بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية في السنوات القليلة الماضية في استخراج النفط والغاز من الصخور الطفلية، عن طريق تكنولوجيا جديدة نسبياً تتمثل في عمليات ضخ للمياه والرمال مع إضافة بعض المواد الكيماوية بنسب محددة تحت ضغط مرتفع في آبار الغاز مما يؤدي إلى تكسير الصخور وإطلاق الكميات الكبيرة من النفط والغاز المحتجزة داخلها فيما تعرف بتكنولوجيا التجزيء الهيدروليكء أو الفراكينج. وهو الأمر الذي أدى إلى رفع إنتاج أمريكا من النفط والغاز إلى أعلى مستوياتهما منذ عام 1988 وحولت أمريكا من دولة مستورده للمشتقات النفطية إلى دولة مصدرة لها... مما دفع شركات النفط الكبرى إلى استثمار مبالغ ضخمة في إنشاء وتوسيع العديد من معامل التكرير على طول موانئ ومدن خليج المكسيك الغنية بالنفط والغاز. ويؤكد خبراء النفط العالميون على أن هذه الاكتشاف الأمريكية الحديثة في مجال النفط والغاز الطفلي ستمثل أكبر تطور تشهده سوق الغاز العالمية في القرن الواحد والعشرين، بما يعني دور أمريكي أكبر في هذه السوق وإنعاش اقتصادي أفضل للبلاد خلال السنوات القليلة المقبلة... والدليل على ذلك هو انخفاض معدل البطالة بالولايات والمدن التي تزدهر فيها صناعة استخراج النفط والغاز الطفلي، حيث لا يتجاوز هذا المعدل في نورث داكوتا 3% وتبحث الشركات العاملة في هذه الصناعة عن المزيد من العمالة اللازمة لتشغيل مشروعاتها بالمعدلات والكفاءة الاقتصادية، وكذا الحال في ولايات إقليم وسط الجنوب الغربي الغنية بالغاز الطفلي حيث ينخفض معدل البطالة بها عن 7%. ومع هذه الاكتشافات الضخمة بدأت العديد من الشركات الأمريكية والعالمية تبدي المزيد من الاهتمام بالاستثمار في عمليات استخراج النفط والغاز الطفلي الأمريكي ولعل في مقدمتها شركة إكسون موبيل التي استحوذت على شركة الغاز الطبيعي XTO ذات الخبرات الكبيرة والواسعة في استخدام وتطبيق تقنيات الفراكينج في مقابل 35 مليار دولار أمريكي مما كان له أكبر الأثر الإيجابي في ارتفاع قيمة مبيعاتها في عام 2011 إلى نحو 486 مليار دولار، وزيادة أرباحها إلى 41 مليارا، وقد أدت هذه الأرباح المتزايدة للشركة إلى ارتفاع قيمة سعر سهمها بالبورصة بنسبة 77% خلال السنوات الخمس الماضية، فيما بلغ متوسط ارتفاع أسهم شركات استاندرد آند بورز 500 بنحو 29% فقط خلال نفس الفترة رغم معاناة العالم أجمع من جراء الأزمة المالية العالمية التي بدأت في نهاية عام 2008 ومازال الكثير من آثارها السلبية مستمراً حتى اليوم. وإذا كان الغاز الطبيعي التقليدي والذي يسميه البعض الغاز الجاف، يتكون أساسا من غاز الميثان الذي يستخدم في تشغيل محطات الكهرباء والتدفئة والسخانات وغيرها فإن الغاز الطفلي "والذي يطلق عليه البعض تسمية الغاز الرطب" بالنظر لأنه يستخرج في صورة سائلة يحتوي بجانب الميثان على هيدروكربونات أخرى مهمة للصناعة مثل الإيثان والبروبين والبوتين، ومن ثم فإن الغاز الطفلي بالإضافة إلى كونه مصدراً رخيصاً للطاقة فإنه لازم ومطلوب بقوة للعديد من الصناعات التحويلية الأخرى. ولقد أكدت منظمة الصلب الأمريكية في بيان لها أن الطاقة الرخيصة المتولدة من النفط والغاز الطفلي سوف تتيح لصناعة الصلب بالبلاد ميزة تنافسية كبرى تتفوق بها على كل المنافسين الآخرين على مستوى العالم، وأن هذه الاكتشافات الجديدة للنفط والغاز ستحقق المزيد من الرخاء الاقتصادي لأمريكا، وبناء على ذلك فقد بدأت صناعة الصلب الأمريكية في التوسع وبناء العديد من المصانع الجديدة التي كان آخرها مصنع شركة نوكورستيل بتكلفة تصل إلى أكثر من 3.5 مليار دولار والذي يعد أكبر مصنع يتم الشروع في بنائه خلال العقد الأخير. وليست الصناعات التحويلية وصناعة الصلب فقط هي المستفيدة من اكتشافات الغاز الطفلي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وانخفاض سعره، فقد قررت شركة داو كيميكال العالمية بناء مصنع ضخم للإيثيلين في لويزيانا والذي يدخل في صناعة البلاستيك النظيف لصنع الزجاجات ولعب الأطفال وسوف يبدأ إنتاجه في عام 2017، وقد قررت ذات الشركة ووفقاً لهذه المتغيرات إعادة تشغيل مصنعها للإيثيلين قرب هانفيل، كما بدأت شركة لاشيل التي تقوم ببناء معمل ضخم للبتروكيماويات قرب بنسلفانيا في التخطيط لبناء مصنع آخر في لويزيانا لتحويل الغاز إلى ديزل بتكلفة مقدارها عشرة مليارات دولار... وهو ما دفع دون لودان رئيس اتحاد لويزيانا للنفط والغاز إلى القول بأن الغاز الطفلي رخيص الثمن سيكون بمثابة الإكسير الذي سيعيد لأمريكا مكانتها كقوة صناعية عصرية. وتشير شركات الأبحاث المتخصصة في هذا المجال إلى أنه يعمل في صناعة الغاز الطفلي في الولاياتالمتحدةالأمريكية حالياً أكثر من مليون شخص وأن هذه الصناعة سوف تضيف إلى الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2016 ما يزيد عن 150 مليار دولار، كما تؤكد هذه الشركات البحثية أنه بفضل اكتشافات الغاز الطفلي في أمريكا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية والصين وبعض الدول الخليجية فإن الاحتياطي العالمي من الغاز سوف يكفي احتياجات العالم من الطاقة لمدة تزيد عن مائتي عام قادمة... وللموضوع بقية الأسبوع القادم إن شاء الله نقلا عن صحيفة الشرق القطرية