رئيس هيئة الأنفاق ل الشروق: لا زيادة في أسعار تذاكر المترو حاليا.. والهيئة تبحث حلولا لأزمة الفكة    "العلوم الصحية" تدعم جهود الصحة الرقابية على الأسواق في الاحتفالات بالعام الجديد    متحدث تركي: «قسد» لا تتخذ خطوات فعلية للاندماج في المؤسسات السورية    الدفاع المدني في غزة: نسبة الدمار تجاوزت 85% وبعض المناطق أُبيدت بالكامل    النائب أحمد الشرقاوي: دبلوماسية مصر في 2025 أعادت ضبط بوصلة الإقليم ورسّخت دورها كقوة توازن فاعلة    خروج 69 ألفا من إسرائيل خلال 2025.. إحصاء للاحتلال يكشف التفاصيل    عصام مرعي: مشكلة الزمالك في التعاقد مع اللاعب «أبو قرشين»    السيطرة على حريق مخزن أوراق فى الساحل دون إصابات.. صور    ضبط قائد سيارة تصادم عمداً بدراجة نارية فى الشرقية بعد تداول فيديو    حصاد 2025| نتائج مخيّبة ل كهرباء الإسماعيلية.. ودع الكأس ويصارع الهبوط    حصاد 2025| حرس الحدود في المنطقة الدافئة بالدوري.. وينافس في كأس مصر    محافظ الأقصر يفتتح مدارس ومنشآت تعليمية بالزينية    أبو المحاسن: مرحلة جديدة في الحياة السياسية وعودة المواطن كمحرك رئيسي    فوضى في امتحان البرمجة لليوم الثاني ..وأولياء الأمور : فشل وإهمال واستهتار بمستقبل الطلاب    بشرى سارة لأهالي أبو المطامير: بدء تنفيذ مستشفي مركزي على مساحة 5 أفدنة    جامعة العاصمة تنظم الاحتفالية السابعة للبحث العلمي لعام 2025    المحكمة العربية للتحكيم تطلق ملتقى الوعي الوطني لشباب الصعيد    رئيس جامعة المنوفية يتابع امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية العلوم    وزير المالية: خفض80 دولارًا من «مقابل الميكنة» عن كل شحنة جوية واردة    الحكم على 60 معلمًا بمدرسة بالقليوبية بتهمة ارتكاب مخالفات مالية وإدارية    باحثة سياسية تكشف أبرز السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي في لبنان    بيت الزكاة والصدقات يعلن دخول القافلة الإغاثية 13 لغزة عبر منفذ رفح فجر اليوم    إنجازات التجديف في 2025، ميدالية عالمية ومناصب دولية وإنجازات قارية    مستشفى إبشواي المركزي بالفيوم يطلق مبادرة "المضاد الحيوي ليس حلا"    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وأصلح ولاتتبع سبيل المفسدين 000؟!    محافظ الدقهلية: دراسة تطوير منزل أم كلثوم بمسقط رأسها    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    أبرز إيرادات دور العرض السينمائية أمس الثلاثاء    البنوك إجازة في أول أيام 2026 ولمدة 3 أيام بهذه المناسبة    مدبولي يوجه بسرعة الانتهاء من الأعمال المتبقية بمشروعات «حياة كريمة»    مجلس الوزراء: تراجع ديون شركات النفط الدولية تدريجيا 2025 بفضل الخطة المالية    اجتماع مفاجئ بين الرئيس السيسي والقائد العام للقوات المسلحة    تصعيد إسرائيلي شمال غزة يدفع العائلات الفلسطينية للنزوح من الحي الشعبي    البدوى وسرى يقدمان أوراق ترشحهما على رئاسة الوفد السبت    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    ضبط 150 كيلو لحوم وأحشاء غير صالحة للاستهلاك الآدمي ببنها    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    «حافظ على نفسك»    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة.. 2026 عام الاحتفال بالفنانين المعاصرين    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بحلول العام الميلادي الجديد    برنامج " لا أمية مع تكافل" يسلم 100 شهادة محو أمية للمستفيدين بالمناطق المطورة    استهدف أمريكيين أصليين وخط مياه.. تفاصيل فيتو ترامب الأول بالولاية الثانية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    ضبط 393 متهمًا وكمية ضخمة من المخدرات والأسلحة في حملات أمنية    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    الحكومة تصدر قرارًا جديدًا بشأن الإجازات الدينية للأخوة المسيحيين| تفاصيل    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    الدوري السعودي - مدرب الاتفاق: حصلنا عل نقطة من فم الأسد.. وفينالدوم لعب وهو محترق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميل مطر يكتب :سيناء وراعي الغنم
نشر في الوفد يوم 23 - 08 - 2012

في ركن قصيّ من الشرق الأوسط دخل راعي غنم إلى كهف ليستريح بعيداً عن الشمس الحارقة . وبينما هو يستعد بعد القيلولة لمغادرة الكهف عائداً إلى قطيعه عثر على خاتم . دفعه الفضول ليضعه في أصبعه فإذا به يدرك أنه، وأقصد الراعي، اختفى . جلس يفكر في حاله وفي ما هو فاعل بمستقبله . اكتشف أنه غير راض إطلاقاً عن حياته البسيطة وقرر أن يتخلى عنها ويبدأ حياة جديدة . كان أول ما خطر على باله أن يقوم بغواية امرأة الملك ويخطط معها لقلب نظام الحكم . وفي الليلة ذاتها وضع الخاتم في أصبعه وذهب إلى القصر . مشى بين الحراس ولا أحد يراه حتى وصل إلى غرفة نوم الملك واتجه نحو فراشه وقتله . وفي الصباح التالي تزوج الملكة وأصبح هو نفسه ملكاً على البلاد .
