قال الشعب كلمته. وتمت الموافقة علي التعديلات الدستورية بأغلبية تزيد قليلاً علي 77٪ وهي أغلبية واسعة وواضحة يسعد بها من قال “نعم” ويتقبلها من قال “لا”. والقدر المتيقين أن كلا الفريقين يريد دستوراً جديداً وأن اختلفا حول سبل الوصول إلي هذه الغاية. ولكننا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء أصبحنا في وضع جديد يحتاج إلي إعادة نظر في عدة مسائل. لنتفق أولاً علي أنه بمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء أصبحت التعديلات نافذة، وفقاً لنص المادة 189 من الدستور بل وفقاً للقواعد العامة باعتبار ان الشعب وحده صاحب السيادة وأنه يمارسها من خلال عدة وسائل من بينها الاستفتاء. وإن إرادته نافذة بمجرد الإعلان عنها. ولنتفق ثانياً علي أن هذه المواد التي شملها التعديل قد وردت في بطاقة إبداء الرأي بصيغتها قبل التعديل وبعده وبرقمها في دستور 71 أي أنها جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، ومقتضي ذلك ولازمه أن نفاذها لا يكون إلا في سياقها أو بعبارة أخري أن نفاذها يعني بالضرورة نفاذ دستور 71 كله. ولنتفق ثالثاً علي أن هذه النتيجة القانونية لا يمكن قبولها من الناحية العملية ولا السياسية لأنها تعني ببساطة انتهاء دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة قبل أن يفي بما تعهد به في إطار تلاحمه مع ثورة 25 يناير وإعلانه تأييده لمطالبها العادلة والمشروعة وعلي رأسها تغيير النظام السياسي، والتزامه باجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ولنتفق رابعاً علي ضرورة صدور إعلان دستوري يرفع هذا اللبس الذي يؤدي اليه عرض تلك التعديلات بالصورة التي عرضت بها، علي أن يؤكد هذا الإعلان الدستوري أن دستور 71 مازال معطلاً،وأنه سوف يظل كذلك حتي يفي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالاستحقاقات التي تعهد بها وهي انتخابات مجلسي الشعب والشوري والانتخابات الرئاسية. ولنتفق خامساً، علي أن الغرض من إجراء التعديلات التي وافق عليها الشعب يوم “19 مارس” هو ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت طوال العقود الماضية تأتي نتائجها معبرة عن إرادة الحاكم بصرف النظر عن إرادة الناخب. ومقتضي ذلك أن تُفصل تلك المواد التي شملها التعديل عن دستور 71. حيث أننا نحتاج إلي الارتكاز إليها في الانتخابات القادمة بينما لا يمكن إعادة سريان دستور 71 قبل انتهاء هذه الانتخابات علي الأقل. ولنتفق سادساً، علي أن الإعلان الدستوري المرتقب، أو الإعلانات الدستورية المتتالية، لا يمكن أن تكتفي بهذه المواد المعدلة وحدها لتنظيم المرحلة الانتقالية من اليوم وحتي الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية بل لابد من تحديد بعض القواعد العامة التي تحكم علاقة الحاكم بالمحكوم في الفترة الانتقالية بالاضافة الي القواعد العامة التي تحكم العلاقة بين مختلف سلطات الدولة، وخاصة العلاقة بين مجلس الوزراء والمجلس الأعلي للقوات المسلحة. ولنتفق سابعاً، علي أن هذه القضايا بالاضافة الي القوانين الأساسية التي نحتاجها لاجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتحديد جدولها الزمني لابد أن تكون محل حوار وطني واسع، حتي تأتي معبرة عن توافق عام، لابد من تحقيقه حول القواعد المنظمة لحياتنا السياسية في هذه المرحلة التي يولد فيها النظام السياسي الجديد. وأخيراً، فإن هذا الاستفتاء وبصرف النظر عن أثره القانوني سيبقي في نظرنا جميعاً سواء من قالوا “نعم” أو من قالوا “لا” علامة فارقة في حياتنا السياسية. فلأول مرة من عقود طويلة يتمكن الشعب المصري من التعبير عن إرادته بحرية كاملة حول الضمانات لنزاهة العملية الانتخابية. ولأول مرة أيضاً يتحمل وحده مسئولية تقرير مصيره اليوم وغداً. لقد تملك الشعب وطنه بثورة 25 يناير وعليه اليوم أن يبني بإرادته وبعقول أبنائه وسواعدهم، جميع أبنائه وبناته لا تمييز بينهم من أي نوع فالمواطنة وحدها دون غيرها هي مصدر الحقوق والواجبات، هذا هو أساس مصر الحديثة التي نريد، لنا ولأبنائنا وأحفادنا، وسوف نستطيع أن نحقق هذا الهدف رغم كل ما يمكن أن يعترضنا.. فمتي وجدت الإرادة تحققت المعجزات.