كلما استعدت إلى ذهنى، صور عمال شركة «أمونيستو» بملابسهم الداخلية الممزقة، ويرتدون أجولة بالية، وبأيديهم «حلل» و«كسرولات» وبعض أوانى المطبخ البدائية، وهم معتصمون بتقاطع شارع قصر العينى مع الشيخ ريحان، تلك الناصية المطلة على ميدان التحرير، كلما مرت صورهم أمام عينى، أتخيل أنها فيلم شديد الحبكة لصلاح أبوسيف!! لكنها كانت مقدمة الزلازل التى سبقت انتفاضة يناير الثورية، ما أشبه تلك الصور بالصور التى نشرها أحمد حسين زعيم مصر الفتاة، تحت عنوان رعاياك يا مولاى قبل أحداث يوليو 1952. اختار عمال شركة «أمونيستو» موقع تقاطع قصر العينى مع الشيخ ريحان، حيث مجالس الشعب والشورى والوزراء، وحيث قيادات العهد البائد كلها تعبر هذا المكان. اعتصم العمال، باسمالهم البالية، ومعداتهم الخاوية، على الرصيف أكثر من شهرين.. ترى أين كان مجاور وعبدالظاهر ورؤساء النقابات ال23 العامة العمالية «بارونات العمال»، ولعلم القارئ أى رئيس نقابة عامة له مخصصات تماثل أو تربو على مخصصات أى وزير بل إن ما ينفق على المصايف، أو مكاتب تزييف وعى العمال المسماة زوراً الثقافة العمالية، أو الجامعة العمالية أو بنك العمال، كل هذه الأوسية التى مازالت تنهب كانت تستطيع إقالة هذا القطاع العام من عثرته، أو من قبضة عبيد وغالى ومحيى الدين، هؤلاء الذين دجنوا الطبقة العاملة واستنزفوها إلى حد الإفقار والتهميش. لقد كانت تلك الصور فى يناير 2011 وما قبله، يعبر عنها رقمياً بالآتى: إن نسبة العشرة فى المائة الأكثر غنى يستحوذون على نحو 27٪ من الدخل القومى، فى حين أن نسبة العشرة فى المائة من المواطنين الأكثر فقراً يعيشون على 3.9٪ فقط، هذا الخلل الاجتماعى الذى يقوده تحالف رأس المال الفاسد ونفوذ الإعلام وقدرات السلطة، جعلت الملايين تبحث عن لقمة العيش، قبل الحديث عن الديمقراطية أو الإصلاح الدستورى. لا أدرى كيف لا يستحى اتحاد عمال مصر بقيادة عبدالظاهر، ولايزال يتحدث باسم العمال؟! أين كان هؤلاء الخدم وقت إقرار القانون رقم 12 لسنة 2003، الذى ألغى العمل الدائم، وكرس العمل المؤقت، وأتاح لأصحاب الأعمال التحلل من التزاماتهم تجاه العمال، وأهدر الجانب الاجتماعى لعلاقات العمل، وقيد حرية العامل، وحظر عليه تنظيم اجتماعات دون موافقة صاحب العمل، ووضع قيوداً تعجيزية على حق الإضراب. أسوق هذا الكلام، كى أتنبأ بأن بوادر الثورة القادمة، قد هلت، ها هى: إضرابات عمال المحلة والسويس والسكة الحديد، فضلاً عن مطالب العمال فى مختلف المواقع.. كلها تؤكد حضور الطبقة العاملة، إن غياب أو حضور العمال أيها السادة فى حده الحد بين الجد واللعب. أما هؤلاء الذين عاشوا على المادة 87 من الدستور المعطل التى تنشئ قاعدة استحقاق العمال نصف مجالس الشعب والمحليات على الأقل.. فهؤلاء طالبو السعد من غير وعد نقول للجميع لقد لاحت بواكير الفجر. د. صلاح مندور