إحالة العاملين المقصرين في عملهم بالمنشآت التعليمية للتحقيق بمركز الزقازيق    رئيس جامعة طنطا يترأس لجنة مناظرة الطلاب ذوي الإعاقة الراغبين في الالتحاق بإحدى الكليات النظرية    مجلس الإدارة ينضم لاعتصام صحفيي الوفد    خبير: أراضي طرح النهر في البحيرة والمنوفية أكثر عرضة للغرق لهذه الأسباب    البابا تواضروس يحث رهبان دير الأنبا هرمينا بأسيوط على بساطة الحياة    الداخلية تفتتح مراكز تدريب للمرأة المعيلة ضمن مبادرة "كلنا واحد"    وزير الزراعة يوجه بتشكيل لجان لمتابعة توفير الجمعيات الزراعية الأسمدة ومستلزمات الإنتاح    استقبال رئيس الإمارات يتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    محافظ المنوفية: 87 مليون جنيه جملة مشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة بمركزي تلا والشهداء    وزيرة البيئة توجه بتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين الحماية والاستثمار المستدام    العفو الدولية: العدوان الوحشي على غزة أطلق مرحلة كارثية جديدة من النزوح القسري    حكومة نتنياهو تنتظر رد حماس على مقترح ترامب: ليس لدينا تقييم حتى الآن    طائرة مسيّرة إسرائيلية تلقي قنبلة صوتية قرب صياد لبناني في الناقورة    الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة في غزة مهزلة    سلوت: إيزاك يحتاج إلى التأقلم مع ليفربول.. ونفتقد سلاح الكرات الثابتة    إدارة مسار تشدد على ضرورة الفوز أمام الأهلي.. وأنباء حول مصير عبد الرحمن عايد    محمد صلاح على موعد مع التاريخ في قمة ليفربول وتشيلسي بالبريميرليج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    انخفاض طفيف في درجات الحرارة بالإسكندرية.. والعظمى 30 درجة    ضبطوا متلبسين.. حبس متهم وشقيقة بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة بالهرم    خلاف انتهي بطعنه.. حبس سوداني طعن شابا داخل محل حلاقة ب6 أكتوبر    استنساخ يفتتح أولى فعاليات مهرجان الإسكندرية.. وسامح حسين: تمردت على الكوميديا    الليلة.. ختام وإعلان جوائز الدورة ال21 من مهرجان مسرح الهواة بالسامر    احتفالية ضخمة للأوبرا في ذكرى انتصارات أكتوبر    عبد العاطي يلتقي مندوبة كوبا الدائمة لدى اليونسكو في باريس ويشيد بدعمها للعناني    نجاح أول جراحة قلب مفتوح بالتدخل المحدود داخل مستشفى النصر في بورسعيد    إجراءات وقائية تجنب طفلك عدوى القمل في المدارس    تعرف على سعر بنزين 92 اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار مدرسة داخلية بجزيرة جاوة الإندونيسية إلى 7 قتلى    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    "فيها إيه يعنى" يحقق انطلاقة قوية بأكثر من 5 ملايين جنيه فى يومين فقط    اليوم العالمى للابتسامة.. 3 أبراج البسمة مش بتفارق وشهم أبرزهم الجوزاء    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    حكم البيع الإلكترونى بعد الأذان لصلاة الجمعة.. الإفتاء تجيب    أجهزة أمن القاهرة تضبط عصابات سرقة الهواتف والسيارات    محمد عواد يعود لقائمة الزمالك فى مواجهة غزل المحلة    «العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    15 دقيقة إضافية من النوم يومياً تضيف عقداً إلى حياتك.. «خبراء» يوضحون    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    أحمد ربيع يقترب من الظهور الأول مع الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    الشرطة البريطانية تكشف هوية منفذ هجوم مانشستر بالقرب من كنيس يهودي    مواقيت الصلاة اليوم وموعد خطبة الجمعة 3-10-2025 في بني سويف    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حدث تاريخي.. أول ترشيح مصري منذ 20 عامًا    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    انتداب المعمل الجنائي لفحص حريق مخزن وشقة سكنية بالخانكة    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    رابط التقييمات الأسبوعية 2025/2026 على موقع وزارة التربية والتعليم (اعرف التفاصيل)    حزب الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أتربة عالقة في الأجواء .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. وكُلٌّ بما لديهم منشغلون
نشر في الوفد يوم 13 - 07 - 2012

هل هو "ربيعٌ عربيٌّ" فعلاً؟! وهل هي حقّاً "ثوراتٌ عربيّة"؟! وأين "العربي" في كلّ ما حدث ويحدث؟! فهل الصفة "العربية" هي بالإشارة إلى المكان فقط؟! فلا "الثورات" التي نجحت في تونس ومصر زادت في دورهما العربي، ولا من استثمر هذه "الثورات" سياسياً ووصل فيها إلى الحكم ينتمي إلى تيّاراتٍ سياسية عروبية. أمّا في ليبيا واليمن، فإن الخطر فيهما أصبح على وحدة الكيان الوطني ووحدة الهوية الوطنية، فكيف بمظلّة "الهويّة العربية" التي لا تعرف الآن أيَّ جسمٍ ليبي أو يمني سيحتمي بها!. والحال نفسه ينطبق الآن على تداعيات الأوضاع في سورية وعلى العديد من برامج قوى المعارضة.
