بدأت الدعوة الإسلامية علي قلب النبي محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم، إذ جاءه الوحي قائلاً: اقرأ.. وبدأت المسيرة علي جسر الزمن، وكانت الكلمة الأولي في حركتها الأبدية قول المولي عز وجل إلي نبيه: «وأنذر عشيرتك الأقربين»، بدأ يواجه بدعوته بالحكمة والموعظة الحسنة شعاب مكة، ما بين من آمن بها منذ لحظتها الأولي، أبوبكر الصديق، وآل ياسر والذي خاطبهم الرسول وهم يعذبون ولكنهم يرتلون: أحد.. أحد: أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وكان من الأطفال علي بن أبي طالب والذي افتدي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الهجرة، «ونام علي فراشه، يجود بالنفس إذا ضن الشجاع بها، والجود بالنفس أسمي غاية الجود». وبدأت كلمات الحق تنتشر عبر الدروب تماماً كأشعة الشمس ضوءاً ونوراً وإيماناً.. البداية كانت مع قومه ثم بدأت الدعوة تعلن عن جوهرها وبدأت تدخل القلوب وتصدق عليها العقول ومن مكة إلي المدينة والعودة إلي مكة، و«إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا». وحديثنا اليوم عن «عالمية الإسلام». ارتبطت الدعوة الإسلامية بالدين الإسلامي، كانت الدعوة الأولي إلي النبي صلي الله عليه وسلم «وأنذر عشيرتك الأقربين» فكان الداعي وكانت الدعوة، بداية إقليمية ثم سرعان ما انطلق صوت الإسلام يملأ ربوع الدنيا. وكما ارتبطت الدعوة بالدين، فقد ارتبطت بالشريعة أيضاً وهي آتية من عمق الدعوة ذاتها وفي شمولها. وحين نتعرض لهذه القضية فإننا نشير - قبل كل بيان - إلي أنه لا تعارض البتية بين أن يدعو الإسلام إلي «وحدة في الدين» وقيام «الحكومة العالمية» إذ إنه لا يتعارض الأخذ بحكومة عالمية من أن يكون لكل شعب من الشعوب أنظمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً تشريعية بما يتلاءم مع ظروفه الخاصة، في نطاق المبادئ الإسلامية العليا. ولا شك أن الدعائم التي قامت عليها العلاقات الإنسانية في الإسلام خير ما يزكي عالميته: أولاً: الإنسان خليفة في الأرض، وأن الله سخر له من في الكون وجعله تحت سلطانه.. «كلكم لآدم وآدم من تراب»، و«لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي». «وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا». ثانياً: الناس جميعاً أمة واحدة في عين الإسلام: «وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان».. والإخوة في الإسلام بجانب الإخوة الدينية هي «الإخوة الإنسانية».. «والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». وتعاليم الإسلام في السلم كما في الحرب: «ما بال أقوام جاوز بهم القتل اليوم حتي قتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية». ومن وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لجنده: «سيروا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا أعداء الله، ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تنفروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً»، «ولا يعترض أحدكم أسير أخيه فيقتله». من الأصول الثابتة في الإسلام أنه «رسالة عالمية» في المكان والزمان نسخت ما قبلها وما عاصرها من شرائع، ونتيجة لهذا التصور فإن أحكام الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق دون غيرها في سائر أنحاء العالم وإلي أبد الآبدين ودهر الداهرين إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وجاء القرآن الكريم - دستور المسلمين - مؤكداً ما عرضناه وشرحناه: «قل يا أيها الناس - يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغة القرآن - إني رسول الله إليكم جميعاً». «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً». «هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله». «تبارك الذي أنزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا». «إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين». «إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول علي الكافرين». «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». ونفتح بعد ذلك صحائف من نور لهؤلاء من الأجانب ومن شتي الدول الذين اعتنقوا الإسلام، ثم نتوجه بما قرره المستشرقون تدعيماً لعالمية الإسلام.