الثورة، في علم الاجتماع السياسي، هي التغيير الجذري، وصناعة نظام جديد مناقض للنظام الذي سقط، وإقناع الجماهير الثورية، بأن هذا النظام الجديد سوف يصلح كل أخطاء النظام الذي رحل، ويتجنبها، ولذلك لا يمكن أن نسمي ماحدث في مصر، بأنه ثورة، بل انتفاضة طال وقتها، حققت سقوط نظام وجاءت بغيره يريد استخدام نفس أدواته، ولا يجب أن نقول إننا فجرنا ثورة ناجحة محققة لأهدافها، بل قمنا ب «هوجة» عبرنا فيها عن سخطنا من لصوص استحوذوا علي السلطة، والثروة، والنفوذ، والأرض والسماء، ولم نحقق بغضبتنا عليهم الهدف الحقيقي من الخروج يوم 25 يناير، فقد كان يجب صناعة النظام الجديد فوراً بمنهج واضح وصريح هو «الليبرالية السياسية القائمة علي التعددية التي تسمح للجميع بالعمل والمنافسة علي السلطة بشفافية وديمقراطية حقيقة تسمح بالتداول لتسيير الأعمال في دولة مدنية تتسع للجميع».. ولكن ما حدث أن مصر الثائرة وجدت نفسها صباح يوم إعلان نتيجة المرحلة الأولي من انتخابات الرئاسة أمام خيارين يؤكدان فشل الثورة وتراجعها وعدم قدرتها علي تحقيق أهدافها «الخضراء».. فقد وجدنا الفائزين بالدخول في مرحلة الإعادة أحدهما يمثل النظام الراحل، والثاني يمثل نموذجاً دينياً أحادياً لجماعة لا تقل استبداداً ورغبة في تكريس السلطة في يديها! ولأن وصول كلا المرشحين لمرحلة الإعادة كان أخطر نتيجة سلبية في مواجهة الثورة، قلنا مراراً إن مصر القادمة ليست «بلد الثورة» وأنها أمام خيارين كلاهما أكثر مرارة من الآخر، وكانت أول معركة خاضها من يريدون لهذا الوطن خيراً، ضد تزييف وعي الناس، وترويج معلومات غير صحيحة، حول المرشحين لرئاسة الجمهورية، ولذلك قلنا في وقت سابق إنه لا أحمد شفيق يمثل الدولة المدنية ولا محمد مرسي هو مرشح الثورة، وكنا نقول هذا الكلام حتي يفهم الفائز منهما، أن الذين منحوه أصواتهم، كانوا يستهدفون إسقاط الآخر خوفاً منه، وليس قناعة وحباً في المرشح الذي ساندوه، وهذه هي أكبر كارثة شهدتها الانتخابات الرئاسية، عندما وصل إلي مرحلة الإعادة من يمتلكون الأموال والعلاقات الدولية، وليس من هو أفضل لهذه المرحلة.. وبالتالي.. ولأن الناس تعرف أنها منحت «نصف أصواتها» فقط لكل مرشح منهما.. أدرك تماماً أنه قرار ذكي، حتي لا يتمكن أحد من السيطرة وحده علي السلطة، فلا يمكن لحزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين، الاستحواذ علي السلطة، ومحاولة ابتلاع الدولة في «جوف» مكتب الإرشاد، دون مقاومة ممن أشعلوا الثورة، الذين عادوا لبيوتهم، منتظرين تحقيق أهدافهم، وإعادة الدولة لأصحابها الذين يدركون معني التعددية، وتداول السلطة، ويفهمون معني الثورة القائم علي التجرد، وعدم البحث عن مكاسب، سواء كانت هذه المكاسب مادية أو مرتبطة بالسلطة والنفوذ! أقول هذا الكلام بمناسبة الهجوم الذي يتعرض له المعارضون لحكم الإخوان في مصر من تكفير، وترهيب، وضغط اجتماعي يستهدف سمعتهم، وصورتهم.. بل إن حريات بعضهم أصبحت مهددة، في ظل نظام «حكم ديمقراطي تعددي»..وهذا الإرهاب الفكري الذي يمارس ضدهم هو قطعاً اختبار لمدي قدرة الناس علي الصمود، والمواجهة، وهو يتم في البداية مع بعض المعارضين، الذين يمتلكون نقاط ضعف، أو الذين تورطوا في علاقات مع النظام السابق من أي نوع، أو الذين تم تشويههم منذ وقت طويل بطريقة متراكمة ومنظمة، أما الذين هم أبعد ما يكونون عن هذه المنظومة سيبقون مقاومين، ومانعين لمحاولات الاستحواذ لأن هذا قدرهم، الذي ينتظره منهم الناس في وطن لن يعود للانغلاق، ولن يصبح مملوكاً لفئة صغيرة كما كان.. فلا الإخوان ولا غيرهم، يستطيعون العودة بمصر إلي مرحلة حسني مبارك، لأن الثورة التي قامت، مازالت «حية» والثوار مازالوا في انتظار فرصة حقيقية لاستعادة ثورتهم «الليبرالية» التي تستهدف صناعة دولة مدنية حقيقية، لا دينية ولا عسكرية، وهذا الكلام نقوله بوضوح في مواجهة من يعتقدون أنهم سرقوا الثورة،ويتصورون أنهم قاموا بإقناع هذا الشعب، بارتداء «السلطانية» بإرادته، لكن الحقيقة التي يجب أن يفهموها، هي أن هذه الأمة أكبر من حزب أو تيار أو جماعة أو مؤسسة، هي وطن يتسع للجميع رغماً عن الكارهين، والمستبدين، والراغبين في وراثة نظام مبارك بكل مساوئه، واستبداده، واستحواذه، وعناده! المطلوب الآن من كل القوي الحية في المجتمع أن تدرك حجم المسئولية الوطنية الملقاة علي عاتقها، ويجب أن نتنازل عن الرفاهية الفكرية التي تجعلها تقبل العمل مع هذا وترفضه مع ذاك، علينا أن نتوحد من أجل تحقيق هدف مشترك يسمي «الدولة المدنية» وعلينا ألا نخشي قوة أو بطشاً، لأن صناعة الفرعون تبدأ عندما يخطئ ثم تتركه ليحصل علي فرصة جديدة من الاستبداد، يجب أن نمتلك وسيلة حساب يومية للحاكم، هذا حقنا، وهو ما نمتلكه حقاً، وفعلاً، وواقعاً، عليه أن نقول له كل يوم أصبت هنا وأخطأت هناك، يجب أن نعرف أنه موظف عمومي يحصل علي راتبه من ميزانية مملوكة لجموع المواطنين، وليس مالكاً لبلد يفعل فيه ما يريد! لا تخش التشويه، ولا تتراجع أمام الشتائم، قل رأيك بلا خوف، لأن هذا وطنك ولا يستطيع أحد أن يسلبك حقك فيه!