كثيرا ما كنت أتساءل عن سر تأييد الزعيم عادل إمام للزعيم حسني مبارك. الواقع يقول إنهما يجب أن يكونا متنافرين تنافر كل فنان حقيقي جاد محترم مع كل صاحب سلطة باطشة غاشمة جاهلة، فضلا عن أن الزعيم الأول قدم أفلاما مهمة تتحدث عن الفساد في عصر الزعيم الثاني، والذي قطعا يتحمل مسؤوليته. هل سبب التأييد أنهما في النهاية يتوافقان فكريا ونفسيا باعتبارهما من فصيلة الزعماء، حتى لو كانت من النوع «الأونطة» كما أطلق عادل إمام على نفسه في «مدرسة المشاغبين»، أم أن المعنى في «بطن» الشاعر، الأمر الذي يستدعي فتحها لكشف السر. ثم الأهم: ما هدف كل التلميع الذي قام به الزعيم الفني لصالح جمال مبارك نجل الزعيم السياسي؟ وما مغزى ولعه بتوريث السلطة؟ سقط «مبارك» وانتقل من عصبة الزعماء إلى ركن المخلوعين المساجين، وذهب «جمال» من مقر «أمانة السياسات» بالحزب الحاكم، إلى مقر «طرة»، ومن ملياردير يملك المليارات في البنوك إلى نزيل يصرف من رصيده ب «أمانات» السجن. بالتوازي انتقل عادل إمام من مصاف الزعماء إلى خانة «الفلول»، ومن فريق الكبار إلى قائمة «العار». نسيت موضوع تأييد الزعيم الفني لمبارك والتوريث، فالأحداث التي تلت سقوط رأس النظام وأسرته جعلت منافقيه وأفاقيه نسيا منسيا، إلى أن أتى شهر رمضان الفضيل لأكتشف فيه سر ولع عادل إمام بالزعيم المخلوع وترويجه لنجله وشغفه بمشروع «التوريث». كل هذا نضحت به حلقات مسلسل «فرقة ناجي عطاالله» الذي يعود به «الزعيم» إلى الشاشة الصغيرة بعد غياب 30 سنة. المسلسل كان مقررا عرضه في رمضان الماضي، لكن تم تأجيله لرمضان الجاري لأسباب تسويقية. في رمضان 2011 كان عادل إمام في مقدمة «قائمة العار» التي دعا نشطاء إلى مقاطعة أعمالهم لمواقفهم المناهضة للثورة المصرية. المنتج خاف على أمواله من الضياع، فأجل التصوير اعتمادا على أن الأيام كفيلة بتهدئة القلوب المستاءة من مواقف الزعيم، وتبات نار تصبح رماد. غاب الزعيم عن التلفزيون 30 سنة وعاد ليحصل على أجر 35 مليون جنيه. ربنا يزيد ويبارك. المسلسل الأخير له كان عن بطل المخابرات «جمعة الشوان». زادت شعبية الزعيم بسببه، ومعها زادت أرصدته، بينما مرض «الشوان». توقع أن يسأل عنه الزعيم مبارك أو الزعيم عادل إمام، لكن توقعه خاب. وقتها أبكى الناس بقوله: «يا ريتني كنت رقاصة حتى يعالجوني على نفقة الدولة». الكلام وجد صدى عند القوات المسلحة فنقلته مشكورة إلى مستشفى عسكري، لكنه مات كمدا على حال البلد وحال زعمائها من مبارك إلى إمام! انتهى مسلسل «الشوان» بدموع في عيون رجال المخابرات الإسرائيلية، لأن «عادل إمام» طبعا وليس بطل المخابرات ضحك عليهم وأخذ منهم جهاز إرسال متقدما. يبدو أن النهاية أعجبت الزعيم فسار بالمسلسل الجديد في نفس السكة. سكة إسرائيل كلها مسالك ومكاسب وأرصدة! فكرة المسلسل «افتكاسة» جديدة للمؤلف يوسف معاطي من تلك التي يفصلها خصيصا على مقاس الزعيم. لا بد أن يكون محور كل شيء وأهم المهمّين. ملحق إداري في سفارة مصر لدى «الكيان الصهيوني» لكنه «الكل في الكل» ويسبق السفير حتى في البروتوكول. حفل تقيمه السفارة فيستقبل هو وليس سعادة السفير الضيوف على عكس كل الأعراف والقواعد، مما جعل المسلسل والزعيم مثار تندر الدبلوماسيين في الواقع. كما يقدم الإسرائيليين بنفس الصورة النمطية وكأنهم قوم من الهطل السذج. أما «أم الافتكاسات» فهي قيام الزعيم بشحن مجموعة من الشباب إلى تل أبيب لسرقة أكبر بنوكها. راح يشرح لهم العقبات التي تواجههم من القفز مسافة 8 أمتار بين سطحي عمارتين، وإجراءات أمنية مشددة، وأبواب حديدية موصدة، وكاميرات مراقبة، وأشعة ليزر قاتلة، بينما هم يستقبلون الأمر بأسئلة ساذجة وبلا رد فعل أو ملمح خوف حقيقي يوحي بخطورة ما يقدمون عليه. ستسألني: ما علاقة هذا كله بموضوع حب الزعيم لمبارك ونجله جمال وترويجه لمشروع توريث الحكم؟ وسأجيبك: المؤكد أنك لاحظت أن مخرج المسلسل هو «رامي إمام» نجل الزعيم، وأن أحد أبطاله «محمد إمام» أيضا نجل الزعيم. إذن هذا هو الموضوع. فرض العائلة على الفن بغض النظر عن مواهبها. قبل سنوات اشترط عادل إمام للمشاركة في فيلم «عمارة يعقوبيان» أن يكون معه ابنه «محمد»، ليس هذا فقط بل أعطاه دور «طه الشاذلي» المهم في الرواية. فشل نجل الزعيم ولم يترك بصمة، بعدها يبدو أن الوالد نصحه بهجر الدراما والاتجاه إلى ملعب مضمون: «عليك بالكوميديا يا ولدي.. فهي مهنة أبوك ولك فيها نصيب». لكن ابن الوز لم يكن عواما. قدم عدة أدوار يفترض أنها ضاحكة غير أن تأثيرها كان منعدما. هنا جاء الحسم مع «ناجي عطا الله». تشابه تفكير حسني مبارك وعادل إمام ظهر واضحا في هذا المسلسل. مثلما عمل مبارك على توريث «جمال» السلطة السياسية و «علاء» اقتصاد الدولة، فإن الزعيم استغل المسلسل لتوريث «محمد» زعامة الكوميديا و «رامي» زعامة الإخراج. مثلما كان «جمال مبارك» لا يملك مقومات الحكم، ويفتقد الكاريزما، ويتميز بكميات من ثقل الظل تنوء عن حملها الجبال، فإن نجل زعيم الكوميديا لا يقل عن «وريث السلطة» في انعدام مقوماته. ترك له الأب المجال للاستظراف بمناسبة وبدون مناسبة وفي مواقف لا يصح فيها أصلا الضحك، فخرجت «إيفيهاته» ماسخة ومنفرة تفقع المرارة وأشياء أخرى. عندما ذهبوا إلى المنزل الحدودي في مدينة رفح بسيناء قبل لحظات من نزول النفق المؤدي إلى الأراضي الفلسطينية، راح يتغزل في «الجمال السيناوي الأصلي» للعروس ابنة صاحب المنزل، وكأنه غير مقدم على عملية شبه انتحارية، بل ويسأل زعيمه عما إذا كان المنزل المقابل في فلسطين فيه «عروسة حلوة بالشكل ده». المصيبة داخل النفق. الزعيم طلب من مجموعة الشباب أن يسرحوا بخيالهم بعيدا عن النفق، وأن يتخيلوا أنهم يسيرون على ساحل البحر. طبعا كان الطلب خصيصا من أجل إفساح المجال للابن ليتحفنا بالمزيد من منقوع استظرافه. أغمض «محمد إمام» عينيه وقال إنه الآن على الساحل الشمالي، ويرى امرأة تلبس «مايوه أبيض يجنن»، قبل أن يتوقف ليمسك رأسه، فينزعج أفراد المجموعة ويسألونه: «مالك؟»، فإذا بالمحروس نن عين الزعيم يرد بسماجة تفوق سماجة جمال مبارك: «أصل جوزها ظبطنا»! طبعا يضحك الجميع، وإلا لطردهم عادل إمام من المسلسل. في غزة يواصل «محمد إمام» مهمته، ويسأل عن البنات فقط، ويخرج مع ابن مستضيفهم واثنتين من الفتيات، ويقود السيارة بنفسه حتى يعمل «حركات أميركاني تعجب البنات» حسب قوله، فيصدم إحدى السيارات أمامه، ويذهب إلى مقر الشرطة، ولما لامه الزعيم رد الابن: أنا عملت إيه يعني يا باشا.. ده حتى في غزة مفيش محل عصير نقف نشرب فيه فخفخينا». بعيدا عن كل هذا «الكوكتيل» من ثقل الظل «المقرف»، لنتذكر أن هذه الأفعال لمجموعة ليست في رحلة ترفيهية بل ذاهبة إلى تل أبيب لسرقة أكبر بنوكها. إذن يتضح تماما أن عادل إمام يسير على درب مبارك، ويعمل على توريث الكوميديا لابنه. ومثلما فشل مسعى الزعيم السياسي فستفشل بالتأكيد محاولة الزعيم الفني. أما «محمد إمام» فليس له عندي سوى نصيحة: «إذا دعتك قدرتك على الاستظراف على الناس.. فتذكر قدرة الله عليك»!! نقلا عن صحيفة العرب القطرية