طالما ظل الجهل والفقر مرابطين فى ديار هذه الشعوب المغلوبة على أمرها سيظل التقدم إلى الخلف مرادفاً للتقهقر إلى الأمام ذلك أنها تنحاز بغير قناعات وإذعاناً لتركيبة ثقافية متخلفة إلى أن تتسلح بمعاول الهدم وليس معاول البناء. وبنظرة سريعة على سياقات الخطاب السياسى الملابس لوجدناها قد حاصرتنا زيفاً وخداعاً فسارت بنا وفقاً لخطة موضوعة قاصدة إحراز غايات محددة لتبدأ أولى حلقاتها بخلط الشأن السياسى بالدينى والخرافة بالعلم واستبدال الواقع المتردى بالهروب ليس إلى الأمام، ولكن إلى الماضى السحيق باعتباره الجنة الموعودة أو المدينة الفاضلة. ونتج عن ذلك أنه بموجب هذا الخطاب اللاموضوعى تم استدعاء جميع القضايا الجدلية تاريخياً وسياسياً ودينياً لتصير الأمور إلى تلك النتيجة المعلومة التى بمقتضاها صار الكل فاسداً والكل باطلاً ومن أراد النجاة من هذا الفرز البغيض فليس أمامه خيار سوى الانحياز لمعسكر التكوين ذات القدرة على المغالبة. وبفعل هذه السياقات المعيبة فقد أخضت إلى الإجهاز على قواعد التاريخ والجغرافيا والعقل والمنطق والحضارة. وفى ظل هذا الزخم الثورى العشوائى لم يتوقف أحد لبرهة ليتصدى لكيفية صنع أغلبية انتخابية زائفة فقد انحصرت كل المعايير المطروحة فى تناول هذه النتيجة رصيداً لا تحليلاً وكماً لا كيفاً. وبعد أن أذعن صاحب السلطات لغوغائية الشارع، وبدلاً من أن تتصدى لجنة الانتخابات الرئاسية لهذا التزييف المعنوى الذى لحق بإرادة الناخبين الذى بموجبه جعلوا الله تعالى طرفاً فى المعركة الانتخابية باعتبار أن مرشح الإخوان المسلمين هو مرشح ربانى وبأن اسمه ورد فى اللوح المحفوظ وبأن ديننا لن يكتمل إلا بالتصويت لصالحه، ومن ثم كان من المستحيل مثول أو مناقشة احتمالات عدم فوزه، وبدلاً من أن تتصدى اللجنة أيضاً لوقائع الرشاوى العينية والمادية فقد التفتت عن كل ذلك اكتفاء بالتصدى لوقائع التزوير المادى وسلمت إذعاناً لدكتاتورية الشارع المغرر بها وقد نقبوا لها فى ثنايا الفقه لتبرير الدفع بهم فى اتجاه الاستيلاء على السلطة قفزاً على الشرعية واستباقاً للسلطات المختصة بإعلان النتائج وتبرير فقهائهم ومنظريهم للأمور باستدعاء ما يسمى ب«فقه التغلب» الذى يسمح بمنح الشرعية للحاكم المتغلب أى الذى يستولى على الحكم بالقوة وينصب نفسه حاكماً شرعياً. لم تتصد اللجنة لما ارتكبه دعاة المنابر من إثم فى حق الدولة وحق الدين وحق المسلمين حين انبرت حناجرهم للدعاية لمرشح الإخوان المسلمين، والأمر العجيب أيضاً أن يلقى هذا الخطاب التعبوى العشوائى الملتبس قبولاً لدى النخبة المصرية، رغم وضوح فساده وجنوحه نحو المغالطة واللاموضوعية ومجافاته لكل المعطيات السياسية المتاحة والراهنة. لقد رأينا العجب العجاب حين انبرى أحد فرسانهم، وقد امتطى جواداً من خشب وامتشق سيفاً من ورق وصاح صيحته القوية، واقدساه وامرساه وبدلاً من أن يبشرنا جميعاً وبخاصة عوام الناس وبسطائهم بموضع لائق فى مستشفى أو مدرسة أو مسكن آدمى فقد بشرنا بالولايات المتحدة الإسلامية وعاصمتها القدس الشريف، بل وأضاف من كماليات هذا المشهد ما يسمح لمن أراد أن يستقل القطار لصلاة العصر صحبة خليفة المسلمين والعودة. اليوم أستطيع أن أقرر أن هذه النخب المصرية قد أجهضت ثورتنا العظيمة فى يناير حين لم تتصد لذلك الغزو الذى قادته جماعات الإسلام السياسى لحكم مصر. لقد سقطت الأقنعة لتتضح هشاشة البنيان الفكرى والثقافى والسياسى للنخب المصرية بحيث تجلت المواقف لتكشف عن كم الانتهازية والابتذال الأخلاقى والسياسى نفاقاً وتملقاً. وهنيئاً لنا بما فعلته الثورة بالمجتمع المصرى وقد تشرذم فعلياً إلى طوائف وعصبيات وتكتلات. هذا وإن كان ذلك قد صار واقعاً إلا أننا نأسف له. المستشار أحمد حسام النجار