أوضحنا بالمقال السابق أن من أسباب بطلان الجمعية التأسيسية الثانية لوضع الدستور، بطلان الانتخاب لأعضاء هذه الجمعية ومخالفته للمادة (60) من الدستور المؤقت، وذلك لتحديد عضويتها بقائمة دوارة حددها الإخوان والسلفيون من بين 1830 مرشحا بدون بيانات كافية لتحقيق انتخاب حر وصحيح، ويتحقق هذا البطلان كذلك بسبب عدم نفاذ مشروع القانون المغتصب لسلطة وضع القواعد والإجراءات اللازمة لانتخاب الجمعية التأسيسية والقواعد الخاصة باجتماعات هذه الجمعية وأداء مهمتها في وضع مشروع الدستور الجديد، ولإقحام عدد من حزبي الأكثرية الإخوانية والسلفية من أعضاء البرلمان في عضوية هذه الجمعية،ذلك بالتناقض مع حكم محكمة القضاء الإداري بحل الجمعية الأولي!! ومن ثم وبناء علي هذه الأسباب مجتمعة وهي عدم دستورية القانون الذي لم يعتمده المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وصورية الانتخاب لأعضاء هذه الجمعية وكذلك لوجود أعضاء من البرلمان من الإخوان والسلفيين بالقائمة الدوارة لعضوية الجمعية، وبالتالي فإن تشكيلها باطل، وما أجرته أو تجريه من اجتماعات ومناقشات أو وضع لائحة داخلية، يعد باطلا ولا أثر له دستوريا وقانونيا!! وبصفة خاصة فإن ما تضعه وتصوغه هذه الجمعية الباطلة من مواد للدستور المقترح بكون باطلا ولا أثر له، وهذا البطلان حتمي سواء صدر حكم من محكمة القضاء الإداري ببطلان الجمعية قبل الانتهاء من إعداد مشروع الدستور الباطل، أو بعد إنجاز هذا المشروع استنادا الي «الوهم» بأنه لو تم ذلك قبل صدور هذا الحكم فإنه سوف يكون صحيحا بحسب نظرية «الموظف الفعلي» وذلك لعدم سلامة الاستناد الي هذه النظرية بسبب بطلان تشكيل الجمعية أصلا ولأنه يتعين للاعتداد بأثر تصرفات الموظف الفعلي - أي الجمعية التأسيسية الفعلية - أن يكون أداؤها وتصرفها سليما طبقا للقواعد الواجبة الاتباع، وأن تكون هناك ضرورة ملحة تبرر صدور هذه التصرفات ولو لم تكن الجمعية ذات ولاية أو اختصاص صحيح، بما أنجزته لبطلان تشكيلها أصلا، وهذه الشروط ليست متوفرة في الجمعية التأسيسية المذكورة. ولمواجهة البطلان الحتمي لهذه الجمعية وإجراءاتها،وما قد تنتهي إليه من اقتراحات تتعلق بمشروع الدستور الجديد، فقد نص الإعلان الدستوري المكمل علي إضافة مادتين الي الدستور المؤقت الصادر في مارس 2011 برقم 60 مكرر و61 مكرر وتقضي المادة الأولي بأنه إذا ما قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، يشكل المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تشمل أطياف المجتمع، لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال 3 أشهر من تاريخ تشكيلها علي أن يعرض للاستفتاء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إعداده، وتجري الانتخابات التشريعية خلال خمسة أشهر من تاريخ موافقة الشعب علي مشروع الدستور في الاستفتاء ونظمت المادة «60 مكرر» حق الاعتراض علي اقتراحات الجمعية بشأن مواد الدستور الجديد وأعطت هذا الحق لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو لرئيس الوزراء أو المجلس الأعلي للهيئات القضائية أو لخمسة أعضاء الجمعية المذكورة ولابد أن يتم الاعتراض علي أي نص يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التي تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، ومع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية السابقة، فإذا لم تعدلها الجمعية وأصرت علي رأيها يعرض الأمر علي المحكمة الدستورية العليا التي تبت في الخلاف بقرار ملزم للكافة ونصت هذه المادة علي وقف الميعاد المحدد للاستفتاء علي الدستور الجديد في المادة 60 من الدستور المؤقت لحين الانتهاء من إعداد مشروع هذا الدستور!! وتواجه هذه الأحكام بالطبع حالة العجز أو الانحياز في تشكيل الجمعية التأسيسية من أكثرية من الإخوان والسلفيين ولإلزام الجمعية المذكورة موضوعيا بالمبادئ والأهداف الأساسية التي قامت من أجلها ثورة 25 خاصة «العيش والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية»!! وكذلك بالمتواتر من المبادئ الدستورية التي توافرت في الدساتير المصرية السابقة من سنة 1923 الي سنة 1971 والتي تشمل بالضرورة «مدنية الدولة» والشعب مصدر السلطات «وسيادة الدستور والقانون أساس الحكم في الدولة» والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وعموما لمنع كتابة دستور «سلفي إخواني» حسب مبادئ وأغراض حزبي الإخوان والسلفيين وحدهم، ولقد صدمت كما صدم أغلبية الشعب المصري بإعلان أن رئيس الجمهورية منذ أيام قد صدق ونشر مشروع القانون الباطل وغير الدستوري بشأن شروط وإجراءات تشغيل الجمعية التأسيسية، وهو الأمر الذي سوف نتعرض له بالمقال القادم!! رئيس مجلس الدولة الأسبق