فوجئت مصر في الرابعة من مساء أمس الأول الأحد بقرار جمهوري أحال نورها الي ظلام حتي وصفه البعض بأنه كرسي في الكلوب، فقد قرر الرئيس «المستجد» إعادة مجلس الشعب «المنحل» الي الوجود مرة أخري بعد أن دفن وتحللت جثته بحكم قضائي من أعلي محكمة دستورية في البلاد، وهو ما يعد جريمة مكتملة الأركان حسب كلام رجال القانون وتوقعه تحت طائلة المادة 123 من قانون العقوبات لقيامه بتعطيل تنفيذ حكم قضائي وهو هنا يعرض نفسه للعزل والحبس، وهذا أضعف الايمان. أما السياسيون فيصفون خطأ مرسي بأنه ليس مجرد خطأ ولكنه خطيئة زينها له فقهاء السلطة أي سلطة وهم الذين غرروا بالرجل وزينوا له الحرام الدستوري، فقد داس الرجل علي حكم قضائي من أعلي محكمة في العالم، وهي المحكمة الدستورية العليا، صاحبة الصولات والجولات والتاريخ الطويل، حتي انها حلت مجلس الشعب مرتين في عهد الرئيس السابق دون أن تهابه أو تخاف من جبروته مما أهلها لتحتل المكانة الثالثة علي مستوي العالم في التقدير والاحترام من بين جميع دستوريات العالم. ولو عدنا لخلفيات القرار الجمهوري لأدركنا أن مرسي، الذي نخطئ أن نقول انه رئيس دولة بحجم مصر، ولكنه يبدو وكأنه مندوب لمكتب الارشاد بقصر الاتحادية، فالرجل يعرف قدراته وامكاناته وانه لولا دعم الجماعة له ما نجح، لهذا سلم الرجل قيادته للمرشد ولخيرت الشاطر، حتي انه تردد في أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية طويلا. ونخطئ اذا ما نظرنا للرئيس المستجد علي أن قراراته من رأسه، فهو منفذ أمين لرغبات وإرادة آية الله بديع وشاطره وبالطبع حبست مصر أنفاسها بالأمس انتظارا لرد المجلس الأعلي للقوات المسلحة خاصة أن المجلس قرر عقد اجتماع طارئ بعد وصول قرار مرسي اليه بعودة البرلمان وسحب والغاء قرار المشير ورقمه 350 وهنا توقعت مصادر عديدة رد فعل عنيفاً من المجلس الأعلي، والذي قد يصل في عنفه الي حد عزل مرسي ومنعه من دخول قصر الاتحادية لأنه حنث باليمين التي أقسمها باحترام الدستور والقانون، وأنا هنا أقول يمينا واحدة وليس ثلاثا علي أساس أن مرسي أقسم يمينا واحدا قانونيا واثنتان «فالصو» لدغدغة مشاعر البسطاء والضحك علي الذقون. بل وصل الأمر ببعض القوي المدنية لاعلان الحرب علي مرسي، بل وتحريض المجلس الأعلي علي عزله واعتقاله ومحاكمته. لكن في اعتقادي أن المجلس فضل أن يبتعد عن مشهد المواجهة وأن يترك الحرب لرجال القضاء الذين نالوا من صفعة مرسي جانباً كبيراً، والمواجهة هنا قد تكون بالاضراب عن العمل، وتعطيل المحاكم أو قد تكون بمحاكمة مرسي بموجب المادة 123 من قانون العقوبات لتعطيله حكماً قضائياً والامتناع عن تنفيذه، وهي جريمة قد تعرضه للعزل والحبس أما عن قراره فهو محكوم عليه بالبطلان في أسرع وقت،بعد أن تطوع عشرات المحامين برفع القضايا لإبطاله وافساد مفعوله. المشكلة الآن أن قرار مرسي بإعادة المجلس المنحل تضمنت عودته لممارسة كافة سلطاته وصلاحياته وهي جريمة لأن صلاحياته في التشريع والرقابة غير موجودة بعد أن قالت المحكمة إن المجلس أصبح هو والعدم سواء خاصة أن قرار المحكمة نسف تماماً أساس وجود هذا المجلس وعلي هذا فان أي قرار و قانون أو تصرف من المجلس سيحكم عليه بالبطلان. المشكلة الكبري أن هناك بعض «فلول» الدستوريين ممن زينوا الحرام للرئيس مازالوا حتي الآن يدافعون عن قرار الرجل الكارثي، والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص يكررون مع مرسي خطيئة القانونيين مع عبدالناصر، قبل الثورة وكان علي رأسهم السنهوري باشا فقد زينوا لناصر كل حرام في القانون وإهدار الحريات، وكان نصيبهم في النهاية علقة ساخنة بالحذاء لأكبر رأس فيهم أما الشرفاء من رجال القانون فقد أدانوا خطوة مرسي واعتبروها جريمة وسقطة تاريخية لا يقع فيها رئيس عاقل يريد مصلحة شعبه وبلاده، فيبدأ حكمه باهدار أكبر حكم قضائي من أهم محكمة في البلاد، وكما يقولون «أول القصيدة كفر». ولاتزال الأوضاع ساخنة، وجميع السيناريوهات مفتوحة من كل الأطراف المجلس الأعلي ورجال القضاء والساسة ورجال الأحزاب.. الكل يدين خطوة مرسي، ويطالبونه بسحب قراره والعودة الي صوابه حتي لا يغرق البلاد في مشاكل وأزمات هي في غني عنها. الأيام القادمة قد تحمل لمرسي الكثير فبعد أن حملته من «البرش» إلي «العرش» قد تعيده مرة أخري الي «البرش» فلننظر ما تحمله الأيام.