تدور في الولايات المتحدة منذ سنتين أو أكثر نقاشات بشأن مسألة استخدام الطائرات من دون طيار، المعروفة باسم “درون”، في الحرب ضد “الإرهاب”، تكثفت النقاشات مؤخراً عندما أعلنت شرطة ولاية تكساس عن نيتها شراء عدد من هذه الطائرات لاستخدامها في مطاردة الخارجين عن القانون، وإن كان هدفها الأساسي، كما يقول المتخوفون، التجسس على المواطنين في بيوتهم ومزارعهم ومكاتبهم .
كتب طوني جونود Junod في مقال نشرته مجلة “سكواير” واسعة الانتشار يتهم الرئيس باراك أوباما بأنه قاتل، وأن رئاسته ستدخل التاريخ باعتبارها رئاسة “فتاكة” ومتوحشة لأنها توسعت في استخدام هذا السلاح الوحشي، وحولت مسار الحروب نحو وجهات شديدة الخطورة .
في الوقت نفسه، كتب سكوت شين Shane في صحيفة “نيويورك تايمز” يدافع عن استخدام “الدرون” باعتباره السلاح الذي استبدل القصف على نمط دوسولدروف، حين دمرت الطائرات الأمريكية مدينة دوسولدورف ومدناً أخرى في ألمانيا مثل درسدن، تدميراً عشوائياً وجعلت عالي المدن واطيها، استبدلته بالقصف “النظيف” والدقيق للغاية الذي تقوم به طائرات “الدرون” الممنهجة سلفاً والمعدة تكنولوجيا للقيام بهذه “الجراحات الدقيقة”، هذا النمط، نمط “الدرون”، يقلل، حسب رأي الكاتب شين، من خسائر طرفي الحرب إلى أدنى حد ممكن . يضيف آخرون أنه لا يوجد سلاح آمن 100% لا يقتل المدنيين، وإن جاء رد الرافضين لاستخدام هذا السلاح محذراً من أن دقة الانتقاء بين مدنيين ومسلحين قد تلجئ الخصم إلى استخدام المدنيين دروعاً بشرية لعلمه بأن طائرات “الدرون” تتفادى المدنيين .
وكعادة التقارير التوفيقية التي تصدرها الأمم المتحدة، خرج عنها منذ عامين تقرير يشكك في قانونية غارات طائرات “الدرون” “خارج مناطق الصراع الساخنة”، يقصد خارج أفغانستان والعراق . بمعنى آخر، توافق الأمم المتحدة على استخدام أمريكا لهذه الطائرات في مناطق حروبها، ولكنها لا توافق على أن تستخدمها دول أخرى، لذلك بدت تصريحات المسؤولين الأمريكيين المؤيدة لاستخدام “الدرون” كما لو كانت تحاول إقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بأن حروب “الدرون” التي تشنها الولايات المتحدة في أنحاء متفرقة من العالم حروب مشروعة ولها سند في القانون الدولي العام .
الميجور شارل كيلز Kels كتب في مقال نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية Journal of Armed Forces في عددها الصادر في شهر يوليو/تموز الماضي يدافع عن استخدام “الدرون” . ويرد بمبررات وسوابق، يلخصها في النقاط التالية:
1 أحداث سبتمبر/أيلول في نيويورك والتشريعات ضد الإرهاب التي صدرت في أعقابها، ولا تزال تصدر .
2 حق الدفاع عن النفس باستخدام هذه الطائرات ضد عدو “لا يمتلك صفة ومسؤوليات الدولة”، وبشكل خاص في حالة تقاعس الدول التي تقيم على أرضها هذه القوى غير الشرعية عن محاربتها، ويحدد مثالين: اليمن وباكستان .
3 اعتناق القوات المسلحة الأمريكية مبدأ الرئيس السابق بوش في تصنيفه دول العالم وشعوبه بين حلفاء وخصوم . “معنا أو ضدنا” .
4 القتل الهادف ليس اغتيالاً، وهو وليس من نوع القتل الذي حرمته اتفاقية لاهاي . القتل في الحروب ليس جريمة، لأنه قتل هادف والضحية مستهدفة .
5 الأصل في النظريات الأمريكية للدفاع هو أن أمريكا حالياً في حالة حرب مع تنظيم “القاعدة” وستبقى هكذا لمدة طويلة جداً . وحينما يوجد تنظيم للقاعدة في دولة من الدول تصبح أرض هذه الدولة ساحة مفتوحة ومشروعة لغارات حربية أمريكية .
