصديق يوصى خالد بن الوليد: «إذا نُصرتم فلا تقتلوا شيخاً ولا إمرأة ولا طفلا، ولا تحرقوا زرعاء، ولا تقطعوا شجرة، ولا تخربن عامراً، ولا تذبحوا بهيمة الا ما يلزمكم للأكل، ولا تعتدوا إذا هادنتهم، ولا تنقضوا اذا صالحتهم، وستمرون على أقوام فى الصوامع، ورهبان ترهبوا لله فدعوهم وما انفردوا اليه وارتضوه لأنفسهم، ولا تهدموا صوامعهم، ولا تقتلوهم، والسلام».
وعلى هذا النهج أيضاً سار سيدنا عمر بن الخطاب، وهو ما برز فى «العهدة العمرية» لبطريرك كنيسة القيامة فى القدس بعد فتحهعا، وبناء على طلبه، اذ قال فيها:٬ «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين لأهل إيلياء «القدس» من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم واموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، ألا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقض منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يُسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وما له حتى يبلغ مأمنه، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلما على أهل ايليا من الجزية.. ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع الى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شىء حتى يُصحد حصادهم، وعلى ما فى هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين اذا أعطوا الذى عليهم من الجزية شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبى سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة»، وكانت فقرة عدم سكنى اليهود بالقدس أو اقترابهم منها بناء على طلب بطريرك الكنيسة «صافرانيوس» وهو دليل اخر على سم الخلاق الاسلامية ومثل عليا أرقى ما عرفه التاريخ اثناء الحروب وان الاسلام هو أول من صاغ ورتب حقوق الإنسان فى زمن الحرب.
ولم يقتصر سلوك المسلمين فى السلم والحرب مع غيرهم والالتزام بما أمر به الله تعالى ورسوله على الخلفاء الراشدين وحدهم بل سلكه ايضاً صاحبة رسول، ومنهم خالد بن الوليد فى فتح دمشق حيث آمن أهلها على انفسهم وأموالهم ودور عبادتهم.. ومنهم أيضاً عمرو بن العاص فى فتح مصر، حيث رفق بأهلها وما رؤوه فيه من سماحة الاسلام الأمر الذى دفعهم الى الدخول فى الاسلام أفواجاً، كما كان كتاب عمر بن عبدالعزيز لعماله فى أرجاء البلاد الذى جاء فيه: «لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار»، دليلاً واضحاً على إتباع المنهج النبوى فى التعامل مع غير المسلمين.
هذا هو حقاً سلوك السلف الصالح فأين ذلك من سلوك من يدعون السلفية اليوم، الذين يضرمون نيران الفتنة فى جنبات المجتمعات الاسلامية بين المسلمين وغيرهم، ضاربين عرض الحائط بكل ما أرساه القرآن وسنة رسول الله وصحابته والسلف الصالح الحقيقى فى التعامل السلمى مع غير المسلمين، بزعم ان ذلك من السلفية، والسلفية الحقيقية براء منهم ومن فتاويهم الشيطانية التى تبث روح العداء والخراب والفساد فى المجتمعات الاسلامية وتقويض أركانها، وركائزها.
3 عقد الصلح:
قال تعالى: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» «الأنفال 61» وامتثالاً لأمر الله فى هذا الشأن، أمر رسول الله ومن بعده الخلفاء الراشدون بعقد الصلح مع الأعداء ما اقتضت الحال ذلك، وقضى بعدم رفض الصلح متى رغب المحاربون فيه.
أما شروط الصلح فيجب أن تكون مصلحة عامة، وألا يكون فيه إباحة ما تحرمه شريعة الاسلام أو ما يلقى بالمسلمين فى خزى.. وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً»، وقد انعكس هذا السلوك فى كل معاهدات الصلح التى عقدها رسول الله مع غير المسلمين ومن بعده الخلفاء الراشدون وقادة المسلمين فى الحروب التى خاضوها.. بدءاً بصلح الحديبية فى عهد حضرته مع مشركى قريش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.