أصبحت الآن "الهوية العربية"، في بلدان "الربيع العربي"، مادّةً للنقاش وللرفض وللإسقاط في بعض الأحيان، بل أصبح فرز "قوى المعارضة" يتمّ على أسسٍ طائفية ومذهبية وإثنية في ظلّ التركيز الإعلامي العالمي على التيّارات السياسية الدينية في المنطقة ككل، فعن أيِّ "عربٍ وهويّةٍ عريبة" يتحدّثون؟!.
ثمّ لو سألنا كلَّ إنسانٍ عربي عن أولويّة اهتماماته العامّة الآن، لكانت الإجابة حتماً محصورةً في أوضاع وطنه الصغير، لا "وطنه العربي الكبير"، ولا قضيّته الكبرى فلسطين، فالأمَّة الواحدة أصبحت الآن "أمماً"، وفي كلٍّ منها "أممٌ متعدّدة" بتعدّد الطوائف والأعراق والعشائر، ولدى كلٍّ منها أزمته الحادّة وصراعاته المفتوحة دون أن يلوح أفقُ أملٍ أو حلٌّ قريب.
إنّ تعبير "الربيع العربي" أو "الثورة العربية" يوحي وكأنّ ما يحدث في المنطقة العربية هو ثورةٌ واحدة موحّدة في الأساليب والقيادات والأهداف والظروف، وعلى أرضٍ واحدة وفي كيانٍ واحد، وهذا كلّه غير صحيح. فالمنطقة العربية هي أمَّةٌ واحدة، لكنّها تقوم على 22 دولة وكيان وأنظمة حكم مختلفة. فوحدة "الشارع العربي"، من الناحيتين السياسية والعملية، هي غير متوفّرة بسبب هذا الواقع الانقسامي السائد لقرنٍ من الزمن تقريباً، وبالتالي فإنّ المشترك الآن هو حدوث انتفاضاتٍ شعبية عربية، لكن بقوى مختلفة وبظروف متباينة وبأساليب متناقضة أحياناً. فما حدث من أسلوب تغيير ونتائج في تونس ومصر لم يتكرّر في ليبيا أو اليمن أو سوريا أو البحرين، ولا كانت أيضاً مواقف المؤسسات العسكرية في هذه البلدان متشابهة مع مثيلاتها في تونس ومصر مثلاً.
وكان واضحاً، وما يزال، غياب المعيار العربي الواحد لتقييم هذه الانتفاضات الشعبية. فقد يكون معيار البعض هو العامل السياسي المحلي فقط، من خلال تغيير أشخاص في الحكم أو إسقاط نظام، بينما قد يكون المعيار، لدى البعض الآخر، هو مدى قدرة هذه الانتفاضات الشعبية على البقاء متحرّرة من التدخّل الأجنبي وشروطه المستقبلية على النظام البديل.
أيضاً، تختلف المعايير العربية، ممّا حدث حتّى الآن في المنطقة، تبعاً للمواقع العقَدية الفكرية والسياسية، كما هي أيضاً في المعايير الدينية والمذهبية والإثنية عند من يعتبرونها مرجعيتهم لتحديد مواقفهم من أيّ شأن. فلذلك وجدنا ترحيباً بالنتائج السياسية لانتخابات مصر وتونس لدى جهاتٍ معينة، وهواجس ومخاوف لدى جهاتٍ أخرى، رغم انطلاق كل هذه الجهات من مبدأ دعم ما حدث من تغيير للأنظمة السابقة. الأمر نفسه ينطبق على دعاة المعايير الطائفية والمذهبية والإثنية، حيث دعم أو رفض التغيير في أيّ مكان ينطلق عندهم من هذه المعايير والمصالح الفئوية.
صحيحٌ أنّ التطورات المهمّة الجارية الآن على أرض العرب، حملت إيجابياتٍ كثيرة؛ أهمّها تحطيم جدار الخوف النفسي الذي كان يفصل بين المواطن وحقوقه في الوطن، وإعادة الاعتبار من ثمّ لدور الناس في عمليات التغيير المطلوبة بالمجتمعات، بعد أن حُصر التغيير في السابق إمّا بالمؤسسات العسكرية أو بالمراهنة حصراً على التدخّل الخارجي، لكن هذه المتغيّرات تحدث في مناخ تزداد فيه الطروحات الانقسامية في المجتمعات العربية، وقد سادت في الفترة الأخيرة بأشكال طائفية ومذهبية مختلفة، وهي تتناقض مع طبيعة صحّة الواقع؛ الذي هو بين حاكمٍ ظالم وحكوماتٍ فاسدة من جهة، وبين مواطنين ومحكومين مظلومين ينتمون لكلِّ الطوائف والمذاهب والعقائد، من جهةٍ أخرى.
