عندما ظهر الممثل الشاب محمد رمضان فى مسلسل السندريلا، ليجسد شخصية الراحل العظيم احمد زكى، قلنا والله برافو عليه، قدر فعلا ان يقلد صوت وحركات وطريقة مشى أحمد زكى، وتفوق على منى زكى التى ابتعدت كثيرا عن شخصية سعاد حسنى التى كان المسلسل محاولة لسرد بعض لمحات من تاريخها الانسانى والفنى. واكتفت منى زكى بمسخ شخصية السندريلا، وتصورت أن الرموش الطويلة سوف تقربها من شكل سعاد حسنى! بينما غاص محمد رمضان فى تفاصيل أحمد زكى وكأنه استحضر عفريته، ويبدو ان هذا العفريت لايزال يعيش داخل الفتى المسكين، حتى جعله شخصية فنية ممسوخة، يتحرك ويتحدث وينظر ويصمت مثل أحمد زكى، ولكنه بالطبع لم يبلغ نصف ولا حتى ربع موهبته! أزمة محمد رمضان التى يدركها جيدا ومع ذلك يستسلم لها، أنه يعيش فى جلباب احمد زكى، ولم يخرج منه فى أى من الاعمال التى قدمها، ورغم نجاحه النسبى فى فيلم احكي ياشهرزاد، إلا انه لم يحقق نجاحاً يذكر، رغم الكم الهائل من الفرص التى صادفها، طوال سبعة أعوام هى مشواره الفنى كانت كافيه جدا لأن تخلق منه نجما سينمائيا لو كان صاحب موهبة فنية متفردة، ولكنه للأسف استسلم تماما لعفريت أحمد زكى الذى ركب كتفيه، ودلدل ساقيه! فيلم «الألمانى» الذى كتب له السيناريو وقام بإخراجه «علاء الشريف» هو نموذج واضح وصارخ، لرداءة تفكير بعض من يعملون فى مجال السينما، ويبتذلون كل قيم الجمال التى يجب أن تتوافر لهذه الصناعة! الألمانى هو لقب أطلقه البعض على شاهين الفتى الأسمر الذى يعيش مع والدته فى إحدى الحارات شديدة الفقر التى تمتلئ بها القاهرة، وتضم أناساً يصعب أن تصنفهم بين البشر، وقد تورط الألمانى فى قتل أحد الأشخاص كى يسرق منه الموبايل! وهذا ما جعله خبرا أساسيا فى صفحات الحوادث، وبالتالى أصبح فقرة تسعى اليها بعض البرامج التليفزيونية، ولكن نظرا لعدم قدرة هذه البرامج على استضافته شخصيا بعد أن لاذ بالفرار من الشرطة التى تطارده، فهى تلجأ لاستضافة والدته «عايدة رياض»، لتحكى سيرته، لجمهور شغوف للاستماع لتلك القصص المخزية، وكأنها سيرة أبو زيد الهلالى، ومن سخافات هذا الفيلم محاولة السخرية ونقد البرامج التى تقوم على الهيافة وتروج لها، ومع ذلك تقوم بالاستعانة بالمذيعة إنجى على أحد رموز البرامج السطحية، لتقوم هى بالذات بالهجوم على زميلتها التى تستضيف والدة البلطجى القاتل، لتروى للجمهور قصة حياته! فيلم الألمانى يحاول استغلال ظاهرة البلطجة التى أصبحت واقعا يؤرق المجتمع المصرى منذ سنوات، وقد زادت وفرضت وجودها وقانونها فى العام الأخير، بعد أن أطلقت الداخلية جحافل البلطجية لتأديب الشعب المصرى، ومعاقبته على قيامه بثورة على الفساد المتمثل فى نظام مبارك! ولكن الفيلم للأسف لا يرقى حتى لأفلام المقاولات، التى ازدهرت فى الثمانينيات من القرن المنصرم، فإذا باثنين من نجوم هذه الأفلام يعودان لتصدر تترات فيلم الالمانى، وهما عايدة رياض، وأحمد بدير ولكن فى أدوار الآباء! وإذا كنا نلوم على بعض كتاب السينما المصرية ومخرجيها على السرقة من الأفلام الأمريكية عينى عينك، فإن مخرج ومؤلف الألمانى قام بالسرقة من الأفلام المصرية حديثة الانتاج، بمنطق جحا أولى بلحم ثوره، وسوف تجد فى الفيلم ملامح صريحة وواضحة من «ابراهيم الأبيض» شوية، ومن «تيتو» شوية، والفيلمان من بطوله أحمد السقا، حتى أن أفيش الفيلم هو استنساخ سخيف من أفيش «إبراهيم الأبيض»! وحتى تفاصيله الصديق البلطجى الذى يخون صديقه يتم تقديمها فى الألمانى، حيث يضطر محمد رمضان للدخول فى معركة بالسلاح الأبيض مع صديقه البلطجى برضه ضياء عبد الخالق ويرديه قتيلا! ولم يكتف الفيلم بتقديم وصلات من الردح والقبح والتشوهات والتسلخات البشرية، بل زاد عليها بيوت الدعارة التى لا يمكن أن تتواجد بهذا الوضوح، فى المناطق الشعبية المكدسة بكتل البشر!! «الألمانى» هو مقتل لطموح هذا الشاب محمد رمضان إن كان يحمل أى طموح فني، فعليه أن ينسى، ولأن الانسان مسئول عما يصل اليه حاله، خيرا كان أو شرا، فقد اختار محمد رمضان أن يلعب فى البدروم، بدلا من أن يسكن الطبقات الأعلى، وكل واحد على قد فهمه وطموحه وعلامه، وأنت حيث تضع نفسك! والغريب أن محمد رمضان الذى يقلد أحمد زكى فى كل حركاته ولفتاته، نسى أن قيمة أحمد زكى تكمن فى موهبته الفذة وإصراره الرهيب على التحدى وانتزاع حقه من الدنيا كى تعترف بموهبته، وقد تحقق له ذلك، ولكن محمد رمضان اكتفى بما تيسر، وقبل أن يقدم أدوراً فى السينما والتليفزيون لا تقدم ولكنها بالتأكيد سوف تؤخر كثيرا.