أرجو أن يتوقف عند هذه النقطة الأخيرة الكثيرون، وبخاصة هؤلاء المصريون الواعون لخطورة ما يحدث فينا وعندنا ومن حولنا، ليس فقط لأن التقارير الأمريكية الأخيرة تؤكد وجود فروع لتنظيم “القاعدة” في الصومال وإثيوبيا وكينيا ودول غرب إفريقيا، ابتداء من حدودها مع الجزائر والمغرب وموريتانيا شمالاً حتى نيجريا جنوباً، فضلاً عن حرب دائرة فعلاً بين الولايات المتحدة وما يوصف بأنه فرع لتنظيم القاعدة في اليمن، كل هذه التقارير تخصنا، ويجب أن تخصنا، لأنها تتعلق بمنطقة الجوار الحساس، ولكن ما يخصنا بشكل أساسي هو طلائع حملات إعلامية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية للإيحاء بوجود فعلي وحيوي لتنظيم “القاعدة” في شبه جزيرة سيناء، بمعنى آخر يمكن أن تصبح سيناء بأكملها، وما وراءها، أرضاً مباحة لغارات “الدرون” الأمريكية، وساحة حرب، رضينا أم أبينا .
أمس الأول صرح بن إيمرسون المقرر الخاص في الأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بأن أمريكا تواجه ضغوطاً عالمية متصاعدة بسبب الغارات التي تشنها طائراتها من دون طيار، ويتعين عليها من الآن فصاعداً أن تقدم إلى المجتمع الدولي تقريراً مصوراً عن كل غارة قامت بها طائرة “درون” أمريكية في أي منطقة من العالم .
أعود إلى قصة الراعي، الرجل الذي استخدم الخاتم ليقتل الملك ويتزوج بامرأته . لم يخبرنا أفلاطون بتفاصيل جريمة القتل، ومع ذلك نستطيع أن نقدر كم كانت وحشية وعنيفة . ومع ذلك لا بد أن نشترك مع أفلاطون في الاعتراف بأن النهاية كانت سعيدة فقد صار الراعي ملكا وحظي بالملكة الفاتنة زوجة له .
ومع ذلك، تبقى إشكاليات قصة أفلاطون قائمة وكثيرة، فالقصة تستبدل التبرير الأخلاقي بالكفاءة المذهلة، كفاءة الخاتم والغواية والعمل الوحشي وسرعة الإنجاز . بمعنى آخر، لا يجوز أن نتوقف عند خلاصة تقول إن الجريمة وقعت وبسرعة ومن دون خسائر جانبية ولم يقتل مع الملك شخص غيره واكتملت العملية في لمح البصر، وانتهى الأمر .
الإشكالية الأخرى، هي في أننا، حسب قصة أفلاطون، نكون قد ألقينا باللائمة كلها على الخاتم، أي على التكنولوجيا، ولم نهتم بالراعي الذي استخدم الخاتم أو بالقيادة السياسية والعسكرية التي حللت استخدام “الدرون” للقتل . راعي الغنم في قصة أفلاطون لا يتحمل الوزر . بل إننا حين نسكت عن الراعي وفعلته نكون قد اعترفنا بحقه في الحصول على المكافأة لأنه نجح وحقق غايته، وبعضنا قد يحسده ويتمنى أن يحصل على خاتم مثله . ألم يخرج الراعي سليماً بعد أن حقق غرضه؟ ألم تخرج الولايات المتحدة سليمة بعد أن قتلت طائراتها “الدرون” من قتلت من المسلحين ولكن أيضاً من المدنيين الأبرياء في باكستان واليمن والصومال والأوغادين وغيرها .
لم يخاطر راعي الغنم بحياته وقتل من قتل وخرج سليماً وسعيداً . كثير من رعاة الغنم لن يهنأ لهم بال حتى يحصلوا على الخاتم، أي على التكنولوجيا التي تحقق لهم ما تحقق لراعي أفلاطون . أمريكا تستطيع أن تفخر بأنها بهذه التكنولوجيا، تكنولوجيا الطائرات من دون طيار، عسكرت ثورات وانتفاضات كان يمكن أن تستمر سلمية، وعسكرت مهنة الجاسوسية حين قررت أن تقيم فوق كل حي أو قرية طائرة “درون” تراقب وتسجل وتقتل، وها هي الآن تعسكر مهنة الأمن المدني حين شجعت أقسام الشرطة على حيازة طائرات “درون” لمراقبة الأهالي وضبط حركتهم والسيطرة عليهم .
أتوق لمعرفة الموقف المصري من احتمال أن تعرض الولايات المتحدة “حليفنا الاستراتيجي” شن غارات بطائرات “الدرون” في طول سيناء وعرضها لمكافحة الإرهابيين الجدد، ومن احتمال أن تطلب إقامة قاعدة لهذه الطائرات على أراض مصرية .
نقلا عن صحيفة الخليج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.