إنّ ما يحدث الآن في عموم أرض العرب، هو تعبيرٌ لا عن خطايا حكومات وأنظمة فقط، بل هو مرآةٌ تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهويتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي، وفي التماشي مع رغبات "الخارج" وشروطه للدعم والمساندة.
إنّ وجود حكوماتٍ فاسدة واستبدادٍ سياسي وبطالة واسعة وفقرٍ اجتماعي وغيابٍ لأدنى حقوق المواطنة المتساوية وللحرّيات العامة وانعدام فرص العمل أمام الجيل الجديد، كلّها عناوينٌ لانتفاضاتٍ شعبية جارية أو كامنة، وراءها عشرات الملايين من المظلومين والفقراء على امتداد الأرض العربية. لكن ماذا بعد الانتفاضات، وعلى أساس أيِّ برنامجٍ للتغيير؟
كان من واجب الحركات السياسية الدينية أن تعطي الأولويّة لإصلاح المجتمع في أيِّ بلد، لأنّ ذلك هو مبرّر وجودها الأساسي، ولأنّ ذلك أيضاً هو السبيل الأسلم إلى إصلاح الدولة ونظام الحكم فيها. فالحركات السياسية الدينية، حين تعطي الأولوية لتغيير أنظمة الحكم، فذلك يعني بالنسبة لها بناء أطر حزبية فئوية ثمّ صراعات سياسية يومية مع "الآخر" في المجتمع، ثمّ صراعات لاحقة داخلية على السلطة والمناصب.. بينما إصلاح المجتمع يعني بناءً سليماً للدعوة والدعاة، ويوجب حسن الأسلوب والتعامل مع "الآخر" في المجتمع، واستخدام التأثير الإيجابي في الناس من خلال العمل الثقافي والفكري البعيد عن الفئوية والانتماءات الضيقة والمصالح الخاصة.
قد يرى البعض أنَّ عنوان تحدّيات هذه المرحلة يجب أن يتمحور حول مسألة الديمقراطية وحرّية المواطن من الاستبداد الداخلي. لكن رغم صحّة هذا الأمر من الناحية المبدئية، فإنَّ أساس المشكلة في الواقع العربي الراهن هو تراجع مفهوم "الوطن" وتعثّر تطبيق حقّ "المواطنة" وتهميش مسألة "السيادة الوطنية". ولعلّ في ما يحدث الآن، في تجارب عربية "ديمقراطية"، أمثلة حيّة على مكمن هذه المشكلة السائدة في المجتمع العربي.
***
إنَّ الضعف العربي، المتراكم منذ أربعة عقود، هو بناء تدريجي كانت أسسه في تعطيل دور مصر العربي بعد المعاهدة مع إسرائيل، ثم في حجم التدخلات الأجنبية في أوطان لم يحصل التوافق بينها على مفهوم "الأمّة العربية" بعد تجزئة المستعمر الأوروبي للمنطقة وقيام أوطانٍ غاب فيها الولاء الوطني الواحد، وسادت في معظمها أوضاع طائفيّة وقبليّة، فامتزجت التجزئة العربيّة بين الأوطان مع الانقسامات الداخليّة في كلّ وطن. وأصبح أبناء كلّ بلدٍ عربي يتساءلون، حين يقع بلدهم في أزمة: " أين العرب"؟. لكنّهم لا يتساءلون، لا قبل الأزمة أو بعدها: "لِمَ لا يكون هناك اتحادٌ عربي أو في الحدّ الأدنى تكاملٌ عربي" يواجه التحديات المشتركة على الأوطان والأمة؟!.
في الوقائع الآن، أنّ هناك سعياً محموماً لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية، ممّا يُعيد معظم أوطانها إلى حال الوصاية الأجنبية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي. ويترافق مع "وقائع" التدويل الجارية حالياً، وجود "وقائع" إسرائيلية تقوم على سعيٍ متواصل منذ عقودٍ من الزمن لدعم وجود "دويلات" طائفية وإثنية في المنطقة العربية. فشعار "يهودية" دولة إسرائيل سيكون مقبولاً ليس دولياً فقط بل أيضاً عربياً، حينما تكون هناك "دويلات" سنية وشيعية ودرزية وعلوية ومارونية وقبطية وكردية ونوبية وأمازيغية، تسبح كلّها في الفلك الإسرائيلي!
وفي الأفق الآن، مشاريع دولية لعددٍ من بلدان المنطقة تقوم على إعادة تركيبها بأطرٍ سياسيّة ودستوريّة جديدة تحمل الشكل الفيدرالي "الديمقراطي"، لكنّها تتضمن بذور التفكّك إلى كانتوناتٍ متصارعة في الداخل، ومستندة إلى قوى في الخارج. وتتزامن هذه المشاريع الدولية مع الدور الإسرائيلي الشّغال عالمياً وعربياً لدفع الواقع العربي إلى حروبٍ أهليّة عربيّة شاملة، مدعومةٍ بتدخّلٍ أجنبي متعدد الأطراف على أبواب الأمّة العربية. تلك الأمّة التي بدأت كياناتها الوطنية الكبرى تتصدّع واحدةً تِلوَ الأخرى، وكلُّ من فيها من أوطان وجماعات بما لديهم منشغلون!.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.