لا أستريح لفكرة وصف فيلم ما بإنه كان يتنبأ بأحداث وقعت أو سوف تقع في المستقبل، وكنت قد قرأت وسمعت مؤخراً من يدعي أن أفلام خالد يوسف كانت تتنبأ بثورة 25يناير،رغم ان تلك الافلام مثل هي فوضي، وحين ميسرة كان ابطالها وشخوصها قادمين من عالم العشوائيات،المقيت الذي أفرز لنا البلطجية والشبيحة،وفي افضل التقديرات الشحاتين الذين يملأون الشوارع ليلاً ونهاراً، أما ثورة 25 يناير فقام بها جيل الفيس بوك والتويتر واليوتيوب، وهم ملايين الشباب الذين ينتمون للطبقة الوسطي المرتفعة،الذين نعتبرهم أمل مصر وضميرها اليقظ، وهؤلاء لم تقدم السينما المصرية عنهم أفلاماً ولم تلتفت لبركان الغضب الذي يعتمل في صدورهم إلا في أضيق الحدود، ولكن بعد أن شاهدت فيلم ميكروفون للمخرج والسيناريست أحمد عبد الله السيد. أكاد أجزم أن هؤلاء الشباب الذين عبر عنهم الفيلم هم جيل الثورة فعلاً، وكأنهم خرجوا من الشاشة وتوجهوا في الحال الي ميدان التحرير بعد أن جمعوا ملايين مثلهم لابد وأن يكونوا قد مروا بنفس الظروف التي واجهها أبطال ميكروفون ومعهم النجم خالد أبو النجا،الذي لم أندهش كثيرا لوجوده بين الصفوف الأولي لشباب الثوار! الفرق بين الفنان الأرزقي الذي يعمل في السينما ليكسب عيشه فقط،وبين الفنان صاحب الرسالة الذي لايقدم إلا مايقتنع بأنه مفيد من كافة النواحي لجمهوره، وأن دوره لايقل عن الصحفي والطبيب والمهندس والضابط ،هو أن الاول يغير قناعاته في اتجاه مصلحته الخاصة،وأن الثاني يستميت وقد يدفع ثمن وعيه بمشاكل الناس وتقديمه ما يمتعهم ويساعد في تنمية وعيهم في نفس الوقت، فيلم ميكروفون لايتحدث عن شخصيات لاتعرفها، ولكنه يضعك أمام مرآة لتكتشف فيها نفسك، وتكتشف العالم من حولك لو كنت لمؤاخذه غيب ومش دريان بمشاكل قطاع كبير من الشباب،ومشكلة معظم الافلام المصرية التي ادعت أنها تقدم حكايات عن الشباب ومشاكلهم. إنها تحدثت عنهم دون أن تقترب منهم أوتعرف ماالذي يزعجهم من هذا المجتمع الذي كان "قبل 25يناير"،أبطال الفيلم يعبرون بصدق شديد عن أزمة من قاموا بالثورة، ولم تكن البطالة أو البحث عن شقة أو حتي الإدمان هو همهم الأعظم،ولكن البحث عن حرية التعبير،البحث عمن يسمع أصواتهم، ويدرك أن داخلهم شلالات من الغضب الساكن، الذي يبحث عن لحظة انفجار! حكاية الفيلم أنه ليس له حكاية ترويها ولكن مشاعر صادقة تتسلل الي نفسك ببساطة،مجموعة من الشباب يجمع بينهم عشق الموسيقي، يقدمون فناً مختلفاً عما هو سائد،كلمات أغانيهم تحمل رائحة الثورة والغضب ، ويعبرون عن المسكوت عنه،لايرفضون أغاني التراث ولكن يقدمونها بروح العصر، وكما يشعرون بها، ويعشقون أغاني أم كلثوم وسيد درويش والشيخ إمام ويضيفون إليها إيقاعات تناسب مزاجهم العام وعالمهم الذي يتحركون فيه،عشرات الفرق لها أسماء مختلفة تعج بهم مدينة الأسكندرية التي اشتهرت باحتضان الفنون وتصدير روادها لكافة أنحاء الجمهورية ثم للعالم،اصبحت تضيق بفنانينها وتضع أمامهم العراقيل. فقرروا ان يصنعوا لانفسهم عالماً خاصاً،في الجراجات القديمة وفوق الأسطح،وفي المخازن والمقاهي يقدمون موسيقاهم،إحدي الفرق مكونة من مجموعة من الفتيات يضعن علي وجوهن ماسكات حتي لايتعرف عليهن ذويهن أثناء الغناء وأطلقن علي فرقتهم اسم "ماسكرا" تلك الفرق ترصدها عين كاميرا صغيرة في حجم كف اليد، يحملها مخرج تسجيلي شاب وصديقته يسرا اللوزي، يقومان بتسجيل تجربة فرق الموسيقي لشباب الاسكندرية، ويشهد علي هذه التجربة مهندس شاب عائد من رحلة طويلة خارج البلاد، بعد وفاة والدته،يحاول أن يتواصل مع حبيبته السابقه "منة شلبي " ولكنه يكتشف أنها قررت الرحيل عن مصر لإنها لم تعد قادرة علي احتمال أجواء الاحباط واليأس من التغييرالذي يسيطر علي الجميع، أما المهندس الشاب "خالد ابو النجا" فهو يجد نفسه في قلب حلم مجموعة من الشباب، مشكلتهم الوحيدة إنهم يريدون التعبير عن أنفسهم بالطريقة الوحيدة التي يجيدونها،واللغة الوحيدة التي يتقنونها هي لغة الموسيقي. ويبحثون عن مكان يقبل استضافتهم، ولكنهم يصادفون عقبات وعراقيل يضعها موظف مسؤول عن مركز ثقافي هو المركز الوطني!! الموظف المسؤول يجد في كلمات تلك الأغاني نقدا لاذعاً للحكومة، فيخشي علي ضياع كرسية، فيقرر إجهاض التجربة، ورفض دخول تلك الفرق في مسابقة المفروض إنها مخصصة لموسيقي الشباب، ولكن لأن الابتكار ممنوع، والخروج عن المألوف ممنوع، والنقد ممنوع. فكان لابد وأن تكون أمواج بحر اسكندرية هي الشاهد علي ضياع الأحلام!في مجتمع يفرض عليك مسارا إجباريا وهو اسم إحدي الفرق الموسيقية المتعددة التي نالت شهرة عريضة بين الشباب في الآونة الاخيرة بالاضافة لفرق أخري متعددة تقدم فنونا جميلة ومختلفة ولكننا للأسف لاندري عنها شيئا وميزة فيلم ميكروفون أنه منح تلك الفرق فرصة للوصول لأكبر عدد من الشباب !ميكروفون رحلة في قلب وعقل قطاع كبير من شباب مصر،كان الأجدر أن نلتفت اليه، وندرك قيمته وعظمته قبل ان نحكم عليه بالفشل، ولكنه علي كل حال أجبر العالم أن يقدم له كل التقدير والاحترام بعد أن قاد رجال مصر وشيوخها للقيام بثورة، خلعت الطغاة من علي عروشهم التي استقروا عليها سنين أطول من عمر هذا الجيل!