أهم قرار ضمن جملة القرارات التي أصدرها الرئيس محمد مرسي يوم الأربعاء 8 أغسطس الجاري هو إقالة مدير المخابرات العامة اللواء مراد موافي. أتمنى أن يكون الرئيس هو من فكر وقرر ووقع مثل هذا القرار. لأنه بذلك سيكون قد بدأ أول خطوة في ممارسة حقيقية للسلطة ، وفي المحاسبة الجادة على الأخطاء رغم أن ما حدث في رفح هو كارثة للوطن وللجيش تستوجب محاسبة رؤوس أكبر، فما تضيع الأوطان إلا بالتساهل مع المخطئين أو بمراعاة التوازنات والحسابات والصفقات والمواءمات أو لأن اليد مرتعشة عن اتخاذ القرارات الضرورية ولو كانت مؤلمة، ومن أسف أن مصر يسودها مناخ الفوضى والاسترخاء واللامحاسبة رغم أن ذلك ضد منطق التغيير الناتج عن الثورة وبناء عهد جديد يقوم على التطهير والشفافية والبعد عن المجاملات. الثلاثاء الماضي طالب حزب الجبهة الديمقراطية الرئيس مرسي بإقالة مدير المخابرات باعتباره يقف على رأس المسئولين عن الحادث بحكم طبيعة عمل الجهاز الذي يرأسه والمعني بجمع المعلومات والتنبؤ بالأخطار التي قد تواجه البلاد، ووضع خطط المواجهة، ومنع حصولها، وقد تصورت أنه طلب تعجيزي هدفه إحراج الرئيس حيث لن يكون جريئا على اتخاذ مثل هذا القرار، لكن ثبت بعد 24 ساعة فقط أنه ليس هناك شيء معجز، وأن الرئيس إذا أراد فعل. إنما خشيتي أن يكون المشير طنطاوي وزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان هما اللذان طلبا إقالة موافي وأن دور الرئيس انحصر فقط في توقيع القرار ، لأن ذلك سيعني أن الرئيس أسير بالفعل للقادة وأنه مجرد منفذ لتعليماتهم وأن صلاحياته في شئون الأجهزة الأمنية ، والمؤسسة العسكرية تكاد تكون منعدمة . مثلا تسربت معلومات بأن قرار إغلاق معبر رفح إلى أجل غير مسمى عقب الجريمة الإرهابية صدر من القادة العسكريين وليس من الرئيس بما يعني تجاوز سلطات الرئيس أو أن سلطاته كقائد أعلى للقوات المسلحة شكلية. مدير المخابرات مراد موافي كانت له تصريحات لافتة وقد وصفتها بأنها كارثية حول وجدود معلومات لدى الجهاز عن العملية الإرهابية، لكنه برر عدم التحرك بأنه لم يتصور أن يقتل المسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار. الرئاسة قالت إن ما نشر على لسان موافى لا تعلم عنه شيئا ولم يعرضه على الرئيس خلال لقائه به عصر الثلاثاء الماضي. وقد تواصل سجال التصريحات حيث رد جهاز المخابرات ببيان غير معتاد أكد فيه أنه جهة جمع معلومات فقط، وليس سلطة تنفيذية، ولا توجد لدى الجهاز مهام تنفيذية وأنه أرسل المعلومات التي لديه بخصوص الحادث الإرهابي إلى صناع القرار والجهات المسئولة، وبهذا ينتهي دور الجهاز. موافي مخطئ في تصريحه الأول - وهو كاف وحده لإقالته بل والتحقيق معه - بشأن علمه بوقوع عمل إرهابي، وهو قال ذلك بعد أن كشفت إسرائيل أنها اطلعت المخابرات المصرية على كافة المعلومات، كما أكد شيخ مشايخ سيناء أنه حذر مسئولي الأمن مرارا عن الإرهابيين المنتشرين في سيناء. لكن التصريح الثاني لموافي بأنه أرسل المعلومات إلى صناع القرار والجهات المسئولة يستوجب مزيدا من الإيضاح الضروري حول من هم أولئك الذين أرسل لهم المعلومات؟. يفترض أن تكون أول الجهات هي الرئاسة لأن هذا الجهاز تابع للرئيس مباشرة، لكن الرئاسة نفت مرتين أن يكون موافي أطلع الرئيس على هذا الأمر. إذن لابد أن يكون هناك طرف صادق وآخر كاذب. فهل الإقالة تعني أن موافي لم يقل الحقيقة وأنه أراد توريط الرئيس بقوله أنه أبلغه لكنه أهمل أو تلكأ أو لم يكن تحركه على قدر خطورة الموقف؟. إذن من الضروري التحقيق معه لاستجلاء الحقيقة لأن الكارثة أكبر من أن تمر بمجرد الاطاحة به وبالآخرين ليبقون في بيوتهم مطمئنين مع استمتاعهم بحياتهم وبما توفره لهم مناصبهم الكبيرة من عيش رغيد. أم أن موافي أبلغ وزير الدفاع ورئيس الأركان مثلا وتجاهل الرئيس لأسباب تتعلق بالنظر إلى دوره المحدود تجاه صناعة القرار في المؤسسة العسكرية وبالتالي قد نستنتج أن إقالته جاءت بالأساس عقابا على هذا التصريح الذي يمثل إحراجا لطنطاوي وعنان، وبالتالي فإن الإقالة لم تكن على تصريحه الأول العاطفي بأنه لم يتصور أن يقتل المسلم أخاه المسلم. وهنا سيكون الأمر أكثر من خطير لأن الإقالة ستكون تصفية حساب وليس محاسبة على ما جرى. لماذا لا تكون هناك تفسيرات للأسباب الحقيقية للإقالات التي تمت يوم الأربعاء وخصوصا لمدير المخابرات ، بشرط أن تكون شفافة ومقنعة حيث يفترض أن عهد القرارات المفاجئة والغامضة قد ولى إلى غير رجعة.