العمارة فى الأرض بطاعة الله والعز كل العز فى طاعة الله والذل كل الذل فى معصية الله، وقال بعض الصالحين، إن عمارة الأرض لا تجدي نفعاً إلا إذا اقترنت بالإيمان بالله وتحقيق العبودية له سبحانه، وإلا فهؤلاء قوم صالح بلغ بهم التقدم في البناء مبلغا عظيماً. حتى إنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين- يعني: معجبين بصنيعهم، متجبرين أشرين بطرين -، لكنهم عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسوله، وعقروا الناقة التي أرسلها الله إليهم آية، وأطاعوا " أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون"، فكان الجزاء : "فأخذهم العذاب"، وكان كذلك : "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين"… "فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون". وهذه سنة الله التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا… خلَق الله تعالى الإنسان لعبادته؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وحثَّه على العمل الصالح من أجل عمارة هذه الأرض؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، هذه العمارةُ تشمل كلَّ ما فيه نفعٌ وفائدة للفرد والمجتمع؛ فالمسلم كالغيث، أينما حلَّ نفع، ولا يرتكب ما يخالف هذه العمارةَ إلا مَن انتكست فطرتُه، فاستوى عنده العمَار بالخراب، والإصلاح بالإفساد. لقد سبَق المسلمين كثيرٌ مِن الأمم التي أخذت بأسباب هذا السبق؛ حيث تكاتفت وتعاونت، وأخذَتْ أمورها على محمل الجِد، فأعطاها الله تعالى على قدرِ اجتهادها، حتى ولو كان مقصدها الدنيا فقط، وهذا قانونٌ إلهيٌّ لا يتغير ولا يتبدل؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود: 15]، ولو أننا رجَعْنا بالذاكرة إلى تاريخنا الإسلامي الممتد عبر القرون وقارناه بعهدنا الحالي، لعلِمْنا الفرق الشاسع والبون الواسع بين العهدينز وما نحن فيه الآن من تقصير، والتاريخ ينبئنا أن الحضارةَ الإسلامية علَّمت الدنيا بأَسْرِها في الوقت الذي أطبق فيه الظلامُ على العالم أجمعَ، خاصة أوروبا، فيما يعرف ب: العصور المظلِمة، لا ينكر أحد ذلك، أو يجهله، مِن هنا أو هنالك. وإن عمارةَ الأرض تأخذ صورًا شتى؛ فهي تشمَل الزراعة، والصناعة، واستخراج ما في باطنها من كنوز وثروات، كذلك تشمل إعمال العقل في كلِّ ما يفيد هذه البشرية وتلك الإنسانية، فيحاول هذا الإنسانُ - بما أعطاه الله تعالى من عقل وعلم - أن يحوِّلَ الصحراء القاحلة إلى أرض خضراء ممتلئة بالزروع والثمار، كذلك عليه أن يسبَحَ في الفضاء ليستكشفَ ما به من أسرار، ويعرِف ما يفيده ليفعله، وما يضره ليتجنَّبَه. كل ذلك في إطار مِن التواضع لله تعالى، وعدم العُجْب والغرور بهذا العقل الذي قد يجرُّ صاحبه إلى الدمار والهلاك، ليس له وحده، ولكن للكون كله بما فيه؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس.