لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بدستور موضع تقديس، وبقوانين تسود الجميع سواسية سواء، وتكون جاهزة للتطبيق ضد الأقوى سلطة ونفوذاً مثلهم مثل البسطاء والفقراء. وكلنا يعرف أن انقلاب يوليو 52 قد أحدث تغييراً جذرياً فى الواقع المصرى.. لكن بكل أسف إلى أسوأ، بما استهدف التغيير بمجرد التغيير قاصداً اكتساب شعبية زائفة، إذ تولى أمرنا من لا ناقة لهم ولا جمل فى معتركات السياسة، ثم آثروا أهل الثقة على أهل الخبرة، كما وصل بهم الظلم لاستمالة بعض من سدنة القانون لاستصدار قوانين تحقق مصالحهم وتطرب أهواءهم، فكانوا سبباً فى إحالة مهنة موضوعية جليلة كالتشريع للدنو بها إلى التفصيل والتطريز وهو ما عرف بترزية القوانين. وفى عهد كبير الفراعنة صدر عدد كبير من القوانين لتزكى تلك المآرب تحت ستار دعم مبادئ الثورة على مدى الخمسينات والستينات. وجاء عهد السادات لينتهج نفس النهج حتى إنه عندما هبت انتفاضة يناير 1977 التى استخدم فيها الثوار من الآلات التى تقوى آلية التعبير عن غضبهم، قام بإصدار أمره للترزية بإصدار قانون يحرم استخدام أية آلة مهما صغر شأنها كالعصا مثلاً أو الحذاء ضماناً لسلمية أية مظاهرة مستقبلية تقوم ضد نظامه.. ولم يستثن القانون استخدام مثل هذه الآلات البسيطة فى الممارسات الاجتماعية والمعيشية بين الأفراد بما هوى ضعاف النفوس لاستغلالها كذباً لاتهام الغير بها زوراً من قبيل الانتقام أو المساومة بواسطة إصدار حكم قضائى ضد بريء، وامتد تطبيق ذلك القانون إلى ما بين علاقات الأخوة والأزواج! وكذلك صدر من الأحكام ما أضر بالكثيرين ظلماً عندما أعطى الفرصة لأحدهم بأن يدعى بأن آخر قد اعتدى عليه ضرباً استناداً إلى تقرير طبى يشهد على وجود إصابة وحسب!، وذلك تحقيقاً لمصلحة فرد واحد فى الأمة (كالحاكم مثلاً) أو لمصلحة آخرين من ذوى الأغراض..؟! وفى عهده أيضاً، وبنفوذ سيدة مصر الأولى ذاك الحين (جيهان)، يصدر قانون الأحوال الشخصية الذى أقرت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته فى عهد المخلوع، لكن تقوم سيدة مصر الأولى مكرر (سوزان) بإعادة إصداره بين بنود كثيرة ضد الشريعة الإسلامية وأصول التربية كالحضانة والرؤية والخلع (بصورته الراهنة) بما أحدث متاعب كثيرة لملايين العائلات. ومن المؤسف أن كل تلك القوانين مازالت قائمة رغم مضى عام ونصف العام على الثورة وكان ضرورياً عقب نجاح الثورة تشكيل لجان قانونية للبحث فى كل تلك القوانين المفصلة المطرزة من بعد يوليو 52 وحتى قبل يناير 2011 لما يرى شرعية الثورة ما يخول لها حق تشكيل هذه اللجان لأنه كيف يمكن أن تحكم دولة بقوانين مغرضة مهترئة صدرت لخدمة ذوى السيادة منها بما نتج عنه إصدار أحكام قضائية جائرة، استمدت جورها من تلك القوانين المفصلة المطرزة؟! إن شر ما يصيب أمة أن تحكمها قوانين جائرة! .. وسبحانه الذى يعلم ما لا نعلم. بقلم: توفيق أبوعلم