مدير ¢مركز الحوار العربي¢ في واشنطن لفت انتباهي . من جملة ما يصلني من رسائل ومقالات توزع علي شبكة الإنترنت. ما كتبه بعض المفكرين والكتاب العرب من ملاحظات علي مسار الانتفاضات والثورات العربية الجارية حالياً. ومن هذه الملاحظات ما كتبه الدكتور خالد الناصر من تعليق علي مقال الدكتور مخلص الصيادي حول المظاهرات الشعبية التي حدثت في سوريا. قال الدكتور الناصر: " أنا أري أن يتم التمسك بالخطوط التالية: 1 سلمية الحراك الشعبي مهما كانت ردود فعل النظام. 2 أهم المقولات * بعض الحركات السياسية المشاركة في الثورات الشعبية تحتاج إلي آفاق فكرية واضحة المعالم. * الواقع العربي الراهن تختلط فيه مفاهيم كثيرة لم تحسم بعد فكرياً أو سياسياً. * كيف يمكن الجمع بين الديمقراطية وبين الحفاظ علي وحدة النسيج الاجتماعي في كل بلد؟ * من غير توفر مقومات نظام ديمقراطي. فإن أي ضغط عنفي لتغيير ما قد يتحول إلي أداة تفجير اجتماعي وأمني. الوحدة الوطنية وعدم السماح بالانزلاق إلي أي طرح طائفي مهما حدث. 3 عدم إعطاء أية فرصة للتدخل الخارجي ناهيك عن موضوع استدعائه المرفوض كلياً. 4 عدم المساس بثوابت سوريا المعروفة تاريخياً عبر كل أنظمتها وهي الانتماء العربي والتمسك بالمقاومة لقوي الهيمنة. 5 عدم استعداء حلفاء النظام الخارجيين سواء قوي المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق . أو الدولية كإيران وتركيا. كما قد بدر من بعض القوي الحمقاء من المعارضة. وتحييدهم لأنهم خارج موضوع هذا الصراع أصلاً. حينها يصبح تصعيد الحراك الشعبي هو الوسيلة التي لا مناص منها لحصول التغيير. وأي تفريط في الخطوط التي ذكر سيكون نذير فشل ومثار خطر يجب أن نحذر منه وأن نتجنبه. فنحن نريد سوريا المعافاة القوية الديموقراطية القادرة علي أن تقوم بدورها القومي الهام في المنطقة وليس مجرد استبدال نظام مسدود الأفق بنظام لا نعرف أين سيصب". أيضاً . كتب الدكتور علي فخرو مقالاً عن الأخطاء في مسيرة بعض الثورات . قال فيه:" الشعارات الناجحة تحتاج أن تركز علي الألويات المفصلية الكبري . وأن تكون وطنية جامعة تقبلها أغلبية كبيرة من مكونات المجتمع . وأن لا تغفل أهمية التوازنات والثوابت الإقليمية أو القومية وكذلك أهمية تعاطف الخارج معها. وأن لا تصاحبها مظاهر رمزية فئوية يشتم منها الطائفية أو العرقية أو القبلية. وعلي الأخص أن لا تصطدم بمرتكزات تاريخية ودستورية قامت عليها الدولة وتوافق عليها المجتمع عبر سنين طوال". كذلك . كتب الأستاذ كمال شاتيلا قائلاً :" إن عوامل نجاح الثورة المصرية مهمة جدا لتقاس علي أساسها الانتفاضات والثورات والتحركات العربية. وأبرز هذه العوامل : أن الثورة كانت سلمية ولم تعتمد العنف المسلح . ونهضت علي الوحدة الوطنية فلم تكن طائفية أو مذهبية أو فئوية. ومثلت الأغلبية الشعبية ضد طبقة الأقلية. وبالتالي . حينما يكون هناك تحرك فئوي انفصالي أو فئوي أو مسلح في مكان ما من العالم العربي. فلا يمكن أن نسميه انتفاضة أو ثورة. لأن هناك فارقا بين تغيير نظام وبين تقسيم وطن. وحين تبدأ القضية شعبية تحررية وتنتهي تقسيمية استعمارية . فهذه ليست بثورة". هذه نماذج محدودة مما بدأ يظهر في الكتابات العربية من حديث عن ضوابط ومفاهيم للثورات العربية بعد فترة سادها أسلوب المدح الخالي من أي نقد لما هي عليه طبيعة هذه الثورات أو نواقصها فالمنطقة العربية تشهد الآن ظاهرة " الثورات الديمقراطية" بمعزل عن أيه قضية أخري . حتي بمعزل عن حرية بعض الأوطان من الاحتلال أو الهيمنة الأجنبية. ومن الطبيعي أن يتحرك الشارع العربي وأن ينتفض ثائرا لإنها حالات الفساد والاستبداد . لكن المشكلة أن بعض الحركات السياسية المشاركة في الثورات الشعبية تحتاج هي نفسها إلي آفاق فكرية واضحة المعالم. وإلي أطر تنظيمية سليمة البناء . وإلي قيادات مخلصة للأهداف. أيضاً . فإن الواقع العربي الراهن تختلط فيه مفاهيم كثيرة لم تحسم بعد فكرياً أو سياسياً. وهذه المفاهيم هي أساس مهم في الحركة والتنظيم والأساليب . كما هي في الأفكار والغايات والأهداف. فما هو الموقف من التعددية بمختلف أنواعها الفكرية والسياسية والدينية والأثنية داخل المجتمع . وما هو مصير دعم المقاومة المشروعة في فلسطين ولبنان ؟ وما هي العلاقة بين حرية الوطن وبين حرية المواطنين؟ وكيف يمكن الجمع بين الديمقراطية وبين الحفاظ علي وحدة النسيج الاجتماعي في كل بلد؟ وهل طريق الديمقراطية يمر في تجزئة الكيانات ؟ ثم ما هي آفاق هذا التغيير المنشود من حيث العلاقة مع إسرائيل . وهل ستكون "الشرق أوسطية" هي الإطار الجامع لدول المنطقة مستقبلاً أم ستكون هناك خطوات جدية نحو تكامل عربي شامل يعزز الهوية العربية المشتركة ويأخذ بالنموذج الاتحادي الأوروبي كصيغة مستقبلية للعلاقة بين الدول العربية؟ تحدثت في مقال سابق. تضمنها مع مقالات عديدة أخري كتاب لي صدر حديثاً تحت عنوان : "الفكر والأسلوب في مسألة العروبة". عن قوي التغيير في المجتمعات العربية قائلاً: من غير توفر مقومات نظام سياسي ديمقراطي . فإن أي ضغط عنفي لتغيير ما في المجتمع قد يتحول إلي أداة تفجير اجتماعي وأمني يصعب التحكم بنتائجه. كذلك فإن عدم الالتزام بأساليب التغيير الديمقراطية يعني تحويراً للانقسامات السلمية نحو مسارات عنيفة . فالانقسامات السلمية الصحية في المجتمعات تحتاج لضمانات التغيير الديمقراطي من قبل الحاكمين والمعارضين معاً. وقد يساعد. في تعميق هذه الخلاصات . فرز مهم حدوثه لدي المنشغلين في هموم تغيير المجتمعات فبمقدور المجتمعات العربية أن تحقق خطوات إيجابية أوسع لو وضعت باعتبارها لائحة "التمييز المطلوب" هذه: أ التمييز المطلوب في العمل السياسي ما بين تغيير الحكومات وبين مخاطر تفكيك الكيانات الوطنية. فالخلط بين النظام الحاكم والكيان الوطني الواحد هو خطر علي الوطن كله. لذلك التمييز ضروري بين تغيير أشخاص وسلطات وقوانين وبين تهديد أسس الكيان الوطني والمؤسسات العامة في الدولة. ب التمييز ضروري بين حق المقاومة المشروعة من أجل التحرير حينما تكون هناك أجزاء من الوطن خاضعة للاحتلال. وبين رفض أسلوب العنف المسلح العامة في الدولة. ج التمييز بين الطائفة أو المذهب. وبين الطائفية والمذهبية. فالحالة الأولي هي ظاهرة طبيعية إنسانية موجودة في أكثر من مجتمع يقوم علي التعددية. أما الحالة الثانية. فهي ظاهرة مرضية تؤدي إلي تفكك المجتمع وضعفه وانقسامه. د التمييز بين الاعتزاز بالوطنية المحلية. وبين الانعزالية الإقليمية التي لا تحقق أمناً ولا تصنع وطناً قادراً علي العيش في عصر العولمة. كما التمييز مطلوب بين الحرص علي الولاء وبين التقوقع الإقليميي. فإن من المهم أيضاً التمييز بين الانفتاح علي الخارج وبين التبعية له. في مقابل هذه العناصر من " التمييز المطلوب" فإن قوي التغيير في المجتمعات العربية معنية أيضا ب "عدم الفصل" بين جملة قضايا: أ عدم الفصل بين الحرية السياسية والحرية الاجتماعية. أي "بين لقمة العيش وبين نزاهة البطاقة الانتخابية". ب عدم الفصل بين حرية الوطن وحرية المواطن . فالاستبداد الداخلي هو المسئول عن القابلية للاستعمار الخارجي. ج عدم الفصل بين أهمية الإصلاح الداخلي في كل بلد عربي وبين ضرورة إصلاح العلاقات العربية / العربية من أجل تكامل الأقطار العربية واتحادها علي أسس دستورية سليمة. د عدم الفصل بين المنطلقات والغايات والأساليب. وعدم الفصل بين الأطروحات النظرية وبين أساليب العمل التطبيقية. فكثير من الحركات السياسية العربية تقول ما لا تفعل . وتفصل بين الفكر والممارسة. ه التمييز مطلوب بين قدرتنا كعرب علي تصحيح انقساماتنا الجغرافية من أجل حاضرنا ومستقبلنا. وبين انقساماتنا التاريخية في الماضي التي ما زلنا نحملها معنا جيلاً بعد جيل. ولا قدرة لنا أصلاً علي تغييرها! وستطمئن الأمة العربية لكل تغيير يحدث الآن فيها إذا كانت سماته المشتركة هي الديمقراطية والتحرر الوطني والحرص علي الوحدة والهوية العربية. فلا ينفصل نجاح واحدة من هذه السمات عن الحاجة للنجاح أيضاً في السمات الأخري.