إذا غابت قواعد اى مهنة، فشلت فى أداء رسالتها، واستغلت فى أشياء غير أهدافها، وإذا لم يسع روادها والمؤمنون بمبادئها تدهورت مكانتها، وضاعت هيبتها، وظهرت عيبوبها، واستحقرها المجتمع، ومن أهم أسباب ذلك ضياع الرقابة الذاتية لأصحابها، وعدم التقيد بالأصول، والمبادئ، والقيم، وما يرتضيه المجتمع، وما يرفضه، فلا توجد حرية مطلقة، فلها سقفها، المحدد بمنافعها، ومحاولة البعد عن مساؤها، فإذا اخترقت بغير أصحابها، واستحوذ عليها المصلحة الشخصية، وإذا طالها المال والسلطة، تضررت، واعيت، وتحتاج للعلاج بالرجوع إلى أساسها، وما بنيت عليه، لتؤدى دورها، وتحقق أهدافها، إن تلك المبادئ، تتعلق بأى مهنة، صغرت، أو كبرت، فكل المهن تكمل الأخرى، ولا توجد مهنة ليس لها دور فى المجتمع، فإذا غابت أو قل القائمون عليها، أو هجرت من أصحابها، استشعر المجتمع بالخلل، فلكل احترامه، وقيمته فيما يقدمه، من تطور وقيمة للمجتمع، إلا أن لبعض المهن تأثيرًا أكبر، وخطورة أشد، فى إيجابياتها، وسلبياتها، ولعلى هنا أتحدث عن الصحافة والإعلام، فهو لسان النخبة، وناقل هموم ومشاكل الناس، وناشر القيم والمبادئ، فإذا علت مهنة الأقلام، علت الأمة وتقدمت، فكيف لأمة أن تنهض بثقافتها وأقلامها لم تكن فى مصاف الرقى وتثقيف المجتمع.. وبلا شك الإبداع، كله يحتاج للحرية، وعدم التقيد، لكن أيضًا يحتاج لعدم الإسفاف، والفوضى، والتهكم على مبادئ وقيم الأمة، وضياع أخلاقها، وانحدار رؤيتها نحو المستقبل، فتكون وراء الكثير من مثيلاتها، من الأمم، ولرب قلم واحد يعادل أمة، وأيضًا رب قلم تضيع به أمة. إننا أمام مشهد عجيب يحتاج لتفسيرات، فأصبحت حرية الرأى هى السب والقذف، والتعرض للأشخاص والأديان، بما لا يليق، فنرى كتاباً، وكتابات، يومياً منشورة فى عدة صحف، إذا قرأت ما فيها، لم تخرج بمعلومة أو خبر مفيد، أو فكرة، أو نقد موضوعى، أو ثقافة، أو علم، أو تعليم، إنما تخرج بأن للكاتب اتجاهًا هو التشهير بالآخرين، ويستند على (حرية الرأى)، فعندما يتعرض رئيس الدولة، إلى الإهانة، فإنها إهانة للدولة، ولشعبها، وعندما يتعرض الدين للإهانة، فإنه امر مهين لكل معتنقيه، وعندما تتعرض القيم والأخلاق للإهانة، فإن الأمر يتعلق بالإساءة إلى الأمة، فهل هذه(حرية رأى)؟، وهل هؤلاء الكتاب يمارسون الموضوعية والنزاهة وشرف المهنة وقيمة القلم؟ لا أعتقد ذلك، فالأمر يتعلق بضروريات، لدى هؤلاء، إن ينتهجوا هذا الأسلوب حتى يحققوا لأنفسهم، ومن يملى عليهم، أهدافًا ومصالح غير شريفة، يستحقرها المجتمع، ويرفضها الشرفاء، فلم يصل بنا الانحطاط الى هذه الدرجة، لكن هذا التعريج على الواقع الصحفى، ومثيله الإعلامى، يلزمه الردع، اتقاءً لشره، ومنعه من محاولة هدم بنيان مجتمع متماسك، ومنعه من محاولة تهييج الناس والنفوس الضعيفة لإحداث انشقاق وفتنة، ونشر أكاذيب، وأخبار لا علاقة بها بالواقع، ويحتاج هذا لقانون صارم، ورادع، ومراقبة، يحتاج لمراقبة طالما غابت مراقبة الأنفس، وضاع الضمير، وغابت الأخلاق، وانتشر الفساد الى درجة لا تقبل، ولا يطيقها الغالبية، يجب ضبط تلك الأقلام بالقانون ومنع انتهاكاتها، ومصادرة تلك الصحف، التى تتجاوز، وإلا ستصبح فوضى . إننا لسنا أمام (حرية رأى)، بل هى (بلطجة)، لا يقل إجرامها عن (قطاع الطرق)، فهذا إجرام وهذا إجرام، بل إجرام القلم أفطع، لأنه يتعامل مع العقول، ويهدم النفوس، ويخرب القيم والمجتمعات، ولا أعتقد أن هؤلاء سوف يتراجعون بأنفسهم، بل سوف يتمادون، طالما هناك مبرر، ولا يوجد حاكم او ضابط، إن لتلك الاقلام سمومًا، فلا يمكن السكوت عليها.. فيا مصر يا جميلة، يا بلد الثقافة والحضارة والقيم، يا بلد التسامح والأديان، أوصل بك الحال الى هذا الانحدار، أن تكون نخبتك أمثال ابو حامد وبكرى وعكاشة؟ وأن يكون صحفك الفجر والدستور واليوم السابع.. وغيرها من الصحف الصفراء، وأن يكون إعلامك إبراهيم عيسى وتلاميذه.. لك الله يا مصر وحفظك من كل سوء. الكاتب الصحفى والمحلل السياسى والاقتصادى