كان للدكتور كمال الجنزوري عذره لكي تطول مشاوراته لتشكيل الحكومة.. فقد كان الجو ضبابياً.. والسحب كثيفة.. والرؤية غير واضحة.. ولا يعرف الوزير المطلوب ان كان عمره في الوزارة طويلاً أو قصيراً ولهذا كان معظم الذين رشحوا.. يعتذرون.. فضلاً عن أنه لم يكن قد تم انتخاب رئيس الجمهورية.. وكانت انتخابات مجلس الشعب علي قدم وساق.. وكانت البلاد تحكم بلا دستور رغم وجود الاعلان الدستوري.. وإذا كانت كل هذه معوقات جعلت ولادة حكومة الدكتور الجنزوري متعسرة فماذا نقول في وزارة الدكتور هشام قنديل.. ولماذا تتعسر، وهل فقط المشكلة في وزارة الداخلية الآن كما كانت في حكومة الجنزوري، الذي فضل ألا يعلن اسم الوزير المرشح الا في لحظة حلف اليمين الدستورية، بعد ان رفض هذه الحقيبة ثلاثة مرشحين عرف الناس اسماءهم.. فرأي الرجل أن يحجب اسم الرابع!! كذلك لم يكن أي مرشح لأي حقيبة وزارية في حكومة الجنزوري يعرف مدة بقائه في منصبه، ولا حتي رئيس الحكومة الذي واجه مشاكل وراء مشاكل وخاض صراعات عديدة مع البرلمان.. ومازلنا نتذكرها!! الآن الوضع تغير.. فقد تمت انتخابات الرئاسة بمرها الذي هو اكثر من حلوها، واصبح للبلاد رئيس منتخب لأول مرة في تاريخها.. ووضحت المهمة الباقية الوحيدة للمجلس الاعلي للقوات المسلحة، وهي قيامه بالسلطة التشريعية.. والدستور يجري الآن إعداد مشروعه، حتي وإن اختلف البعض علي تشكيل اعضائها، وانا مع المختلفين!! ولكن البلاد علي الاقل وضعت أقدامها علي أولي درجات السلم للنهوض والحركة والانطلاق فما الذي يؤخر تشكيل الحكومة الجديدة، التي يفترض فيها ان تصبح أول حكومة مستقرة مع بداية النظام الجديد. ورغم انني كنت أتمني ان تحصل حكومة الدكتور الجنزوري علي فرصة أطول للبقاء في الحكم لما رأيناه من أدائها وقدرتها علي العمل.. وأنها لم تكن مجرد حكومة تسيير أعمال، بل هي حكومة إدارة وسياسة ومشروعات وحلم وأمل.. حتي ان الناس قبلتها.. وقبلت التعامل معها.. ثم ان حكومة الجنزوري كانت قد انطلقت في تنفيذ مشروعات عديدة كبيرة وعملاقة.. وانها وضعت بذرة لأعمال عظيمة أولها اعادة الامن ومواجهة القمامة والتعدي علي الارض الزراعية «وكلاهما قمامة».. أقول رغم ذلك كنت اتمني استمرار هذه الحكومة علي الاقل لحين اعداد مشروع الدستور الدائم.. ثم إجراء انتخابات مجلس الشعب.. وبعدها يفترض ان يكون لنا.. حديث!! رغم كل ذلك.. تتعسر ولادة الحكومة الجديدة.. رغم انه يفترض ان يكون قد تم عرض المنصب علي رئيس الحكومة المكلف قبلها بأيام، حتي يستعد.. ورغم انها حكومة طويلة العمر وان من يتم اختياره وزيراً سيجلس طويلاً علي كرسي الوزارة.. وتوقعنا ذلك بدليل ان الدكتور هشام قنديل اعلن بعد تكليفه ان التشكيل سيعلن يوم الخميس، أي بعد 3 أيام من التكليف.. وفجأة طالت المدة لنعرف ان التشكيل سيتأخر اسبوعاً كاملاً!! وقد استقبل الدكتور قنديل، أو اتصل، بأكثر من 40 شخصية للتشاور معها ورغم ذلك لم يتم الاتفاق حتي الآن علي الاسماء شبه المرشحة للوزارة بل ان الوزارة الواحدة تم ترشيح اكثر من شخص لشغلها.. واذا كان ذلك امراً طبيعياً ان يقبل البعض ويرفض البعض اغراءات المنصب الوزاري الا اننا نخشي الا يكون الامر مجرد فك وتركيب لهذه الوزارة او تلك.. لأن ذلك كان اسلوب الحكومات في النظام السابق فهل يجوز ذلك في «حكومة ثورة» او يفترض ان تصبح حكومة ثورة.. مثلاً وزارة «الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية» سمعنا كلاماً عن تفكيكها.. وفصل قطاع مياه الشرب والصرف الصحي عن الوزارة وتحويله إلي وزارة قائمة بذاتها.. وإذا كان ذلك مرغوباً فيه بسبب عدم وصول مياه الشرب لكثير من القري والنجوع فماذا عن قطاع المجتمعات العمرانية الجديدة وذلك المشروع العمراني التخطيطي الرائد والرائع لتطوير وتحديث مصر وهو المشروع الذي وضعه الدكتور فتحي البرادعي ومعه كوكبة كبيرة من علماء مصر الكبار.. كل في تخصصه.. هل نطوي هذا المشروع الرائد رغم أنني اري فيه الامل لتطوير مصر.. وزارة الكهرباء.. والمشروعات العملاقة التي وضعها وينفذها الدكتور حسن يونس وهو جهد عظيم يجب ان نشكره عليه، ونشكر معه رجاله الاوفياء.. واذا كنت أقول ان الدكتور عزت سلامة هو الذي أنشأ اول وزارة للكهرباء في مصر ووضع الاساس العلمي السليم لهذه الوزارة فإنني اري كذلك ان المهندس ماهر أباظة هو الذي أضاف الكثير من المشروعات العملاقة وهو صاحب سياسة «الاحتياطي الكهربي» الذي نواجه به متطلبات الحالي والمستقبل، فإن الدكتور حسن يونس هو الوزير الذي تحمل اعباء تلك الزيادة الهائلة من الطلب علي الكهرباء لأن السنوات التي تولاها شهدت قفزة الاستهلاك في كل المجالات في الصناعة وفي الزراعة.. وايضا في الاستهلاك المنزلي.. وأشهد وأنا من شهد انشاء هذه الوزارة ايام عزت سلامة ان الدكتور حسن يونس قد اضاف الكثير، والكثير جداً من حيث عدد المحطات وطول الشبكات بل واندفع في الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.. ويكفي انه وسط هذه الموجة الشديدة الحرارة والتي قفزت بأرقام الاستهلاك الي ما لم نتوقعه من قبل أدار الازمة بسياسة واقعية لتخفيف الاحمال بأقل اضرار ممكنة. ويبقي ان نتساءل: هل تطول عملية الولادة المتعسرة للحكومة الجديدة اكثر من ذلك.. وهل تحصل البلاد في النهاية علي حكومة معقولة تواجه مشاكل البلاد.. وهل يعود الأمن إلي نفوس الناس والي بيوتهم وشوارعهم.. وان ينتظم المرور.. وان تعود مصر نظيفة.. وهل نوقف كارثة البناء علي الارض الزراعية.. وهل.. وهل.. وهل؟! حقيقة وأقسم بالله كم أتمني ان تستقر الاوضاع، ولن يحدث ذلك إلا إذا حصلنا - في النهاية - علي حكومة متوافقة.. متحدة.. قادرة علي انقاذ البلاد.. ولك يا مصر السلامة.. وسلاماً يا بلادي..