ثورة يناير لم تصل بعد إلى وزارة الزراعة فما كان يتم قبل الثورة هو نفسه ما يمارسه الكثيرون فى إدارات وأجهزة الدولة، فقد أثبتوا أننا بحاجة إلى ثورة لتغيير العقول والمفاهيم لاستيعاب ما يجب أن يكون بعد ثورة اعتقدنا أنا تخلصنا عن طريقها من زمرة الفاسدين والمفسدين وأصحاب المصالح. النظر إلى مصالح المواطنين وتشجيع المستثمرين وإزاحة العقبات التى تواجههم هو مطلب أساسى لإعادة بث الروح فى اقتصاد يترنح وبلد مقبل على مجاعة بعد زيادة العاطلين وهروب المستثمرين وإغلاق المصانع. ولأن الثروة الحيوانية والداجنة هى مصدر البروتين ولأن توفير اللحوم الحمراء والبيضاء ضرورة حتمية لتلبية حاجة المواطنين وتوفيرها لهم بأسعار مناسبة مع دخولهم مسئولية الدولة، لذلك فإن العبث أو الإهمال أو التواطؤ لعرقلة مصادر هذه الثروة أو تلك يؤثر على حجم الإنتاج وعلى أسعاره.. وما يحدث فى قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة، خاصة فى إدارة الثروة الداجنة بوزارة الزراعة شىء يدعو للعجب ويثير العديد من علامات الاستفهام. فرغم أن القطاع هو قطاع تنمية الثروة إلا أن ممارسته عكس ذلك تماماً فقل إن شئت تخريب أو تدمير الثروة الداجنة التى تسير بخطى سريعة.. فمنذ أيام النظام السابق وبعد الثورة مازال مسلسل تدمير هذه الثروة مستمراً مع سبق الإصرار والترصد.. وما تقوم به الإدارة لم يكن تدميراً لثروة الداجنة فقط، ولكنه نموذج للقضاء على روافد مهمة لتنمية الثروة الداجنة لصالح مصالح ضيقة وحسابات شخصية كنا نعتقد أننا تجردنا منها فى مصر الجديدة. ما يتم مع المستوردين لكتاكيت البط من الخارج وما يتخذ من قرارات ليس له سوى دلالة واحدة هو تطفيش هؤلاء المستوردين لصالح شركتين تقومان بإنتاج هذه النوعية من البط بالداخل. هذه النوعية من البط تسمى البط «المولار» عمر يوم والتى يتم استيرادها من فرنسا. تسمين أم تحضين؟ بداية «اللعب» من قبل وزارة الزراعة وتحديداً إدارة تنمية الثروة الداجنة هو نوع الترخيص الذى بموجبه تمارس هذه الشركات العمل.. ففى البداية سمحت الوزارة بأن تمارس هذه الشركات من خلال ترخيص رسمى، عملية تشغيل العنابر الخاصة بتسمين دواجن وبعد دفع الرسوم المقررة واستخراج الرخص طلبت الإدارة من المستثمرين أن يتم تبديل الرخص التى يعملون بها من تسمين دواجن إلى «تحضين» أى «حضّانة» الكتكوت من عمر يوم إلى 15 يوماً، واستجاب المستوردون للتعليمات الجديدة وألقوا بالرخص التى تم استخراجها وقاموا باستخراج رخص جديدة خاصة بالتحضين ودفعوا الرسوم المقررة من قبل الإدارة، وهذه الرخصة تسمح بتحضين الكتاكيت، على أن يكون كل متر مربع فى العنبر لعدد 30 كتكوتاً. غرائب بعد استخراج التراخيص والعمل بموجبها فوجئ المستوردون بطلب غريب من إدارة الثروة الداجنة بتغيير الرخص مرة أخرى إلى تسمين دواجن بالمخالفة لطبيعة النشاط الذى يمارسه هؤلاء المستثمرون من حضّانة للكتكوت ليس أكثر من ذلك وأن التجار يقومون بشراء هذا الكتكوت عمر 15 يوماً وتسمينه وهذا هو عمل هؤلاء التجار وأصحاب المزارع وليس عمل المستوردين الذين ينتهى دورهم باستيراد الكتكوت والاحتفاظ به حتى انتهاء فترة الإجراءات الخاصة بالفحص للتأكد من سلامة الكتكوت من جميع الأمراض، خاصة إنفلونزا الطيور والإشعاعات وخلافه والتى تستغرق 15 يوماً وبعد ذلك يقوم المستورد ببيع هذا الكتكوت. سياسات للتطفيش إجبار المستثمرين على إلغاء التراخيص التى يعملون بها هى مجرد ألاعيب لتطفيش العاملين فى هذا المجال، وخراب بيوتهم حسب وصف عدد من المستوردين لهذا القرار بأنه تدمير لمستقبل هذه الصناعة فهل يعقل أن يكون لكل متر مربع فى العنبر 4 بدلاً من 30 كتكوتاً وهذا معناه أن الطلبية الواحدة تحتاج مئات بل آلاف العنابر لحضانة هذه الكتكوت الذى هو بالفعل عمل هؤلاء وليس التسمين كما تريد أن تعاملهم الوزارة. أرقام تشير الأرقام إلى أن استهلاك مصر من البط المولار 15 مليون بطة، وأن ما يتم إنتاجه محلياً 2.5 مليون بطة ويتم استيراد 12.5 مليون بطة