فالصلاة هي عمود الإسلام، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله، فإن قُبلت قُبل سائر عمله، وإن رُدت رُدَّ سائر عمله، قال الله جل وعلا: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، فذكر في الصلاة فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالذي يحافظ عليها يحافظ على دينه، والذي يضيعها يضيع دينه، يصبح لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، لأن من ترك الصلاة سهل عليه كل شيء من المحرمات والمعاصي ولا حول ولا قوة إلا بالله . الفائدة الثانية فيها: أن فيها ذكر الله سبحانه وتعالى، وهذا أكبر (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فالصلاة ذكر لله عز وجل، فالصلاة يستعان بها على مشاق الحياة، وعلى الهموم وعلى مضايق الأمور، قال الله جل وعلا (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالصلاة أمرها عظيم، ومقامها عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فمن أراد أن يعرف قدر الإسلام في نفسه فلينظر إلى قدر الصلاة، فإن كان يعظم الصلاة ويهتم بها، فإنه يكون مهتمًّا بالإسلام ومعظمًا له ، من كان متهاونًا بالصلاة فإنه يتهاون فيما سواها من باب أوّلا ، ولهذا جهله الله تتكرر في حياة المسلم في اليوم والليلة خمس مرات، ولا بد أن تؤدى في مواقيتها من الليل والنهار قال صلى الله عليه وسلم: إن لله عملًا في النهار لا يقبله في الليل وإن له عملًا في الليل لا يقبله في النهار، فلا يجوز للمسلم أن يتلاعب بالصلاة وأن يصليها على حسب أهواء فراغه، بل يؤديها في مواقيتها قال الله جل وعلا: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)، المحافظة عليها تعني أن تؤدى في مواقيتها التي حددها الله لها من الليل والنهار ولا يتلاعب بها، فإن من الناس من لا يصلي أبداً يترك الصلاة متعمداً وهذا كافر، كما دلّه عليه الآيات والأحاديث كافر بالله عز وجل، وإن ادّعى الإسلام، ومن الناس من يصلي لكنه لا يصليها في مواقيتها فهذا مضيع لها، قال الله جلّ وعلا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً* إِلاَّ مَنْ تَابَ)، والغي: وادي في جهنم شديد حره، بعيد قعره، والعياذ بالله، وقال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) وتضييع الصلاة والسهو عنها فهو تضييع للوقت لأنه يصلي كما قال الله جل وعلا: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) فهو يصلي لكن لا يصلي في الوقت فهو مضيع لصلاته، ومتوعد بهذا الوعيد الشديد، ومن الناس من يصلي في الوقت لكنه لا يصلي مع الجماعة، ولا يجيب النداء فقد قال صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر، قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، فصلاة الجماعة في المساجد واجبة على المسلم، فلا يتلاعب الشيطان بالمسلم، ويضيع عليه صلاته، ومن الناس من يصلي مع الجماعة لكنه يتأخر حتى يفوته بعضها أو تفوتها كلها، ويصلي وحده أو مع جماعة مثله متأخرين عن صلاة الجماعة، وهذا تفريط عظيم، يُخشى على المسلم أن يضيع الصلاة نهائيًّا، لأنه إذا تساهل فيها، فإنه يضيعها في النهاية ويتركها في النهاية، لأنه متبع لخطوات الشيطان، فالشيطان يتدرج به في هذه الأحوال مع الصلاة فلا بد أن يحزم المسلم نفسه وآمره مع الصلاة يهتم بها، لأنها هي نجاته ، لأنها هي دينه، لأنها هي أول ما يحاسب عنه يوم القيامة من عمله فيهتم بها، وإذا اهتم بها وحافظ عليها، فإنه ينال الفوز العظيم في الدنيا والآخرة تسهل عليه جميع الطاعات، وتكره إليه جميع المعاصي والسيئات: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، فالمصلي والمحافظ على صلواته يظهر أثر ذلك عليه، وأما المضيع والمفرط بصلاته فيظهر ذلك عليه، وهذا واضح للعيان في أحوال الناس، فالواجب على المسلم أن يهتم بهذه الصلاة في مواقيتها، ومع الجماعة وأن يداوم عليها، أما أن يصلي بعض الأوقات، ويترك الأوقات الأخرى، فهذا لا يقبل منه صلاته التي صلاها، لأنه لم يحافظ على صلاته، ومن ترك صلاة واحدة فهو كمن ترك جميع الصلوات، ومن الناس من لا يصلي إلا يوم الجمعة ويظن أن صلاة الجمعة تكفيه صلاة الجمعة، إذا ضيع الصلوات لا تقبل منه صلاة الجمعة، ولا تصح منه فلا بد أن يحافظ على الجمع وعلى الجماعات وعلى جميع الصلوات ليحفظ دينه، وليجد الفائدة العظيمة في الصلاة، الصلاة نور وبرهان وحجة عند الله سبحانه وتعالى فلماذا يتهاون بها ؟ إلا من أطاع الشيطان وأطاع نفسه الأمر بالسوء، فعلى المسلم أن ينظر في موقفه مع الصلاة أن يحافظ عليها، والشيء بالاعتياد، فإذا عود الإنسان نفسه على المحافظة على الصلاة سهلة عليه، وألفها وصار يحن إليها، أما إذا فتح لنفسه باب التساهل فإن الشيطان يعدوه إلى سحيق بعيد والعياذ بالله . فالواجب على المسلم أن يهتم بتلك الصلوات الخمس قال عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإن هذه الصلوات من سنن الهدى، إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، وقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولو أنكم صليتكم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم، لضللتم وإن الرجل ليؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، قال الله جل وعلا في المنافقين: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)، فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم ما بقي عند كثير من الناس من أمور الإسلام إلا هذه الصلاة، فإذا ضيعها أو تهاون بها لم يبقى عنده دين أبدًا. كانت آخر وصية لنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الرمق الأخير من حياته عليه الصلاة والسلام، يعاني من سكرات الموت، فإذا أفاق قال: عباد الله الصلاة، الصلاة وما ملكت إيمانكم، ما زال يكررها حتى ثقل لسانه عن النطق بها عليه الصلاة والسلام، اتقوا الله عباد الله حافظوا على صلواتكم لتكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم:(والذين هم على صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).