أري أن المستجدات التي تموج بها الساحة العربية في هذه الفترة الفارقة من عمر الأمة ترشح أننا علي مرمي حجر من رسم خريطة متغيرة للمنطقة جغرافياً وسياسياً، ووسط هذا الزخم من تلك المتغيرات يتبادر التساؤل عن دور الجامعة العربية - بيت العرب - هل سيكون فعالاً بوضعها الراهن أم أن الرياح العاتية ستقذف بها في دوامة الأعاصير؟.. إن الأمة العربية الآن في أمس الحاجة إلي توحيد الصف للخروج من هذه الاضطرابات التي تعصف باستقراره وأمنه، ومن المؤسف لم تستطع الأمة العربية علي غرار دول مجلس أوروبا أن تحقق لنفسها فكرة الأمن العربي والاقتصادي المشترك - وهو ما يمثل خيبة أمل عظيمة - فبدونها لم ولن تصمد الأمة في مواجهة التحديات والتهديدات المتمخضة عن المتغيرات العالمية المعاصرة. فلا غرو أن النظام العالمي الجديد بأحلام الصهيونية العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما أسفر عنه من توحيد ألمانيا وانفراد الولاياتالمتحدة بمقدرات العالم العربي فوق التكتلات الاقتصادية والغزو الثقافي الغربي في ظل ثورة المعلومات والمطامع الإسرائيلية نري العالم العربي في هذا المشهد مجرد منطقة خدمات، فليس ثمة خروج من هذه الكبوة سوي الوحدة العربية بمفهومها الواسع ولنأخذ العبرة والعظة من التاريخ، وأظهر مثالاً ما كانت عليه ألمانيا منذ قرنين من الزمان إذ كانت مجزأة إلي ثلاثمائة وخمسين إمارة مستقلة حتي وضع أحد مفكريها كتاباً أسماه «حديث إلي الأمة الألمانية» قال فيه: إن الرباط الذي يصل بين كل أبناء هذا الشعب هو اللغة الألمانية.. وقد التقط هذا الخيط لاحقاً المستشار الألماني بسمارك، الذي قام بعد ذلك بتوحيد ألمانيا فظهرت هذه الدولة مارداً يتنامي في قلب أوروبا. وإن كان الوضع في العالم العربي يتمايز كثيراً عنه في الامبراطورية الألمانية الممزقة، في بداية القرن التاسع عشر بوحدة العقيدة فوق اللغة القاسم المشترك بين الدول العربية، فهلا يخرج من بيننا بسمارك آخر عربياً؟.. ولعل الجامعة العربية هي الأجدر بالقيام بهذا الدور المتعاظم بحسبانها الصيغة المقبولة لدي كافة الدول العربية بيد أن متطلبات المواجهة تقتضي أن تتحقق المعادلة الصعبة بتعديل ميثاق الجامعة لتواكب التطورات السياسية المعاصرة والتحديات العالمية وتقلص دور حلف الناتو من التدخل في الشأن العربي وتفعيل فكرة الأمن العربي والاقتصادي عصب الأمة ودرعها، ويجب أن تحرص الجامعة علي مهمة أخري لا تقل شأناً عن سابقتها تتعلق بخدمة الدعوة الإسلامية ونشر الثقافة الإسلامية حتي تظل الهوية العربية لتكبح جماح الغزو الفكري أشرس أسلحة الاستعمار الصهيوني، فالثقافة الإسلامية واللغة العربية هما أعظم رباط سياسي واجتماعي وعقائدي يربط الدول العربية بأوثق الروابط وأعلاها شأنا للتأكيد علي الوجود المشترك. من يظن أن وصول فصائل الإسلام السياسي لسدة الحكم في البلدان العربية يمثل صدمة للصهيونية العالمية فهو واهم مثلي. عاطف الجلالي - المحامي