من الخارج. كما تشير الأرقام إلى أن هذه الصناعة تدر على الدولة عائداً كبيراً وأول هذه الفوائد هو دفع مبلغ للشركة الوطنية للطيران «مصر للطيران» بواقع 5 جنيهات أجرة نقل عن كل كتكوت وبحسبة بسيطة فإن جملة ما يدخل لمصر للطيران نتيجة استيراد 12.5 مليون كتكوت هو مبلغ 62 مليوناً و500 ألف جنيه سنوياً، وما يتم سداده للحكومة نتيجة عمليات الاستيراد يقترب من 3 ملايين جنيه سنوياً وما يحصل عليه العمل المركزى للثروة الداجنة الذى يقوم بعمل الفحوصات وإجراء المعاينات اللازمة ما يقرب من مليون و250 ألف جنيه سنوياً، وما يتم توفيره من لحوم من هذه الصناعة 480 ألف طن لحم على اعتبار أن هناك 12 مليوناً و500 ألف كتكوت يتم تسمينها بواقع وزن للبطة الواحدة 4 كيلوجرامات، كما أن هناك أكثر من 100 ألف شخص يعملون فى هذه الصناعة وهؤلاء معرضون للتشرد وتشتيت أسرهم، بالإضافة إلى حالة الكساد والبطالة التى تعم البلاد. دعاوى واهية من المفارقات أن المسئولين فى قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة، خاصة فى إدارة الثروة الداجنة، قالوا لوزير الزراعة الجديد الدكتور صلاح عبدالمؤمن إن البط مصدر خطير لإنفلونزا الطيور، وهذا الكلام فى ظاهره حق ويحمل فى باطنه الباطل وتنفيذ أغراض شخصية لصالح أشخاص معينين. فإذا كانت وزارة الزراعة وعن طريق معاملها المركزية تقوم بعمليات فحص لهذه الكتاكيت، والتأكد من خلوها من أى أمراض وعدم حضانتها لأى أمراض سواء إنفلونزا الطيور أو إشعاعات وبعد التأكد من خلوها من جميع الأمراض وفحصها لمدة 15 يوماً، فهل هناك أى شك فى أن تكون هذه الطيور حاملة لمرض أو حاضنة لفيروس؟ الغريب أن الوزارة ليس لديها أى رقابة على الإنتاج الداخلى والتربية المنزلية، فى حين أن المستورد الذى يحمل شهادة من البلد المصدر وتقوم الوزارة بفحص الكتاكيت عن طريق المراكز المختصة بالتحليل والفحص التابعة لها لتتأكد من خلو هذه الطيور من أى أمراض تدعى إلا أن هذه النوعية من الطيور حاضنة لمرض إنفلونزا الطيور!! الدليل.. والإجراءات تقوم الوزارة وعن طريق أجهزتها المتمثلة فى الإدارة العامة للثروة الداجنة باستخراج موافقة استيرادية قبل وصول الطيور، ويتم التأكد من وصول شهادة من فرنسا وهى الدولة المصدرة بخلو هذه الطيور من الأمراض والإشعاعات بعد وصول الطيور إلى مصر يتم أخذ عينة عشوائية من كل رسالة تقدر ب15 كتكوتاً من كل رسالة. ويتم نقلها عن طريق مندوب الحجر البيطرى وتسلم لطبيب مديرية الطب البيطرى، وتبقى الرسالة تحت تحفظ الهيئة العامة للخدمات البيطرية حتى يتم تحصينها ضد مرض الإنفلونزا مرة فى عمر يومين ومرة بعد 13 يوماً. بعد خروج نتيجة المعمل المركزى لوزارة الزراعة وهو المرجعية الوحيدة فى مصر لفحص الطيور وإثبات خلوها من الأمراض يتم الإفراج عن الرسالة، وفى حالة ثبوت أى أمراض يتم إعدام الرسالة بكاملها، فبعد هذه الإجراءات هل يكون هناك تشكيك أو حديث عن أن هذه الطيور حاضنة لأى أمراض؟ المستفيدون هل غاب عن المسئولين بالوزارة كيف يكون مستوى الأسعار لهذه الطيور بعد تطفيش المستثمرين الذين يستوردون هذه النوعية من الطيور؟ تشير التوقعات إلى أن أسعار هذه النوعية من الطيور سوف ترتفع إلى الضعف فسعر الكتكوت سيتم بيعه ب18 جنيهاً بدلاً من 7 جنيهات هو سعره الحالى أى أن الزيادة تصل إلى أكثر من 150٪ وأصبح السؤال لمصلحة من هذا، فهل يتم هذا لصالح الشركات المحلية؟ كما أن هذه الشركات طاقتها الإنتاجية 2.5 مليون بطة سنوياً فكيف لها أن تغطى حجم الاستهلاك الذى يبلغ 15 مليون بطة. وهل تعلم الوزارة أن هذه الشركات المحلية تستورد أمهات هذه الكتاكيت من الخارج فهل هذه الأمهات غير حاضنة للأمراض كما يزعم المسئولون بالزراعة ويسوقون أفكاراً للوزير الجديد بهدف تنفيذ مخططهم واستكمال تدمير الثروة الداجنة فى مصر.. وتشريد أكثر من ألف عامل يعملون فى هذه الصناعة، فهل تستمر الوزارة فى سياسة تطفيش المستثمرين وتدمير الثورة الداجنة لصالح فئة معينة من أصحاب المصالح؟